رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يوم تتوق أن تنساه.. وموقف تحب أن تكرهه


أرجو أن نراعى جميعاً الله فيما اؤتمنا عليه كل فى موقعه وحدود مسئوليته، فعار علينا أن نسمع كلمة تهجير من قرية أو مدينة تحت أى مبرر أو ادعاء، إذ لا يوجد لحد ما درست فى قانون العقوبات ما يطلق عليه تهجير قسرى، ولو بدعاوى مختلفة، فهذا عيب ما بعده إلا العار والخجل من أن نقرأه أو حتى نسمع عنه.

لم أقصد من هذا العنوان أن أضع بعض الأمور الصعبة التى تؤدى إلى شىء من المتاهات أو تصعيب المواقف أو حتى لفت نظر القارئ الذى أثق فى فطنته وتقديره للمواقف والظروف التى تحيط بمصر والمصريين بالعموم وبعض من شرائح الشعب الذين يتعرضون إلى الأخطار أو الأضرار بأسباب لا دخل لهم فيها، فإساءة معلم لتلميذه لا ذنب للتلميذ فى كونه وقع تحت يد معلم لا يدرك معنى التربية الحديثة، وأن إدخال الخوف فى نفوس تلاميذه قد يؤدى إلى النجاح بنسبة عالية، لكنه حطم نفوساً تحتاج إلى ردح من الزمن للعلاج، وربما لن تصلح أحوالهم حتى لقاء ربهم مع ما نتج عن تلك الإهانات من تأثير على العمل وعلى العلاقات الإنسانية والأسرية.

ذكرت هذه المقدمة للتعليق على بعض الأحداث التى رأيناها تتكرر فى بعض قرى بلادنا الحبيبة مصر، وبالذات فى معاملات الأغلبية السكانية للأقلية التى تتقاسم الحياة، لا تطفلاً ولا غزواً، وإنما بحكم الجيرة، وتقاسم الأرض، والعيش المشترك دون منة من أحد على غيره لأى إدعاء مهما كانت قوة فريق على فريق، فالكل أصحاب حقوق وعليهم واجبات.

والعلاقة السياسية بين الشعوب والحكام أن للحاكم الطاعة فى حدود القانون، إذ مضت تلك النعرة البالية التى كان يرددها الحاكم للشعب أنهم عبيد إحساناته ليحل مكانها عهد يقطعه الحاكم أنه يرعى مصالح الشعب ويحترم القانون والدستور.

أما أن تخرج فئة من الشعب بدعوى الأكثرية، أو الأفضلية بسبب المركز، أو الجاه، أو العزوة، أو الانتماء الدينى، أو السياسى، أو سبب تدعيه تلك الجماعة، فهذا ما يخالف القانون والدستور والأعراف والآداب المرعية، وهنا يقع المخالف تحت طائلة القانون حتى ولو كان المخالف هو من يحتمى بسلطة أو مركز.

أما مناشدة رئيس الدولة بالتدخل لحماية من وقع تحت بطش الأقوياء، فأقول إن المسئول الأول هو الحاكم فى موقع المخالفة، ورجل الأمن الذى عهد إليه بحفظ الأمن ويتلقى راتبه من الشعب، ومنهم من أهدرت حقوقه، وبذلك يكون قد فقد مبرر وجوده، ومن حق المتضرر أن يقاضى المسئول، كما يقاضى المعتدى، وأقرب مثال هو الموقف الذى تعرض له السيد وزير العدل السابق، فحتى اعتذاره عن زلة اللسان لم يعفه من المسائلة، وقد كتبت فى ذلك الموضوع فى حينه وذكرت أن وزير العدل السابق ليس هو الشخص الوحيد الذى زلت شفتاه، فكثيرون لا يقولونها، ولكنهم فاعلوها مراراً وتكراراً فى مواقع شتى، ولعلى خريج الحقوق المنتحر من فترة قصيرة كان صرخة مدوية بالعمل لا بالكلام.

أعود إلى الذين يهجّرون قسراً بأخطاء ترتكب، أو بتهم تلفّق إدراكاً من ملفقيها أنهم سينعمون بنتائج دعواهم ضاربين بالقانون والقضاء وحتى الأعراف والآداب العامة عرض الحائط، وأغمضوا عيونهم عن واجب حسن الجوار وتقاسم الحياة بحلوها ومرها.

إننى لا ألوم الأسد إذا استأسد، ولكن ألوم حارسه إذا أطلقه من القفص ليرعب من حوله، ويلتهم الأيدى التى تطعمه.

أما أن يطالب السيد الرئيس أن يتدخل فى كل قرية ونجع ومدينة، فهذا ثقل لا تحتمله الجبال، فأين العمدة بتاع زمان، ومأمور المركز الذى كان يعرف دبة النملة فى دائرته، وأين محافظ الإقليم الذى من المفترض فيه أن لا ينام الليل هانئاً وواحد من أهل دائرته يستغيث به مظلوماً.

هل أصبحت تلك المبادئ أحلاما وذكريات نقرأها فى كتب التاريخ وعفى عليها الدهر.

دعونى أشارك المتألمين والمظلومين فى نداء إلى السيد رئيس الوزراء، فهو المسئول الذى نعرف عنه نشاطه، حتى أنى كثيراً ما أشفقت عليه لسهره الليالى، وتحركه الدءوب، لكنه يبقى المسئول الأول كرئيس للحكومة، كما أقدر شخص وتاريخ السيد وزير الحكم المحلى، وتاريخه يشهد عليه محافظاً فى أكثر من موقع، ثم وزيراً يتابع السادة المحافظين.

إننى أرجو أن نراعى جميعاً الله فيما اؤتمنا عليه كل فى موقعه وحدود مسئوليته، فعار علينا أن نسمع كلمة تهجير من قرية أو مدينة تحت أى مبرر أو ادعاء، إذ لا يوجد لحد ما درست فى قانون العقوبات ما يطلق عليه تهجير قسرى، ولو بدعاوى مختلفة، فهذا عيب ما بعده إلا العار والخجل من أن نقرأه أو حتى نسمع عنه.

سيادة الرئيس أقدر ثقل المسئولية، ودعاؤنا المتكرر أن يعينك الله فى هذه الظروف التى تحيط بالوطن العربى كله، وبمصر رمانة ميزانه، وأتمنى أن يقوم معاونوك بأدوارهم كل فى دائرته حتى لا نسمع أنين مظلوم كائن من كان فقره أو غناه، صاحب عزوة أو حتى عزبة، وآخر لا حول له ولا قوة، فقد جار عليه الزمان، وتخلى عنه الجار أو تنكر له معتدياً على الدار حتى تحترق، وعلى الصغار لتتشرد، أعانك الله على قدرك الذى هو نحن، قويُّنا وضعيفُنا، وسنبقى دائماً متمسكين بحبنا ودعاؤنا أن يحفظ مصر مباركة طالما تمسكنا بالخلق القويم والعدل الذى هو صفة من صفات

الخالق، والرحمة التى تكررت فى القول الربانى « طوبى للرحماء فإنهم يرحمون «. أولئك هم بحق شعب الله الذى قيل فيهم «مبارك شعبى مصر». أعود إلى عنوان هذا المقال أتوق أن أنسى تلك التصرفات، وإن حدثت من قلّة لكنها تفسد الخير الكثير، كما أننا نتمنى أن ننسى تلك المآسى المفسدة لحبنا وخيرنا.

الرئيس الشرفى للطائفة الإنجيلية