رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كم تساوى حياة الإنسان فى بلادى؟


لفت نظرى إعلان نشره أحد الأطباء على صفحته يحذر إحدى السيدات التى صرفت دواء من إحدى الصيدليات بالإسكندرية وكم يشكل استخدام هذا العقار من خطر على الجنين، حيث إن مستخدمة الدواء حامل وقت صرف العقار الخاطئ.

وقبل الدخول فى الموضوع أوجه الشكر للصيدلى المسئول عن الخط، وجل من لا يسهو، والأفضل هو كيف نضمن عدم تكرار هذا الخطأ الذى تكرر فى أماكن مختلفة، وربما لم يكن للمخطئ ذات الجرأة والضمير الحى الدافع لمحاولة تجنب الخطر، وإن كنت أشك أن الوقت فى صالح الضحية، لهذا أضع أمام الكل تجربتى فى الولايات المتحدة بعد أن أقدم وسيلة ضمان تفادى الخطأ، وفى حالة حدوثه كيف يتم تفادى أثر الخطأ:- ١- لا تسلم تذكرة الدواء للمريض، وإنما ترسل لأقرب صيدلية له، وعلى الصيدلى أن يخبر المريض بوصول تذكرة الدواء، وأن الدواء معد وجاهز للاستلام، وفى حالة صعوبة ذهاب المريض أو من يعاونه الى الصيدلية فإنها ترسل الدواء إلى منزل المريض.. ٢- الصيدلية التى بها اسم المريض لديها بيانات المريض التى لا يشاركه فيها أحد مهما كانت أعداد من يحملون الاسم نفسه، فلديها من الطبيب المعالج اسم المريض كاملاً، وتاريخ ميلاده باليوم والشهر والسنة، ورقم هاتف المريض، والرقم لا يتكرر مع أى هاتف آخر بالطبع، وآخر أربعة أرقام من رقمه القومى الذى لا يشترك فيه آخر فى أى مكان فى الولايات المتحدة. ٣- ومع كل هذه الضمانات، فالصيدلى يتأكد من شخصية من يتسلم الدواء إذا ما كان المريض بشخصه أو أى مندوب عنه. أما تجربتى الشخصية فتتلخص فى أن الطبيب الأساسى طلب فحصا مجهرياً معيناً عادة ما يطلب من أى إنسان تعدى الخمسين من عمره، حتى يتجنبوا نوعاً من السرطان الذى يصيب القولون أو البنكرياس حتى يمكن تفادى المرض فى الوقت المناسب وقبل أن يستحال تجنبه.

لهذا أحال الطبيب الأساسى الأمر إلى الطبيب المختص، وكان طبيباً إيرانياً يتمتع بشهرة عالية، كما شاهدنا من أعداد المترددين عليه، ومن اسمه ظننا أنه عربى، فهناك تقارب فى اللغة. حدد الطبيب المختص موعداً لإجراء الفحص تحت التخدير الكلى، وأوصى بالتجهيزات المطلوبة، وفى خلال مدة الاستعداد كان عليه أن يرسل إلى جهة أعلى لأخذ موافقتها، وإذ بتلك الجهة تكتب للمريض وطبيبه أنها لا تمانع من عمل هذا الكشف، لكنها لا توافق على وسيلة التخدير الكلى، حيث إن لديها تقريرا خاصا بذات الشخص لا يشجع على التخدير الكامل لهذه الحالة دون أخذ موافقة طبيب القلب الذى لديه تقارير سابقة لنحو عامين، وهنا توقف الفحص لحين أخذ رأى طبيب القلب، وهو من أصل سورى.

والسؤال هل وصل اهتمام أطباء أمريكا بخلق الله دون تفرقة فى المعاملة لأى سبب آخر يرجع للدين، أو اللون، أو الانتماء العرقى؟ فقط المهم هو حياة الإنسان.

إنه لا عجب لقوم يهتمون بحياة كل المخلوقات، كالكلب والقط والعصفور، بل وكيف

يتقنون وسائل ذبح الحيوانات المسموح بأكل لحومها حتى لا يعذب الحيوان فى ذبحه

قدر المستطاع. كل هذا فى دولة بها أكثر من ثلاثمائة مليون نفس، وتصل نسبة المهاجرين إليها إلى ما يزيد على الأربعين فى المائة نسبة الى العدد الاجمالي، مع الوضع فى الاعتبار أن الغالبية العظمى هى من المهاجرين من جميع دول العالم فراراً من الاضطهاد الدينى، فى ذلك الزمان الذى يزيد قليلاً عن مائتى عام. أما السؤال الذى لا شك يطرح نفسه، لماذا كل هذا الاهتمام بكل كائن حى ؟ لماذا لا تفرقة بين مواطن وآخر بسبب الجنس، أو الدين، أو اللون، أو العرق فى سائر المعاملات، حتى فى الوقت الذى تنقد فيه وسائل الاعلام المختلفة ما تفعله فئات من البشر بإخوة لهم فى اللحم والدم، وإن اختلفوا فى الانتماء الدينى، أو العرقى، أو الجغرافى، حتى يذبح البشر بوحشية فاقت ذبح الحيوان، كما ترتكب أفظع الجرائم بالأطفال والنساء، وكيف عرضت النساء مقيدات بالسلاسل لبيعهن لمن يشترى بعد الاعتداء الجنسى القهرى عليهن، وفى ذات الوقت نقرأ عن آخرين دفعوا أموالاً لشراء بعضهن، ليس لهدف سوى تحريرهن من قبضة البائعين، وكل هذا يتم على مرأى ومسمع العالم، حيث لم تترك وسائل الاعلام شاردة أو واردة، كما أن الذين يمارسون هذه الأفعال لا يَرَوْن فيها أى نوع من الحرج، بل إنهم يعلمون أن ما يفعلونه معلن ومعلم ومجرم فى غالبية قوانين العالم، ومع ذلك لا يعبأون، ولا يخجلون.

لقد هالنى وأفزعنى ذلك الإعلان الموجه للسيدة التى صرفت علاجاً خاطئاً، فى محاولة لإنقاذ الموقف قدر استطاعتها، فى حين ترتكب أخطاء تصل الى حد الجريمة

ولا ينوه عنها مرتكبوها. عودة الى عنوان مقالى هذا، كم تساوى حياة الانسان فى بلادنا؟

أما تعليقى الختامى على سؤالى فهو غياب الضمير، واستهانة الإنسان بأخيه الإنسان، وبكل الأسف يحاول هذا النوع من البشر أن يجدوا مبرراً لإسكات صوت الضمائر بمبررات أو مرجعيات -للأسف- ينسبونها للدين والعقيدة، ظناً أنهم أفضل خلقاً، و أعلى مرتبة من سائر خلق الله، غير مدركين أن عذاب الضمير - إن وجد- وإلا عذاب الآخرة، والذى لا مفر منه أو مهرب ينتظرهم، حيث لا رجاء . إنهم لا يسيئون فقط الى قطة، ولكن إلى قمة خليقة الله وهو الإنسان، فهل يعود يوماً هؤلاء إلى إنسانية الإنسان قبل فوات الأوان، الذى يسبقه سمعة وكرامة الأوطان التى ينتمون إليها حتى وإن تبرأت من أفعالهم!