رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تبقى مصر لمن يحب مصر


فى وسط الأجواء السياسية التى نجتازها حالياً، وفى وسط الاضطرابات الأمنية السيئة، أتذكر مقولة شخصية لأديب مصر الأستاذ نجيب محفوظ وذلك أثناء رده على سؤال وجهه له الأستاذ ضياء الدين بيبرس – بعد أن قام الأستاذ نجيب محفوظ بنشر روائعه: القاهرة الجديدة «1945»، خان الخليلى «1946»، زقاق المدق «1947»، السراب «1948»، بداية ونهاية «1949»، ثم الثلاثية الرائعة «بين القصرين، قصر الشوق، السكرية» «1956/1957» – وقد تم نشر هذا الحوار فى العدد الخاص عن نجيب محفوظ من كتاب الهلال الصادر فى فبراير 1970. كان السؤال: ماذا سيبقى منك؟ أجاب الأديب نجيب محفوظ بقوله: «لن يبقى من فننا شىء، ولكن تبقى مصر لمن يحب مصر ولمن يحب أن يراجع بعض صفحاتها القديمة، ربما لهذا السبب وحده تبقى – أو تقترب من البقاء – «الثلاثية أو زقاق المدق»، لا كأعمال فنية ولكن كوجه من وجوه مصر». هذا هو نجيب محفوظ الوطنى الرائع الذى حارب الظلام والتخلف الفكرى بأعمال فكرية مستنيرية.

فأعماله القيمّة يتهافت عليها المثقفون والمفكرون. أما المتخلفون فلا وجود لهم على خريطة مصر الخالدة. من الذى قتل فرج فوده؟ واعتدى على نجيب محفوظ؟ إلا أصحاب الفكر التكفيرى والمحرضون على القتل والإرهاب. هؤلاء لا يحبون مصر ويودون لها الخراب. أنا لا أفهم كيف تترك الدولة الساحة للجماعات السلفية المختلفة لنشر أفكارهم المُدمرة؟ أنا لا أفهم كيف لا تتخذ الدولة موقفاً حاسماً من الأفكار المسمومة التى يبثها الشيطان الأكبر المدعو نادر بكار – عميل النظام الأمريكى لتخريب مصر – عندما يقول «إن الأقباط كفرة»! ولم يقل إن المسيحيين كفرة، وفى هذا دعوة صريحة لقتل وترويع الأقباط!! أليس هؤلاء السلفيون هم الذين اعتدوا على الكنائس وعلى ممتلكات الأقباط عقب ثورتى 25 يناير و30 يونيه. هؤلاء القتلة لا يودون أن تبقى مصر طبقاً للتمويل الأمريكى. ثم نستمع لأصوات نشاز – حتى من البعض من داخل الكنيسة القبطية – تطالب بالحوار!! كيف نتحاور مع سافكى الدماء؟ أرجوكم طالعوا سلسلة المقالات الرائعة التى ينشرها موقع «حضارات» بجريدة الأهرام تحت عنوان «فتنة التكفير» لتعرفوا مدى فساد أفكار هؤلاء المخربين.

فى غمرة أحزاننا هذه وخوفنا على مصر، أشاهد فى بعض أحياء الإسكندرية بعض الصناديق الخشبية الصغيرة مُثبتة بجوار بعض حوائط المنازل عليها عبارة: «الطعام نظيف خذ منه ما يكفيك». هذه مبادرة طيبة من أصحاب القلوب الرحيمة نحو إخوتهم المحتاجين. والمُعطى المسرور يحبه الرب. هؤلاء يحبون مصر من كل قلوبهم ويرغبون أن تبقى مصر. حبيب المصرى باشا «1885 – 1953» وهو فى الخامسة عشر من عمره سجل على ورقة خواطره الوطنية الصادقة فقال: «ستذوب عظامنا وتتحلل، ولكنها ستمتزج بالتربة المصرية، ستُخصّب أرض مصر، ستفنى فى مصر، ستبقى إلى الأبد فى مصر ذرات حية أو ميتة. سنسمع دائماً نشيد مصر ونغمها المِرح والحزين، وتسطع على قبورنا وأجداثنا شمس مصر. ماذا نبغى؟ ومم نشكو؟ خُلقنا من مصر وفى مصر ولأجل مصر». فلتحيا مصر ويموت المحرضون والقتلة وأعوانهم.

أستاذ الهندسة ــ جامعة الإسكندرية