رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نماذج من أعمال رجال الوطنية المصرية «2»


من رجال الوطنية المصرية الحقيقية د. عبدالعزيز القوصى الذى ينحدر من أسرة عريقة، فوالده الشيخ حامد القوصى كان مُعلماً بأسيوط فى مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية، وأعمامه الشيخ أحمد القوصى الزجال الكبير، والشيخ محمود القوصى رئيس محكمة مصر العليا. وُلد عبدالعزيز فى عام 1906، ونشأ فى قوص. اتجه إلى أسيوط وأكمل تعليمه الابتدائى فى مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية، ثم مدرسة أسيوط الثانوية. حدث عقب اندلاع ثورة 1919 سأل المدرس الإنجليزى الذى كان يقوم بتدريس اللغة الإنجليزية لطلبة مدرسة أسيوط الثانوية الطالب المصرى عبدالعزيز القوصى: أى يوم تراه أسعد أيام حياتك؟ فأجاب الطالب بحماس وشجاعة ووطنية صادقة: يوم أن يرحل الإنجليز عن أرضنا المصرية وتنال مصر الاستقلال التام!! فصفق التلاميذ بحرارة لوطنية وشجاعة زميلهم، مما أثار غضب المدرس الإنجليزى ووصف الطالب بأنه يفتقد الأدب!! ثم كرر المدرس نفس السؤال للطلبة مرة أخرى، فكان القوصى الطالب الوحيد الذى تطوع بالإجابة، فظن المدرس أن الطالب سيجيب بالاعتذار، فسمح له بالإجابة مرة أخرى، لكنه فوجئ بالطالب يعيد نفس الإجابة ويُصمم عليها. وهنا استشاط المدرس غضباً وأخرج الطالب من الفصل والمدرسة مطروداً وبخطاب رسمى لوالده. ولما وصل الخطاب لوالده الشيخ الجليل حامد القوصى والذى كان من رجال الوطنية العظماء، استحسن تصرفات ابنه، مما شجع الطالب الوطنى إلى الخروج فى المظاهرات والتصدى مع زملائه بصدور مكشوفة لرصاص المستعمر الإنجليزى فى شوارع أسيوط، وحمل علم مصر فى وجه المستعمر الإنجليزى. بعد ذلك انتقل إلى القاهرة، وكان أول فرقته فى مدرسة المعلمين العليا عام 1928، فأوفدته وزارة المعارف إلى بعثة فى إنجلترا، وهناك حصل على بكالوريوس علم النفس بجامعة برمنجهام عام 1932، ثم ماجستير علم النفس من جامعة برمنجهام أيضاً، ثم دكتوراه فلسفة علم النفس من جامعة لندن عام 1934، حيث توصل فى رسالته إلى اكتشاف علمى سيكولوجى نشرته له جامعة أدنبرة عام 1934، ويُعرف هذا البحث باسم القوصى ويُرمز له عالمياً بحرف K إشارة إلى اسمه. فلم يكن يدر بخلد المدرس الإنجليزى الذى استشاط غضباً من الطالب عبدالعزيز القوصى، أنه سيكون له دور ريادى فى بلاده إنجلترا بصفة خاصة وفى العالم كله بصفة عامة فى مجال علم النفس، وكان الإنجليز من أكثر المستفيدين منه فى حياتهم العملية والعلمية مستثمرين نظرياته واكتشافاته فى علم النفس فى جميع شرائح مجتمعهم وحتى فى إعادة تأهيل جنودهم أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث كان قد توصل إلى نظرية حول تكوين بناء القدرات العقلية. يُعتبر د. عبدالعزيز القوصى عميد علم النفس العربى، وهو أول من أدخل إلى اللغة العربية اصطلاح «الصحة النفسية» وقام بتأليف أول كتاب لها، لا يزال يُعتبر مرجعاً أساسياً، «أسس الصحة النفسية» والتى تمت ترجمته إلى لغات العالم. تقديراً لأعماله الأكاديمية حصل على جائزة الدولة التقديرية، كما كان مندوب مصر فى اليونسكو، وعضو المجالس القومية المتخصصة. وفى 27 أبريل 1992 رحل عن عالمنا ملتحفاً بالوطنية والعلم والشجاعة.

أستاذ كلية الهندسة - جامعة الإسكندرية