رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف نواجه الإرهاب؟


الحرب أى حرب هى هدف وثمن، وفى سبيل تحقيق الهدف يهون الثمن أيا كان قيمته وأيا كانت التضحيات التى دفعت من أجله، ولذا فالنصر والانتصار هو فى تحقيق الهدف من هذه الحرب ونقيض ذلك هو الهزيمة بعينها، والحروب الآن لم تعد على أرض المعركة العسكرية وحسب ولكنها أصبحت الآن المعارك السياسية والإعلامية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية...

... أى أن الحرب الآن تشمل وتشتمل على سائر مجالات الحياة، فهل نحن فى حالة حرب عسكرية فقط على أرض سيناء أم أننا نخوض حربا شاملة فى كل مناحى الحياة؟ بعد هبة يناير ٢٠١١ وهبة يونيو ٢٠١٣ تفجرت القضايا وتشابكت المشاكل وتصاعدت التحديات الداخلية والخارجية، لا نقول إن تلك الهبات هى السبب ولكن هذه الهبات قد رفعت الغطاء عن الواقع الفاسد وكشفت المناخ الاستبدادى وعرت المستور من المشاكل المسكوت عنها.

الهبات أسقطت حاجز الخوف وفى غياب الديمقراطية الحقيقية والصحيحة حدث تداخل بين مفهوم الحرية والفوضى وحدث خلط بين الثوار الأنقياء وبين المتاجرين والمستغلين الذين لا يرون غير ذواتهم ولا يسعون لغير مصالحهم، وجدنا من يخطف هبة ينارير ويحولها باسم الدين إلى مُلك عضوض لا علاقة له بوطن ولا هم له غير جماعته ومريديه، فى ٣٠ يونيه استرد الشعب الوطن بتراثه وهويته التى ميزته عبر التاريخ، ولكن للأسف وجدنا أصحاب المصالح المستفيدين من نظام مبارك يتصورون أن يونيه هى استرداد الوطن من الإخوان حتى يعود إلى ما قبل ٢٥ يناير، بل وجدنا من يعتبر ٢٥ يناير مؤامرة خارجية لا علاقة لها بشعب ثار ورفض وخرج وأسقط النظام وهذا شىء غير المؤامرات التى تستغل الظروف وتخترق الداخل لتحقيق أهدافها الدولية وتحقيق مصالحها فى المنطقة، فماذا كانت النتيجة؟ اهتز التوافق الوطنى وتصدع التوحد المصرى بين صراع شكلى واختلاف وهمى بين يناير ويونيو الشىء الذى أفرز سياسيا حول النظام الآن فوجدنا من يساند النظام بالطريقة نفسها وبالمفردات نفسها التى كانت تمارس مع نظام مبارك خاصة فى مجال الإعلام ومن تلك القنوات التى تدافع وتحافظ على مصالح ملاكها الذين كانوا المستفيدين الوحيدين من مبارك ونظامه.

وعلى الطرف الآخر وجدنا هؤلاء المتشدقين زوراً بالديمقراطية والمتاجرين علناً بحقوق الإنسان، فيعتبرون أن النظام لا علاقة له بديمقراطية ولا صلة له بأى حرية وأننا عدنا إلى ما قبل ٢٥ يناير، إضافة إلى ذلك تلك التحديات الاقتصادية المتراكمة لأكثر من ثلاثة عقود والمتمثلة فى عجز الموازنة وارتفاع حجم الدين الداخلى والخارجى وتقلص النقد الأجنبى والبطالة، ناهيك عن الانفلات الأمنى والانفلات القيمى والتدنى الأخلاقى الذى دائما ما يصاحب تلك الهبات وهذه التغيرات، وفى ظل تلك التحديات الجسام الداخلية هناك تلك المحاصرة الدولية من الغرب عامة وأمريكا خاصة والتى تهدف إلى تقويض نظام ٣٠/٦ الذى أسقط مؤامراتهم الهادفة إلى نشر الفوضى فى المنطقة والتى نشاهدها فى العراق وسوريا واليمن وليبيا وتونس وإلى تقسيمها على أسس طائفية، وبالطبع لابد أن تكون مصر على رأس المنطقة فى محاولة إسقاطها فهى الجائزة الكبرى خاصة للعدو الصهيونى.

وفى ظل كل هذه التحديات الجبارة والعاتية نجد تلك الحرب مع الإرهاب والتى وصفها السيسى بحق بأنها حرب وجود، إذن فنحن فى حالة حرب حقيقية وغير مسبوقة لأنها ليست على المستوى الحربى فقط ولكنها على كل المستويات، فحرب الوجود لا تهدف إلى القضاء على نظام سياسى ولا حكومة ولا رئيس ولكنها تهدف إلى إسقاط وطن وإذلال شعب ومحو هوية وسحق تاريخ، فهل عندئذ يمكن أن يستثنى أحد من هذه الحرب الوجودية؟ وهل فى ظل تلك الظروف يمكن أن نختلف على البقاء أم الفناء على وطن فيسقط أو يعيش؟ فالاصطفاف هناك يعنى غير الحفاظ على الوطن والدفاع عنه فى معركة صفرية وهذا لا يلغى الاختلاف السياسى فى الرؤية السياسية التى ندير بها الوطن للوصول به إلى وطن جديد يجد فيه المواطن حقه ويرى فيه إنسانيته، فحرب الوجود التى نواجهها لا تختصر فى المواجهات العسكرية ولكنها الحرب على كل الجبهات مما يستدعى ويلزم الجميع بالاستعداد والمشاركة فى هذه المواجهة، فساحات المواجهة متعددة سياسياً فى توافق لا يلغى الاختلاف والمعارضة للنظام.

اقتصاديا فى العمل وبذل الجهد وزيادة الإنتاج، اجتماعياً فى تعلية القيم وحفز الأخلاق ومحاربة الفساد وعدم الخضوع له وللفاسدين، ثقافيا فى صياغة خطاب ثقافى مستنير يحترم العقل ويرفع درجة الوعى، إعلاميا وهذا جانب مهم لمدى تأثيره على تشكيل الرأى العام، نعم مطلوب الحشد لمواجهة الحرب ولكن بعيدا عن نفاق النظام، فالوطن أهم والشعب مهم، دينياً وتعليميا يجب تجديد الخطاب، فتجديد الفكر الدينى الذى يحافظ على ثوابت الدين ويأخذ من التراث ما يتوافق مع صحيح النص ويوازن بين الواقع والمتغيرات والأهم هو كيف نؤصل مبدأ قبول الآخر الدينى وغير الدينى لأنه بلا شك فتلك التنظيمات تعتمد فى تربيتها على رفض الآخر حتى الدينى استناداً إلى تفسيرات واجتهادات لا تهدف إلا لمصلحة تلك التنظيمات، هناك لحظات تاريخية تمر بها الأوطان وتجتازها الشعوب يمكن أن يكون أثمانها غالية، ولكن التاريخ يقول إن مصر عبر تاريخها الطويل كم اجتازت من الصعاب وتجاوزت من المحن بفضل الله وسواعد شعبها الوطني، حفظ الله مصر وشعبها.

■ كاتب