رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً


كثر الحديث حول قضية الإعلامى المرموق والشجاع والواسع الاطلاع، وأنا شخصياً من

المعجبين به وبجرأته وقدرته على المواجهة فى زمن قل من أمثاله، وأعترف أننى لست ملماً بتفاصيل قضيته مع زوجته السابقة، وهى أيضاً إعلامية، وإن لم تكن فى شهرة وجرأة الدكتور توفيق عكاشة الذى أتابع برامجه من مصر، أو من خارجها كما أفعل هذه الأيام أثناء وجودى بالولايات المتحدة للعلاج. وبصفتى أحد دارسى القانون، ولى البعض من أساتذتى الذين لا يزالون يساهمون بعلمهم ووطنيتهم فى ساحة النضال، أطال الله أعمارهم، هناك فى مدرجات جامعة القاهرة، درسنا فى السنة الأولى تعريف القاعدة القانونية «إنها قاعدة اجتماعية وضعت لتنظيم العلاقات الناشئة عن تعايش أشخاص طبيعيين فى مجتمع منظم، بهدف تيسير حياة البشر المقيمين على أرض ذلك المجتمع وبعضهم البعض، وأن من يخالف تلك القواعد يطبق عليه الجزاء المتضمن فى القوانين، والتى قررها القاضى المختص المعصوب العينين «جوازاً بالطبع». وقبل أن أستعرض حادثة من الزمن المعاصر، أذكر القارئ بما درسناه فى مدارسنا عن قصة ابن الوالى عمرو بن العاص، وقد وردت الرواية فى كتاب «الولاية على البلدان»، ومفادها كما يلى:

عندما كان عمرو بن العاص والياً على مصر فى خلافة عمر بن الخطاب، وفى سباق للخيل بين ابن عمرو وشاب قبطى، أى مصرى مسيحى، ضرب ابن الوالى الشاب المسيحى اعتماداً على سلطان أبيه. سافر المواطن المصرى المسيحى وبرفقته ابنه إلى المدينة المنورة، وعرض قضيته على الخليفة عمر بن الخطاب الذى أرسل مستدعياً عمرو وابنه الشاب، وعندما حضرا أعطى عمر للشاب المسيحى سوطاً - أى كرباج - وأمره أن يضرب ابن عمرو كما ضربه، فضربه بالفعل، ثم قال ابن الخطاب قولته الشهيرة التى أصبحت مبدأ

قانونياً: «لو ضربت عمرو بن العاص ما منعتك لأن ابنه ضربك بسلطان أبيه»، ثم التفت إلى ابن العاص قائلاً «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً». أما الرواية الأخرى فهى من تاريخنا الحديث، وقد كنت شاهد عيان لكل تفاصيلها مع أن أحداثها تعود إلى نحو ربع قرن، ومن هذه الرواية ندرك كيف يرانا العالم الغربى فى موقفنا من القوانين الوضعية. كان لنا أستاذ هولندى عاش وأسرته سنين طويلة فى مصر، وبعد نهاية عمله، وقبيل سفره، أراد قضاء عدة أيام فى مدينة الإسكندرية حين كانت الحرارة فى القاهرة مرتفعة، وإن لم تكن مثل هذه الأيام. كانت سيارته تحتاج إلى بعض الإصلاحات، ولكن لم يهتم بها باعتبار أنهم راحلون، ولا داعٍ لمزيد من النفقات شأن الشعب الهولندى شديد الحرص فى الإنفاق، وفى رحلة العودة كانت زوجته الجميلة هى التى تقود السيارة، وعند مدينة قليوب اختلت عجلة القيادة، حتى اصطدمت بسيارة أخرى، وماتت الزوجة وأحد أطفالهم، وأصيب الزوج والابن الآخرـ حيث نقلا إلى المستشفى.

لم تمض إلا بضع سنوات، وضابط التحقيق فى الواقعة استقال، وسافر للعمل فى هولندا، وفى إحدى زياراتى لهولندا، وفى لقائى مع أستاذى ذكرت له أن ضابط التحقيق فى الحادثة يقيم عندكم، فطلب منى تدبير موعد غداء له معنا، وكان أن التقينا معاً على مائدة غداء، وهنا سأل الضابط المصرى السابق: ما الفرق بين القانون المصرى والقانون الهولندى؟ أجاب الدكتور دركسن «إن القوانين كلها واحدة فى كل العالم، ولكن فى معظم دول العالم المتقدم، ومنها هولندا، أن القانون فى المقدمة وكل الناس تسير خلفه، من الملوك والحكام إلى أفراد الناس»، أما فى بعضها، وللأسف كان ذكره لمصر، قال «البعض يسير خلف القانون، والبعض الآخر يسير أمام القانون». وكما بدأت هذا المقال، فحكمى ليس نهائياً، وليس بيدى مستندات، ولكن من ظاهر ما توافر إلينا من معلومات ووعود ومقابلات كانت نتيجتها وقف تطبيق القواعد القانونية، والسؤال هل القبض على الإعلامى البارز توفيق عكاشة لم يقم على قواعد وإجراءات صحيحة، وهنا لا بد من مراجعة من قام بالقبض عليه، أما إذا كانت الإجراءات صحيحة، والأحكام لا شبهة فى صحتها، فالأمر جد خطير، إذ يضعف الثقة فى أحكام القضاء، وهنا يأتى سؤالى الأخير.. أين حق الزوجة السابقة التى تلهث لسنوات طويلة هى وابنهاالصغير، الضحية الكبرى فى مجتمع الحداثة، حيث سبقنا العالم فى تقدير الطفولة والعناية بها، حتى الأطفال مجهولى النسب، وستبقى قضية المرأة والطفل فى ربوع البلاد وأمثالها موضع الغرابة، فالإنسان هو الإنسان الذى كرمه الخالق، ولا يجوز للمخلوق أن يهين خليقة الله، فعلى أعلى درجات الكرامة والرقى خلق الله الإنسان، الذى هو الرجل وهو المرأة.

إنها ليست قضية توفيق عكاشة، وليست قضية سيدة تلهث فى ردهات المحاكم، وتنفق ربما كل معيشتها، وطفل حائر بين أم ترعى وأب ينكره، إنها قصص تتكرر فى كل محاكم مصر، وتحتاج إلى إعادة نظر فى القانون، وليس فقط مجلس للأمومة والطفولة يحاول ويصارع بين النجاح المحدود والفشل الممنهج، وقد حضرت العديد من اجتماعات المجلس، ورأيت عجب العجاب، فالفتاة التى لم تكتمل سن الزواج القانونى كانت قد تزوجت ثلاث مرات، حتى إن ابنها لم تستطع قيده باسم والده الحقيقى، فنسبته إلى والدها، ليصبح ابنها وأخوها فى ذات الوقت، ولست أدرى ماذا سيكون واقع أبناء ذلك الطفل عندما يكبر وهو ينادى أمه الحقيقية بأخته رسمياً، وكيف ستصل ذريتهما فى العلاقات الزوجية، إنه عجب فى دنيا العجائب.

الرئيس الفخرى للطائفة الإنجيلية