رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

1000 نوع من الأدوية تختفي من الأسواق.. والصيدليات ترفع شعار " الدواء غير موجود"

جريدة الدستور

- تقرير رسمي يؤكد 49 مليون مصري ذهبوا للمستشفيات في 2014.. والأدوية البديلة غير فعالة
- لازيكس والأنسولين والإيفيدرين والأتروبين وأدرينالين وتيراميسين وميفنيكول عقاقير اختفت من الصيدليات
- العقاقير المصرية لا تخرج إلى النور لعدم وجود خطوط إنتاج.. والباحثين يطالبون بجهة تنسيقية للتفاوض مع مصنعي الدواء.
-المركز المصري للحق في الدواء يعد قائمة بعقاقير علاج الأمراض المزمنة.. ويؤكد 18 مليون مريض مهدد بالخطر.
- الناظر: مراكز الأبحاث محرومة من إنتاج دواء مصري لضعف الميزانية.. وضغوط الشركات الأجنبية غير صحيح.
- رشيقة الريدي: إسرائيل وأمريكا سيجهضون أية محاولة لتصنيع دواء مصري.

في الوقت الذي أعلنت فيه الإحصاءات الرسمية لوزارة الصحة عن استقبال جميع المؤسسات العلاجية الحكومية والخاصة لما يقرب من 49 مليون مواطن مصري، أي ما يقرب من 57% من الشعب المصري خلال عام 2014، بينهم ما يقرب من 60% يعانون من الأمراض المستديمة اغلبها مزمنة تحتاج لدواء، رفعت أغلب الصيدليات شعار "الدواء غير موجود".

الكارثة أن وزارة الصحة رغم وجود عدد كبير من قوائم الدواء الناقصة إلا أنها لا تمتلك رقم حقيقي لعدد الأدوية المفقودة في الأسواق، وخرجت الكثير من التصريحات المتضاربة التي تؤكد اختفاء 750 نوع من الأدوية، وأخر يؤكد أن القائمة تشمل ما يقرب من 135 نوع، وثالث يؤكد أن القائمة تقترب من 500 نوع دواء، في حين جاءت الصاعقة من لجنة الصيادلة الحكوميين بالنقابة العامة للصيادلة التي أكدت وجود قائمة تؤكد اختفاء أكثر من 1000 صنف دوائي من الصيدليات.

"الدواء البديل لا يحقق الغرض.. والمرضي لا يسعون لشرائه".. تلك هي العبارة التي اجمع عليها الكثير من أصحاب الصيدليات الحكومية والخاصة، موضحين أن بعض الأدوية فقدت الكثير من الصفات والخصائص العلاجية، فدواء "لازيكس 40" الذي يستخدمه الكثير من مرضي الكبد والقلب الذين يعانون من تراكم المياه تحت الجلد، اختفت منذ أكثر من 12 شهر وظهر بديلا مصريا أخر ولكنه عديم الفاعلية، بالإضافة إلي اختفاء عقار "البوتاسيوم كلوريد"، الذي تعتمد عليه المستشفيات في عمليات القلب المفتوح، وزراعة الكبد والشريان الأورطي، ويحتاجه مرضي العناية المركزية والكلى، في مارس 2012.

المركز المصري للحق في الدواء كان سباقا في رصد عملية اختفاء الدواء المصري من الصيدليات، وكشف مدي معاناة المريض المصري بحثا عن الدواء، فقام في مارس 2013 برصد نقص العديد من الأدوية في السوق، واختفاء أكثر من 30 عقارا حيويا يحتاجها ما يقرب من 18 مليون مريض، يأتي في مقدمتها مستحضر "داي نايترا" لمرضى الصدر، والذي قد يتسبب عدم توافره في الإصابة بذبحة صدرية قد تؤدي للموت.

كما رصد المركز أيضا نقص الأنسولين والإيفيدرين والأتروبين وأدرينالين وتيراميسين وميفنيكول، وغيرهم، فضلا عن اختفاء كلا من عقار سورريستريت المستخدم للفشل الكلوي وارتفاع نسبة البوتاسيوم في الدم، وعقار سوليوكورتيف أمبول لعلاج أزمات الربو الحادة وحساسية الصدر، وهو دواء لا بديل له.

الغريبة أن وزارة الصحة اعترفت بشكل رسمي وقامت بإصدار أول نشرة بأسماء الأدوية الناقصة بالأسواق تضم 90 نوعا من الدواء، تضم أدوية لعلاج عديد من الأمراض، من بينها القلب والضغط والصدر والحساسية والمعدة والدم، في مقدمتها أدوية "ميوكوسولفان" للأمراض الصدرية ومثيله "ميكو"، و"بيسولفون" للأمراض الصدرية ومثيله "سولفين"، و"فلورست" لنزلات البرد والأنفلونزا ومثيله "باوركولد وفلو أقراص ونوفاسى"، وغيرها من الأدوية.

وفي أبريل 2014 أعلنت اللجنة النقابية للصيادلة الحكوميين عن اختفاء أكثر من 111 صنفاً دوائياً، لعلاج الفيروسات والسكر والمضادات الحيوية المختلفة، أبرزها "سفترياكسون 1 جم" حقن، المضاد الحيوي لالتهابات الرئة، و"هيربانا"، كبسول، لإدرار اللبن للأم المرضعة، و"اكستروما جل"، لعلاج الورم، و"مووف"، مساج كريم، المضاد للالتهابات والمسكن للألم، وتضم القائمة أدوية ليس لها مثيل في السوق المصرية، مثل عقار "الفاكيموتريبسن"، لعلاج الأورام والارتشاح الناتج عنها.

كما أعلنت بعد شهرين انضمام عدد آخر أكبر من العقاقير ضمن "بيوتي جل" و"آي في جلوبيولين فيال 2.5جم"، و" آى في جلوبيولين فيال.5 جم" و"أي سي سي فوار" و"مصل تعبان"، و" بريزولين قطرة" و"ادينوزين ب حقن"، بالإضافة إلي أدوية إذابة جلطات القلب والعمليات الجراحية، وحينها تقدم الدكتور محمود فتوح عضو اللجنة النقابية للصيادلة العاملين بالحكومة، بشكوى إلى المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء، باختفاء تلك الأدوية في مقدمتها عقار "ستريبتوكايناز".

ومن بين القائمة التي أعدتها اللجنة النقابية للصيادلة الحكوميين للأدوية المختفية أقراص لآلام العظام، ومضادات فيروسات، وأدوية للحساسية ونزلات البرد، إلى جانب أقراص للأمراض العصبية، و"هالوبريدول أمبول" لعلاج الأمراض النفسية، واختفى "سبازموكانيولاز" أقراص لعلاج القولون العصبي، و"هيموتن" أقراص لعلاج الأنيميا، و"دايسينون 500" أقراص لعلاج نزيف ما بعد العمليات الجراجية الكبرى، بالإضافة إلى جميع الأدوية التي تعالج التهاب الأعصاب، وعلى رأسها "اديونسين"، و"اديونوبليكس"، بالاضافة الي "باميوران" وهو علاج لمرضى زراعة الأعضاء، وأقراص "أفيل ريتارد" مضاد للحساسية، بالإضافة إلى عقار "لاموركسفين 500" أقراص لعلاج السرطان، و"ابتروملك 400" لعلاج مرضى القلب، و"إنماكس" حقن شرجية، و"بروكتو 4" كريم لعلاج البواسير.

وفي ظل تلك الأوضاع المتردية لحالة الدواء في مصر طالب العديد من الصيادلة بسرعة التصدي بعملية احتكار الشركات الدولية للدواء، مبينين أن مصر تسجل سنويا ما يقرب من 1000 صنف دوائي، وهو عشر أضعاف العدد المسجل في أمريكا، ولدينا 14 ألف صنف دوائي مسجل بالتالي يصعب التفتيش عليه ويزيد الغش والمتضرر هو المريض المصري.

"مصر غير موجودة علي خريطة الدواء العالمية".. تلك خلاصة توصل إليها خبراء الكيمياء الدوائية والصيدلية المصرية، حيث أكدوا أن العالم ينتج سنويا ما يقرب من 1600 نوع دوائي في العالم لا يخرج من مصر أي نوع منها، خاصة مع سيطرة مشاعر الخوف من التجارب العلمية على المصريين بسبب تناسي أو عدم إدراك المواطن لوجود أخلاقيات للبحث العلمي، وعدم الإطلاع على الثقافة العلاجية في الدول المتقدمة.

والحقيقة أن دور مصر في صناعة الدواء يقتصر علي صناعة الأدوية المثيلة التي لا تحتاج إلى أبحاث جديدة، لافتا إلى أن الالتهاب الكبدي "سى" تصل نسبته إلى ٢٠٪ اغلبهم من الجيل الرابع فى مصر ومع ذلك لا تقوم شركات الدواء المصرية بإجراء أبحاث علية، خاصة وان هناك ٤٧ دواء جديداً تحت التجارب لفيروس"سى" من النوع الثاني المنتشر فى أوروبا وسيتم إنتاجهم، ويكتفي بأن تجرب تلك الأدوية لكشف فاعليتها على النوع الرابع المنتشر في مصر.

ومؤخرا أعلن مجموعة من الصيادلة وعلماء الكيمياء الصيدلية والدوائية عن اكبر حملة لإنتاج المواد الخام الدوائية في مصر علي موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" و"تويتر"، لتأمين الصناعة الدوائية عن طريق إنتاج المواد الفعالة الدوائية بدلا من الاستيراد من الخارج، لحماية الأمن القومي المصري من الخطر إذا حدثت حروب أو أزمات توقف عملية الاستيراد.

الحملة التي ضمت المئات من خبراء وعلماء الكيمياء الدوائية بالمراكز البحثية المختلفة والجامعات لتكوين رأى عام ضاغط في مصر على القطاع العام والخاص ونقابة الصيادلة والجهات المعنية للبدء في مشاريع لإنتاج المواد الخام الدوائية في مصر عن طريق إنشاء مصانع لإنتاج المواد الفعالة والمواد الخام اللازمة لإنتاج الأدوية والمستلزمات الطبية.

وقد أكد الدكتور محمد نصار المنسق العام للحملة علي أن هذه الحملة نتاج أفكار وتطلعات شباب من صيادلة مصر وليست تابعة لأي حزب أو قوى سياسية، موضحا أن الحملة قدمت تسع مقترحات لتطوير جميع مصانع القطاع العام التي تقوم بإنتاج المواد الخام الدوائية أو إنشاء مصانع جديدة، والضغط على الشركات متعددة الجنسيات التي تمتلك مصانع لإنتاج الأدوية في مصر لعمل تراخيص من الشركات الأم لإنتاج المواد الفعالة التي تستخدمها في تصنيع أدويتها داخل مصر بدلا من استيرادها من الخارج، علي أن يتم زيادة الضرائب على المواد الخام الدوائية المستوردة وإلغاء الضرائب أو تخفيضها جدا على مثيلاتها المنتجة محليا.

أما عن أهمية تصنيع المادة الخام للدواء في مصر، فتؤكد الحملة علي أن مصر تمتلك بنية أساسية قوية في الصناعة الدوائية حيث تصنع أكثر من 90% من احتياجاتها من الدواء كما أنها تقوم بالتصدير للعديد من دول العالم النامي إلا أن الصناعة الدوائية في مصر مقتصرة على تصنيع الدواء في شكله النهائي فقط أي أنها لا تقوم بتصنيع المواد الخام الدوائية حيث أن مصر تقوم باستيراد أكثر من 85% من المواد المضافة وكل المواد الفعالة تقريبا، مما يعنى أن الصناعة الدوائية في مصر غير مكتملة في الحقيقة وتقوم على إخراج الدواء فى شكله النهائي لكن دون أن تصنع الدواء ذاته.

وأوضح خبراء الكيمياء الدوائية خطورة الوضع القائم للصناعات الدوائية على قضية الامن القومى، خاصة وان توقف الاستيراد لاى سبب من الاسباب لعدة شهور بسيطة يعتبر كارثة حقيقية على الدولة، كما ان استيراد المواد الخام الدوائية من الخارج يجعل الصناعة الدوائية فى مصر تحت تحكم السوق العالمى للدواء بجانب تأثر الدواء المصرى بتقلبات السوق العالمية سواء بسبب ارتفاع سعر البترول او تغير اسعار العملات او حتى المشاكل الداخلية للدول التى نستورد منها المواد الخام الدوائية.

والحقيقة أن عدم وجود مصانع لانتاج المواد الخام الدوائية يعتبر عنصر اساسى فى تدهور البحث العلمى الدوائى بحيث انه يلزم لاكتشاف او ابتكار دواء جديد وجود مكان لتصنيع هذة المواد التى ستجرى عليها التجارب لاختبار فاعليتها وصلاحيتها كدواء، مما يشكل عائق إضافى امام ابتكار ادوية جديدة، ويساهم فى تأخر البحث العلمى الدوائى ككل.

وكان الدكتور ماجد أبو غربية رئيس اكبر مركز لأبحاث الدواء في العالم قد حذر من أن المرضي المصريين سيعانون كثيرا لتجاهل الدولة أبحاث اكتشاف الدواء، مما دعاه للتقدم لمجلس الوزراء بمشروع لإنشاء مركز لصناعة أدوية العديد من الأمراض التي تكثر في مصر وعلي رأسها الكبد والكلي والسرطان والسكر تكلفته 3 ملايين دولار ولكن كالعادة تجاهلته الحكومة المصرية لانها تكره العلم والبحث العلمي.

الدكتور غرابية بصفته أكبر علماء الكيمياء الدوائية في العالم أوضح للحكومة ان مصر والشرق الاوسط لا يملك سوي صناعة للأدوية المماثلة "generic drugs" وهي صناعة متقدمة، ولكن لا يوجد صناعة دواء قائمة على أبحاث واكتشاف أي عقار أو مصل دوائي، لذلك سيظل المرضي في معاناة لعدم وجود دواء، لذلك ابدي استعدادة للمساهمة في بناء مركز لأبحاث وتطوير الدواء ليكون شبيها بالمركز الذي أنشأه "مولدر" Moulder center، وهذا المركز يسرع من اكتشاف الدواء، وقد قدم بالفعل تفاصيل هذا المشروع لبعض المؤسسات العلمية في مصر، وأرسل بنسخة منه إلي الدكتور زويل، والمشروع يشمل مركز لأبحاث الدواء ضمن 4 مراكز بحثية أخرى، بالاضافة الي مركز لأبحاث الدواء في كل جامعة.

وقد أكد الدكتور هاني الناظر الرئيس السابق للمركز القومي للبحوث واستاذ الامراض الجلدية ان "مراكز الابحاث" محرومة من انتاج دواء مصري لضعف الميزانية، مبينا أن مصر تمتلك خبرة كبيرة من العلماء والباحثين في مجال البحوث الدوائية، وانه عندما تخرج هذه العقول للعمل في الغرب يشاركون في انتاج أدوية، أمثال مصطفي السيد وغيره، وان الميزانية الضخمة لانتاج عقار تقف حائل دون خروج تلك العقاقير، خاصة وان الدواء الواحد قد يكلف المليارات.

أما عن الضغوط الاجنبية لعدم خروج دواء مصري قال الناظر ان مصر لم تتعرض لأي ضغوط من الشركات الاجنبية، وان من يريد ان يعمل علية ان يعمل ويدخل هذا المجال دون اي اعتبارات لتلك الضغوط، مطالبا بضرورة الاتجاة الي ادوية الاعشاب الطبية، لانه رخيصة نوعا ما كما انها تمثل مستقبل الطب الطبيعي، وانه توصل الي عقار جديد لعلاج مليون مصري مصاب بـ"البوهاق" بتقوية الجهاز المناعي.

الدكتورة رشيقة الريدي أستاذ المناعة بقسم علم الحيوان بكلية العلوم بجامعة القاهرة وأفضل عالمة مصرية في اليونسكو والفائزة بجائزة المرأة للعلوم وجائزة لوريال كان لها راي مخالف حيث أكدت علي ان هناك ضغوط كبيرة تمارسها شركات الدواء العالمية منعتها من إخراج أول دول مصري لعلاج البلهارسيا إلي النور، موضحة ان إسرائيل وأمريكا حصلتا علي النتائج البحثية من داخل المعامل المصرية وباعتها بالآلاف الدولارات، وان الغرب سيجهض أي محاولة لتطبيق أفكارنا واختراعاتنا كما فعلوا مع محاولات تصنيع الدواء.

وقالت الريدي أن الكثير من الشركات الإسرائيلية والأمريكية تعلم كل كبيرة وصغيرة داخل المراكز البحثية، بل وتعلم كل النتائج البحثية من داخل معاملنا وباعتها بالآلاف الدولارات، وإنهم سيجهضون أي محاولة لتطبيق أفكارنا واختراعاتنا واي محاولة لتصنيع دواء مصري، مشيرة الي هيئة المصل واللقاح الذي تم تدميره بفعل فاعل.

أما الدكتور محمد احمد علي خبير الفيروسات بالمركز القومي للبحوث والذي توصل إلي أول عقار مصري مضاد لأنفلونزا الطيور ولكنه للأسف لم يخرج إلي النور حتي الآن رغم الهجمة الشرسة للفيروس علي المصريين، فيؤكد علي أن اختراعه لم يخرج ولن يخرج، موضحا أن ما فعلة الدكتور السنوسى ذلك العالم الذي اضطر أن يلجا إلي الصين بعد أن فشل في إخراج عقاره إلي النور كان الأفضل لكل علماء الكيمياء الدوائية رغم أن مصر خسرت بهذه المحاولة مرتين، الأولي عندما خسرت حق إنتاج الدواء وأخري عندما اضطرت شراءه وفقا للظروف الدولية.

في حين يري الدكتور مصطفي العوضى أستاذ الكيمياء الدوائية بالمركز القومي للبحوث ومخترع أول عقار مصري لفيروس "سي" أن السبب في عدم لجوء شركات الأدوية إلي مواد الخام المصرية هو العلاقات المتوترة بين علماء وباحثي الكيمياء الدوائية في مصر وجميع مصنعي الأدوية، مطالبا بضرورة إنشاء مكتب تنسيقي يربط بين أبحاث علماء الكيمياء الدوائية ليتحدث مع الشركات بلغة المال.