رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كاتدرائية مصر «1»


كان يوم الهجوم على الكاتدرائية، هو الأصعب على كل المصريين لما كان يحمله من دلالات بغيضة، عندما تصورت كل الجماعات المتشددة وفى مقدمتها التيارات السلفية أنه بقدوم الإخوان، ووصولهم إلى سدة الحكم فالإشارة خضراء ليكونوا بمثابة العضلات والجناح العسكرى العنيف لجماعة الإخوان.. والمعروف أن الكاتدرائية المرقسية للأقباط الأرثوذكس هى المقر الدائم لبابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وكان الهجوم بمثابة الرد على هجوم مجموعات من الشباب الثورى على مقر جماعة الإخوان بالمقطم والتى خرجت غاضبة رافضة حكم جماعة مستبدة غير وطنية تمثل حكماً فاشياً باسم الدين.

وكان قد سبق الهجوم وقفات لقيادات سلفية رافعة صورة قداسة البابا شنودة والقيام بتمزيقها وضربها بالنعال فى مشهد مؤسف وبشع، ومطالبة بخروج أخواتهم وفاء وكاميليا والادعاء أن الكاتدرائية ترسانة أسلحة كما ادعى محامى «مرسى» المفكر سابقاً محمد سليم العوا.. الكاتدرائية، تمثل بيت صلاة وعبادة لأتباع ديانة تجاوز عمرها على الأرض أكثر من ألفى سنة، ومنذ الاحتفال بافتتاحها فى عصر جمال عبدالناصر، وأمر بالمساهمة من قبل الدولة فى الصرف على تشييدها، لم يتم رصد أى حادث اعتداء واحد حتى فى العهد الأسوأ فى تصاعد الأحداث الطائفية فى زمن السادات لم يتم الاقتراب من المبنى العتيد.. ورغم حدوث منازعات طائفية كانت قريبة فى موقعها من مبنى الكاتدرائية ككارثة أحداث الزاوية الحمراء، فلم تفكر قيادات جماعات التطرف من تطوير عملياتها وصولاً للكنيسة الأم كما حدث فى زمن الإخوان الأسود ..

لقد كانت الاعتداءات المتتالية على الكنائس والمنشآت المسيحية بطول البلاد وعرضها يمكن تصور حدوثه باعتباره تصعيداً لخلافات لها بعد طائفى محدود بحدود منطقة الحدث، أما التخطيط والتحرك للقيام بفعل هجومى مسلح على مجموعات من المسيحيين كانت تسير فى جنازات وداع شهداء لهم، ويتم الهجوم عليهم وعلى كاتدرائيتهم، فكان الأمر يمثل تصعيداً خطيراً، ونوايا إقصائية ضد بشر على أساس الهوية الدينية!!!

هى إذن الكاتدرائية المصرية وتاريخها الوطنى ورموزها كانت المستهدفة ضمن أهداف عديدة وضعها الإخوان لهدم بنية وطن وحضارة شعب، وهو فى النهاية ما نراه من تطبيقات الفكر الداعشى فى عدد من المناطق العربية المنكوبة بوجودهم، عبر حرق وهدم كل مواقع صناعة التقدم والتحضر وصياغة أحلام شعوب تريد التغيير والانطلاق لآفاق التحرر الإنسانى.

وعليه، أصابتنى حالة من الدهشة وأنا أتابع إعلان الإدارة الكنسية عن مسابقة بين الفنانين لتصميم جدارايات تلك الكاتدرائية العتيدة بما تمثله لجموع المصريين بمساحات هائلة فى إطار الاحتفال بالعيد الخمسين لإنشاء المبنى... وكان التصريح التالى لقداسة البابا تواضروس الثانى «فى شهر يناير الماضى أعلنا عن مسابقة رسم أيقونات الكاتدرائية، لكى نحتفل بالعيد الذهبى وتقدم 59 فناناً، وحددنا موعداً نهائياً لتسليم الأعمال ومددنا الموعد، ودخل التقييم 20 متسابقاً وشكلنا لجنة تحكيم من أب كاهن وأب راهب وتاسونى وعميد معهد الدراسات وأستاذ هندسة ومنسق إدارى وقيموا الأعمال واختاروا الأعمال الفائزة. وقال: «ستعمل 6 مجموعات على رسم الكاتدرائية وخلفية الكنيسة...»... نعم، أعانى من حالة دهشة واكتئاب لتشكيل الكنيسة لجنة ليس بها اسم فنان واحد من أصحاب الإسهامات الرائعة والضخمة فى تاريخ الفن التشكيلى المصرى وفى عالم الجداريات، أو حتى فى مجال النقد الفنى، وعليه فالنتائج المتوقعة لابد أن تكون غير لائقة بتاريخ ومكانة كنيسة عمرها من العطاء والنضال الروحى والوطنى أكثر من ألفى سنة، والأمر الأغرب أليس من حقنا أن نسأل «لماذا لا تكون المسابقة عالمية والموضوع والحدث له بعد عالمى ؟!!».. وكمان والطريف قيام قداسة البابا بتكريم مجموعة من الفنانين تم إعلان أنهم من المشاركين فى المسابقة، ولأول مرة يتم تكريم متسابق قبل الشروع فى العمل!!!.. وللموضوع بقية.

كاتب