رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قراءة فى خطاب الرئيس الأخير


لا يشك وطنى يحب هذا الوطن ويتشرف بالانتماء إليه ويحافظ على هويته المصرية فى وطنية وإخلاص الرئيس السيسى، فالسيسى قرأ كتاب المصريين واستطاع أن يضبط بوصلته على ما يسعون.. وأدرك آمالهم وما يتمنون فوثق فيه الشعب المصرى ووضع فيه تحقيق هذه الآمال معهم وبهم فأعطوه تفويضاً تاريخياً فى 26 يوليو 2013 ثم اختاروه رئيساً بنسبة حقيقية من الأصوات غير مسبوقة.. ومازال الشعب المصرى يزاول هذه الثقة وينتظر تحقيق هذه الآمال. نعلم حجم المسئولية وضخامة الأمانة وثقل المهمة. ندرى ضخامة الإرث من المشاكل المتراكمة عبر عشرات السنين. ولا يخفى على أحد خطورة التحديات الداخلية والخارجية وكم التآمرات على مصر بعد 30 يونيه والتى وجهت ضربة قوية لهذه المخططات التى استهدفت المنطقة وفتتها ومازالت تحاول تفتيت مصر وتقسيمها.

كما أنه لا أحد ينكر على المصريين أن يحلموا ويأملوا ويتمنوا وينتظروا تحقيق هذه الآمال وتجسيد تلك الأحلام. فى الوقت الذى لا تتجاوز هذه المطالب غير توفير لقمة عيش تسد رمقهم وسقف يقيهم صهد الصيف وزمهرير الشتاء. لا يحلمون بأكثر من فرصة تعليم حقيقى تؤهلهم لفرصة عمل يجدونها بعيداً عن واسطة وبغير طريق الرشوة. من حقهم إنسانياً قبل سياسياً أن يجد غير القادر العلاج الذى يخفف عنه آلام الأمراض المستعطية والمزمنة والمتفشية. وفى ضوء تلك الصورة البانورامية تكلم السيسى فى الندوة الثقافية للقوات المسلحة الأحد الماضى ولكن هذه المرة كان الكلام غير كل الكلام وكان لومة العتاب أعلى من كل المرات وكان هناك بصيص من شعاع غضب غير متوارٍ.

نعم يمكن أن نقول إن هذا مقبول ومن حق السيسى أن يغضب وأن يقترب من درجة الغضب ولكن ممن؟ بالطبع الغضب من تلك الحكومات التى تغيب عنها الرؤية السياسية التى تحدد أهداف المرحلة حتى لا تتداخل الأهداف وتتوه المراحل. يغضب من إيقاع العمل البطىء ومن حجم الإنجاز الذى لا يتسق مع أى آمال. تكلم السيسى وكان التركيز على قضيتين مهمتين وهما الإعلام والأسعار. فكثيراً ما تكلم وكرر الكلام عن الإعلام وخطورة مهمته فى رفع درجة الوعى للجماهير والدور الذى يمكن أن يؤثر به الإعلام سلباً أو إيجاباً نعم لا أحد ينكر تأثير الإعلام المباشر خاصة القنوات الفضائية ولا أحد ينكر تلك المهازل التى يمارسها الإعلام الآن خاصة بعد سيطرة رجال الأعمال على مجمل القنوات الخاصة المعبرة عن مصالحهم وفى ضوء التقاعس المهنى لتليفزيون الدولة خاصة بعد سيطرة شركات الإعلان من المادة التليفزيونية وصولاً لاختيار المذيع وفرض البرامج التافهة التى تسطح وعى الجماهير وتنزل بالذوق العام إلى مستوى الحضيض الشىء الذى يشكل شخصية ممسوخة لا علاقة لها بقيم أو مبادئ أو أخلاق. وهذا ما نراه وما يعانى منه المجتمع الآن. نحن مع السيسى ولا خلاف فى هذا. ولكن ما رأى الرئيس فى قنوات النفاق وجوقة المطبلاتية والذين يدعون كذباً أنهم يدافعون عن الرئيس وهم الذين يحمونه من كيد الآخرين وكأنهم هم وحدهم الذين يؤيدون الرئيس. الشىء الذى جعل هؤلاء يمارسون مكارثية مصرية جديدة ضد أى وطنى يعارض بموضوعية وينتقد معلميه لصالح الوطن. فهل الرئيس لا يؤمن بالمعارضة أصلاً؟ نعم نحن الآن نحتاج إلى الوحدة وهى غير التوحد. فالوحدة فى مجمل الرؤية السياسية التى نواجه بها المرحلة بكل تعقيداتها وهذا غير الاختلاف فى التفاصيل وفى التكتيك الذى لا يتعارض مع الاستراتيجية.

وهل يليق اختلاق معارك ليس وقتها الآن مثل تعديل الدستور بحجة الخوف على صلاحيات الرئيس فى الوقت الذى لم يختبر فيه الدستور عملياً حتى الآن؟ نعم الإعلام يحتاج إلى وقفة حقيقية ولكن بغير غضب يا سيادة الرئيس فنحن سنظل نحتاج إلى التماسك الذى لا يلغى الآخر والتأييد الذى لا يهم المعارض أما الأسعار فلا أحد ينكر دور القوات المسلحة فى إنقاذ الوضع فى مواجهة مشاكل ومعضلات كثيرة. ولكن لاشك فإن مشكلة الأسعار مشكلة مركبة ومعقدة ونزول الجيش والتموين بسلع فى السوق فهذا حل مؤقت لا علاقة له بأساس المشكلة الاقتصادية برمتها والتى فى أحد تجلياتها ارتفاع الأسعار.فالأسعار ليست مشكلة تاجر جشع فقط ولكنها مشكلة قلة إنتاج يغطى احتياجات السوق. هى مشكلة التضخم الذى يجعل المعروض من السلع أقل من المطلوب فى مشكلة عجز الموازنة وتضخم الدين الداخلى والخارجى وخلل الميزان التجارى بين الواردات الاستهلاكية والصادرات التى تدهورت. هى مشكلة المصانع المغلقة وتدهور الإنتاج الذى جعلنا نعتمد على الخارج حتى فى غذائنا، السيد الرئيس أنت دائماً تعلى من قدر الوطن وتنكر ذاتك وهذه هى صفات المصرى الوطنى الذى يحب وطنه ويخلص لشعبه ويريد أن تكون مصر أم الدنيا. ولهذا لابد من سماع الرأى الآخر ممن لا يريد هدم الوطن وإسقاط الدولة فهو مصرى وطنى من حقه الاتفاق أحياناً والمعارضة أحياناً أخرى وعلى أرضية وطنية فكلنا شركاء ومسئولون عن تقدم مصر ورفعتها وتحقيق تقدمها، ولذا فلا وصاية لأحد على هذا الشعب فالشعب وحده هو المعلم والوصى. حمى الله مصر وشعبها العظيم.