رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أخاف عليك يا مصر


 سبق ونشرنا هذا المقال، منذ فترة ولكن لأهمية محتواه سأكرره اليوم، أخاف عليك يا مصر، ويزداد خوفى رغم الأمل العريض فى الخلاص، من كل شر وتخلف. أخاف عليك من شياطين الإنس والجن. شياطين الإنس، كما وصفهم القرآن الكريم مفسدون فى الأرض، يفرقون كل جمع، ويفسدون كل ما تقع أيديهم عليه، ومنهم الذين يسعون فى الخراب، دون وازع من ضمير أو خلق حتى تفكيك الأسرة والصلات العائلية. وأخاف عليك يا مصر، ممن يسعون فى الأرض فساداً «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ». وأخاف عليك يا مصر، ممن ضَل سعيهم فى الحياة الدنيا من كل الاتجاهات الفكرية، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

أخاف عليك من كل منافق ختال، يظهر غير ما يبطن، ينافق كل مسئول مهما كان موقعه، وينظر إلى الآخرين - من خلال الحب أو الكره - بعيداً عن الإنصاف والموضوعية. لا يعرف معنى قوله تعالى « مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ». المنافق لا يعرف، إلا ما يرضى المسئول حتى لو أغضب الخالق سبحانه وتعالى. ليس له من العمل الحسن نصيب، إلا الكلام والقول الفاسد. لم يقرأ «من أسخط الله فى رضا الناس، سخط الله عليه وأسخط عليه من أرضاه فى سخطه». أخاف عليك يا مصر من المداحين والهجاءيين الذين يمدحون أو يهجون - عمال على بطال - كما يقول المثل، ويزينون للمسئول كل شىء حتى الخطأ، وهم بذلك يسنون سنة سيئة» ومن سَنَّ فى الإِسلام سُنَّة سيِّئة كان عليه وِزْرُها وَوِزْرُ مَنْ عمل بها من بعده، من غير أن ينقُصَ من أوزارهم شىء». أخاف عليك يا مصر، من الموظف البيروقراطى الذى لا يعبأ بصفوف المراجعين الذين يسألون عن مصالحهم. ولا يهمه من أين جاءوا، ولا كم تكبدوا من المال والوقت والجهد، وقد يكون وراءه لافتة مكتوب عليها : لاتؤجل عمل اليوم إلى الغد.

أخاف عليك يا مصر من ازدحام الطرق – والمتهورين مشاةً وركبانا - وأنا أسمع استغاثة عربات الإسعاف أو الشرطة أو عربات المهام العاجلة، والتى قد يموت بسببها المريض أو الجريح على الطريق من ازدحام أو سوء الخلق، وعدم الاستجابة لنداءات الإغاثة. أخاف عليك يا مصر من الكلام الجميل، الذى لايصاحبه عمل جميل مثله. نعوذ بك يا ربى من قول بلا عمل».

أخاف عليك يا مصر الحضارة، من عدم أو ضعف الإسهام الحضارى، فلا يذكرك التاريخ بما ذكر به الآباء الأولين، وهذا فى الدنيا، والله تعالى أعلم بالآخرة وبالنيات.

أخاف عليك يا مصر، وأنت رائدة العالم العربى والإسلامى – بلد الأزهر أقدم جامعات الدنيا – من أن تنحازى إلى غير الحق لسبب أو لآخر. وأخاف عليك من التخلف فى التعليم والبحث العلمى والرعاية الطبية والصحية، وأخطر من ذلك كله التخلف فى الأخلاق.

أخاف عليك من الاستيراد من الملابس، إلى الأقلام، إلى مراتب الأسرة، إلى الأدوية والآلات الطبية إلى السلاح، وكل هذا قد يكون بالعملة الصعبة التى نشكو من قلتها. أخاف عليك يا مصر، من تكتلات ظاهرها الرحمة وباطنها فيه العذاب. أخاف عليك يا مصر من إهمال ما نقدر عليه، فيزداد قدرة وبطشاً علينا. أخاف عليك من المتشددين والإرهابيين والتكفيريين مهما كانت مظلاتهم.

ولم أرى فى عيوب الناس عيبا .. كنقص القادرين على التمام، أخاف عليك يا مصر من ازدياد الأمراض والجهل والفقر والعشوائيات، وضعف السعى للخروج من كل ذلك، كما خرجت أمم قبلنا من كل ذلك، وكتبت تاريخاً جديداً لنفسها. أكتب هذا رغم الأمل العريض فى مستقبل أفضل بالعمل الجاد «إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً». وأخيراً أخاف عليك من شر الفتن ما ظهر منها وما بطن. والله الموفق.