رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسالة رائعة من أب حكيم


الأستاذ أرنست الراهب «1914 – 1971» – أحد المديرين ببنك باركليز بالقاهرة «بنك الإسكندرية فيما بعد» – أرسل رسالة لنجله إسحق «حالياً مقيم بأمريكا» عندما بلغ سن الرُشد فى 23 مارس 1971، بها كثير من المعانى الجميلة التى تصلح دستوراً للعلاقة بين أب حكيم وابن نافع للمجتمع. قال فيها:

ولدى إسحق.. هذا هو يوم ميلادك.. بل هذا هو يوم بلوغك سن الرُشد.. وهو يوم لا يتكرر فى عمر الإنسان. لذلك أزجى إليك فيه التهنئة صادقة صادرة من أعماق قلب أنت تعرف كم يُحبك. ولستُ أهنئك على الأعوام التى انفرط الواحد تلو الآخر، فقد أصبحت فى خلفيّة الزمن بالنسبة لك.. وهى كذلك بالنسبة لكل إنسان حى.. إنها لا تصلح إلاّ لأن تكون علامات من علامات التاريخ.. وسواء كانت هذه الأعوام مكتنزة أم عجافاً فإن ما بقى من الأيام أقوى منها.. لأن الغد أقوى من الأمس.. وفى هذا اليقين يصّح العزم على بلوغ هدف تخلّفنا عن بلوغه.. فكم بالحرى وقد بلغتَ سن الرشد.

ولستُ أخالك تجهل أنك أصبحت الآن كامل المسئولية عن كل ما يتعلق بمستقبلك. ومع ذلك فإن من واجبى أن أرقُب خُطاك. ولذلك فإن من واجبك أيضاً أن ترقُبَ خطانا.. لأننا أصبحنا الآن متساوين فى المسئولية.. وهذا يعنى أن عليك من الواجبات نحو أسرتك قدر ما على أسرتك من الواجبات نحوك.. وأريدك أن تتأمل هذه اللفتة بنظرة أكثر عمقاً وأعمق رُشداً لأنك تستطيع أن تدرك الآن ما لم تكن مُطالباً بإدراكه من قبل.. أى ولدى! لقد نضجت الثمرة وأصبحت قادرة على الإثمار.. وكم من الثمار تشتهيها النفس.. وكم من الثمار تغُصُّ الحلق.. «ومن ثمارهم تعرفونهم» فأىّ ثمر لك؟! إن الأرض إن لم تُعزق لا تصلح للإنبات.. والنبات إن لم يُرْوَ لا يصلح للإثمار.. فهلاَّ بذلت من جهدك ما يكفى لعزق أرضك.. وهلاّ أعطيت من عَرَقِك ما يكفى لرىّ نباتك.. هو ذا اليوم لك.. والغد أمَلك.. فلا تجعل يومك يضيع دون أن تصل به إلى أمَلِك.. ولتسندك ذراع القدير الذى يفتح ولا يستطيع أحد أن يغلق.. لأنه لا يهملك ولا يتركك.

«استيقظى يا ريح الشمال، وتعالى يا ريح الجنوب، هُبىّ على جَنَّتى فتقطرُ أطيابُها» هكذا ينشد سليمان متوسلاً إلى ذاك الذى يستطيع أن يأمر الريح فتسكت والموج فيهدأ!! فليكن هذا نشيدك.. نشيد النفس التى أسلمت ذاتها إلى القدير ولم تعْصَ وصاياه. وهو ذا داود ينشد فى مزموره الأول «طوبى للرجل الذى لم يسلك فى مشورة الأشرار، وفى طريق الخطاة لم يقف، وفى مجلس المستهزئين لم يجلس. لكن فى ناموس الرب مسرَّتهُ، وفى ناموسه يلهج نهاراً وليلاً.. فيكون كشجرة مغروسة عند مجارى المياه، التى تعطى ثمرها فى أوانه، وورقها لا يذبل، وكل ما يصنعه ينجح».. والدك».. وهنا انتهت الرسالة الأبوية الحكيمة من أب واعٍ بالحقيقة لابنه الحبيب الذى شب على تلك التعاليم فصار رجلاً نافعاً للمجتمع والبشرية أيضاً. أين نحن من هذا الجيل العظيم؟

أستاذ بكلية الهندسة - جامعة الإسكندرية