رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«سوريا» و«مصر»


الروابط بين سوريا ومصر، عميقة ومتينة، والغريب أن هناك تقاربًا تلقائيًا بين الشعبين المصرى والسورى، من حيث إن كليهما شعب عريق، له أصول ضاربة فى التاريخ، وحضارة كان لها السبق فى الرقى الإنسانى، وتتشابه الظروف الاجتماعية والمعيشية للشعبين، تمام التشابه.

وهو التشابه والتطابق، الذى قاده الشعبان ذات يوم من التاريخ إلى إعلان الوحدة العربية، التى كانت حلمًا يراود كل العرب، وقتها التقت أرادة الشعبين على أن يعيشا فى كنف الوحدة.

وساق التاريخ للشعبين زعيمين، وافقا على أن تصبح مصر وسوريا شعبًا واحدًا، وفى فبراير 1958 أعلنت الوحدة بين الشعبين، وذابت شخصية الشعب السورى، والشعب المصرى، تمامًا فى الوحدة، لتصبح سوريا الإقليم الشمالى، ومصر الإقليم الجنوبى، وأصبح الكيان الجديد اسمه الجمهورية العربية المتحدة.

وقتها كنا نسمع الأغانى التى تنادى بوحدة الشعبين، وكنا نطرب لتلك الأغانى، كان وحدة ما يغلبها غلاب، غير أن البيروقراطية ورغبة الحكام فى التسلط، وعدم فهم القيادات السياسية لطبيعة الحياة فى سوريا، التى تعتمد بالدرجة الأولى على التجارة، وطبيعة الشعب المصرى التى تقوم على الزراعة، فطبقوا الإصلاح الزرعى والقوانين الاشتراكية بتعسف منقطع النظير، غير أن هذا لم يستمر طويلاً، بسبب ضيق التجار السوريين بالقوانين الاشتراكية، التى قضت على كل الشركات التى كان لها كيان ورأسمال قوى ومتين، وتحولت إلى كلها إلى ملكية عامة، وفى مصر تهشمت كل الملكيات إلى قطع صغيرة، ووزعت الأراضى على الفلاحين، بمعدل فدانين لكل أسرة، وضاعت تمامًا بهجة الزراعية المصرية التى كانت قد ترعرعت فى ظل الإقطاع.

وتبادلت القيادات العسكرية مواقعها، وكان فى الحكومة وزراء مصريون سوريون، غير أن أنانية المستوى الثانى من القيادات، أفرزت كراهية متبادلة على البيروقراطية.

كما أن نفوذ العسكريين تلاشى، تحت وطاة الزخم الشعبى العارم لجمال عبد الناصر، ولم يتمكن عبد الناصر وقتها، من كبح جماح العسكريين المصريين، فتمادوا فى الحط من شأن نظرائهم السوريين، وعين لكل وحدة عسكرية قائد مصرى، من كان يتصرف طبقًا للبورجوازية الصغيرة التى ظهرت بين العسكريين المصريين، فكان لابد للانفصال أن يقع.

وأتذكر أن الانفصال تم كعاصفة، وجاء مدرس اللغة العربية، وكان فلسطينيا، من غزة، وقال إن هناك تآمر من الحركة الانفصالية الرجعية، وقتها كنا صغارًا، ولا نفهم معنى تلك المصطلحات السياسية، وبكى مدرسنا الذى كنا نسميه على غزة، بكاء مريرًا لم نعهده من قبل، ولا من بعد، كان الرجل صادقًا فى بكائه، فقد كان الشعب المصرى كله قوميًا وعروبيًا، وعندما كبرت عرفت أن بكاء مدرسنا، كان على حلم قد ضاع، كما ضاعت من قبل آلاف الأحلام الجميلة التى كنا ننتظرها من وحدتنا العربية.

غير أن الأمر لم يستمر طويلاً، وتحرشت إسرائيل بسوريا، فهب جمال عبد الناصر مناديًا للدفاع عن سوريا، وقال كلمته الشهيرة وقتها: «إن البادئ بسوريا لابد أن يثنى بمصر.

وانهالت آلاف القذائف من طائرات العدو، لتقصف طائراتنا العسكرية، التى كانت جاثمة فى مطاراتنا، طبقًا لنظرية الغباء العربى الشهيرة. فكان العدو ينادى للسلام ويجهز للحرب، بينما كنا نحن ننادى للحرب، ولا نستعد لها.

أقول هذا متذكرًا، حالنا اليوم وحال العرب الذين تبدل حالهم، فبدلاً من أن يحاربوا من الوحدة، أصبحوا يحاربوا مناجل التفكك، ولم يفسر لنا الباحثون عن أسباب هذا الخلل الذى أصاب التفكير العربى والذهنية العربية، التى تغير حالها، ولم تعد لها النخوة العربية من أجل أوطانها، ورأيناهم يستبيحون أوطانهم بمساعدة الأجنبى.