رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر وفلسطين.. والاستخدام السلمى للطاقة النووية


فجأة ودون مقدمات امتلأت الصحافة وقنوات تليفزيون بأنباء عن أن مصر صوتت لصالح إسرائيل لكى تصبح الأخيرة عضواً فى لجنة الأمم المتحدة للاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وقيل أن هذا هو أسلوب مصر للتعاون مع إسرائيل، ليس ذلك فقط، بل إن مصر هى الدولة العربية الوحيدة التى صوتت لصالح إسرائيل واصبحت القصة عنصراً دائماً بل ولحناً متكرراً فى أغلب القنوات .

ليس من أهدافى أن أدافع عن سياسة مصر حيال القضية الفلسطينية ولا العلاقات المصرية مع الكيان الصهيونى، وقد سبق لى أن انتقدت بعض جوانب هذه السياسة وتقدمت باقتراحات لتعديلها، خاصة فيما يتعلق بمعبر رفح ، لكن الخلاف الرئيسى أنى أولاً لا أعتقد أن مصطلح القضية الفلسطينية صحيح، بينما الصحيح هو «الصراع العربى ــ الإسرائيلى» وان احتلال إسرائيل لفلسطين يشكل تهديداً لأمن مصر القومى ولكل الدول العربية، وأن مفتاح الحل ليس فى إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضى التى احتلت فى يونيه 1967، وإنما فى تنفيذ حق العودة بأن يعود الفلسطينيون، كل الفلسطينيين، إلى منازلهم وأوطانهم وحينئذ يصبح شكل الدولة وعاصمتها مختلفين، بل استطيع أن أقول إن الواجب الأساسى لكل العرب هو دعم حق عودة الشعب الفلسسطينى إلى أرضه، ولا أضع اعتباراً لما يقال عن أن الفلسطينيين لا يرغبون فى العودة إلى أراضيهم، فهذا حق ليس من حق أحد أن يتنازل عنه.

أعود إلى موضوع انتخاب الكيان الصهيونى للجنة الأمم المتحدة للاستخدام السلمى للطاقة النووية، حيث من الواضح أن مصر تتعرض فى هذا المجال لنوع من تشويه الصورة وأن هذا التشويه شاركت فيه قوى كثيرة بعضها عن إدراك وسوء نية، وربما البعض الآخر دون إدراك أو بحسن نية، ولو أنى أشك فى حسن النوايا بعد سكوت هذه الأطراف عما انتشر بعد ذلك بغرض تشويه صورة مصر.

الطرف الأول فى التشويه هو الولايات المتحدة الأمريكية التى أصرت على أن يكون الانتخاب والتصويت على ورقة واحدة بها المرشحون لعضوية اللجنة وبالورقة أسماء كل من قطر والإمارات وعمان وإسرائيل وبموجب هذا الإصرار يكون التصويت بنعم على الورقة يعنى التصويت للكل، ورفضها هو رفض للكل، وهو ما رأت مصر الاعتراض عليه، إلا أن اعتراض مصر لم يغير شيئاً، وجرى التصويت فى الجمعية العامة للأمم المتحدة وفقاً للطريقة التى طلبتها الولايات المتحدة.

الخطوة الثانية كانت عربية، حيث اجتمع المندوبون العرب لدراسة الموقف واتفقوا على التصويت بنعم على الورقة ليتحقق انتخاب ثلاث دول عربية فى اللجنة، خاصة أن إسرائيل ستنتخب سواء وافقت الدول العربية أو لم توافق وفقاً لنظام العمل بالأمم المتحدة، وهنا فإن التصويت المتفق عليه هو تصويت لصالح الورقة التى تشتمل على كل الأسماء وليس تصويتاً لصالح إسرائيل. كانت الخطوة التالية هى التصويت الفعلى، حيث قام مندوب مصر فى الأمم المتحدة بالتصويت وفقاً للاتفاق بين ممثلى الدول العربية فى الأمم المتحدة وهكذا وافقت مصر رسمياً على انتخاب الإمارات وعمان وقطر وإسرائيل لعضوية لجنة الأمم المتحدة، لكن الغريب أن باقى الدول العربية لم تلتزم بما اتفقت عليه وامتنع بعضها عن التصويت وبعضها غاب عن التصويت، وهكذا بدا أن مصر هى الدولة العربية والإسلامية الوحيدة التى وافقت على الورقة بما فيها إسرائيل.

الخطوة التالية كانت إعلامية فقد أصبحت هناك إسطوانة إعلامية مشروخة تقول إن مصر قد صوتت لصالح عضوية إسرائيل، وأن هذا ضمن التعاون المصرى ــ الإسرائيلى فى وقت تقوم فيه إسرائيل بالعدوان على الفلسطينيين واستباحة المسجد الأقصى، مع إغفال حقيقة أن مندوب مصر صوت على ورقة بها عدة دول عربية قبل إسرائيل ولم يكن تصويتاً «لصالح إسرائيل».

بعد ما سبق ومع هذا العزف الأوركسترالى لإدانة التصرف المصرى نجد هناك صمتاً عربياً وإسلامياً فى مواجهة هذا التشويه، وإذا كان مفهوماً لى ومتوقعاً من قطر التى تدعى أنها لم تصوت لها حتى لا تنتخب إسرائيل رغم علاقاتهم غير الرسمية، فإنى لا أستطيع أن أبتلع تبريرات صمت باقى هذه الدول والتى يفترض أنها طرف فى الاتفاق وربما صديقة لمصر. لا أعفى السلطات المصرية من المسؤولية سواء أثناء العملية أو بعدها فقد كان مطلوباً المتابعة مع بعض الدول العربية والإسلامية بحيث تفوت على أطراف المؤامرة أهدافهم الدنيئة، ومن جهة أخرى فعليها أن تطالب هذه الدول بتوضيح حقيقة الموقف خاصة وظهور حقيقة التآمر المقصود به تشويه صورة مصر. مرة أخرى أكرر المطالبة بتعديل سياسة مصر حيال فلسطين بالتركيز على تطبيق حق العودة وقرار الأمم المتحدة المتعلقة به.