رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المواطنة.. التزام وامتياز


إن قصة الابن العائد تبين معنى قيمة الانتماء الأسرى، والبيت ليس إلا عينة للبيت الكبير الذى يضم شعباً بكل تنوعاته ومختلف الأعمار والثقافات واللهجات والفروق الاجتماعية، ولكن الكل تحت سماء واحدة لهم ذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات.

ترتبط المواطنة بمجموعة من الحقوق والواجبات ومن المسئوليات والامتيازات، كما أن أخلاق الفرد وتربيته وثقافته وبيئته كل هذا يعكس التصرفات التى يسلكها الفرد ومدى التزامه كمواطن مستحق أن يكافأ بوصفه مواطناً صالحاً، أما من يتشكك أو يشكك فى انتمائه لمجموع المواطنين فهو غير متأكد من صدق انتمائه لهذه الأسرة الكبيرة من المواطنين، وخير لمثل هذا الإنسان أن يبحث عن مجتمع آخر قد يفلح أن يجد له فيه مكاناً. ومن أمثالنا الشعبية «من لا خير منه فى بيته لن يكون منه خيراً لدى الآخرين»، أما الباحثون فى علم المواطنة فيَرَوْن أن تاريخ هذا التوصيف مستمد من مجموعة من المعانى والأوصاف مثل الكيان والحقوق الأدبية والمادية والامتيازات، ومن الجانب المقابل مجموعة من المسئوليات التى تقع على عاتق المواطن، فالكلمة الإنجليزية للمواطنة تتكون من مقطعين هما citizen+ship، كمن يبحرون معاً كجماعة فى سفينة واحدة مع تشابههم فى الكثير من المشتركات مثل وحدة اللغة والتقاليد والعادات وليس بالضرورة التماثل فى الدين أو المستوى الثقافى أو التعليمى أو المادى، لكنهم يعلمون بكل اليقين انهم يبحرون معاً وكل آمالهم أن يصلوا إلى شاطئ الأمان بسلام، وعليهم جميعاً أن يحافظوا على سلامة السفينة لكى يحققوا الهدف وهو الوصول إلى بر الأمان ليس فقط بسلام ولكن الهدف هو السلام والرفاهية والاستمتاع بالرحلة، صحيح أنهم يتوقعون الرياح والأمطار ويعرفون صعوبة الأجواء وخطورة الأمواج ولكن وبدون إجبار أو إرغام يحافظ كل من على ظهر السفينة، على أن يتابع تعليمات الربان بكل حرص، بل يعرف دوره عندما يطالبه قائد السفينة، وعلى ظهر السفينة يخضع الجميع لتعليمات الربان وهكذا الحال بالنسبة لركاب سفن الفضاء، أما واجب قائد السفينة فهو مسئول عن سلامة كل من على ظهرها فهو يحرص على قيادتها وفق أصول القيادة وكل من معه آذانهم مصغية لكل كلمة تصدر عن الربان، فهو الحاكم بأمره من أجل سلامة من معه، والباحثون فى الفكر المسيحى يعرفون يقيناً معنى المواطنة، إذ يأتى التشبيه لكون المواطن هو أحد أفراد العائلة فهو الابن والأخ والأب والأم وغيرهم من المنتمين إلى العائلة، وفى قصة تعرف بقصة «الابن الضال» والذى خرج عن وحدة الأسرة وطلب نصيبه من أبيه فقسم معيشته وأعطى الابن المنشق عن وحدة الأسرة نصيبه، وخرج الابن من دائرة العائلة، أى أنه انفصل جغرافياً إضافة إلى انفصاله الاسرى. وفى الأرض البعيدة وبعيداً عن رقابة الأسرة بدد نصيبه الذى أخذه من والده حتى إنه اضطر أن يقبل أعمالاً شائنة لا تتفق مع تربيته وأخلاقه وعاداته، لأن المضطر يقبل أى ما يعرض عليه، وتقول الحكاية أنه قَبِلَ أن يرعى قطيعا من الخنازير، الأمر الذى يخالف قواعد التقاليد والعرف السائد لمن فى مكانته، وتقول الرواية انه لم يخالط الخنازير فقط وأن كان وضعاً كهذا كفيل ان يشعره بالمذلة والعار، بل زاد الطين بلّة أنه كان يحاول أن يشارك الخنازير فيما يأكلون، ولم يكن الأمر سهلاً إذ كانت الخنازير أسرع فى التهام طعامها وكأنها ترفضه مشاركاً فى طعامها ولا تسمح له ان يعتدى على ما ليس له، وفى لحظة إفاقة يقول فى نفسه كم من أجير لأبى يشبعون فى بيته حتى يفضل عنهم الخبز وها هو يهلك جوعاً.إنه كان يعرف يقيناً أنه قد أخذ نصيبه ولم يحسن استخدام ما له إذ بدد ماله بإسراف، ولكنه كان يدرك أن الوالد لديه عدد ليس بقليل يتمتعون بالشبع والراحة، فلماذا لا يرجع إلى بيت الأب ويطلب منه ان يعمل لديه كأجير، وعاد الابن كأجير لا ابناً، وكان اللقاء حميماً رغم نحول الجسد الجائع والعرى الذى لم يستر جسده، وهناك سقط على وجهه عند قدمى الأب قائلا «أنا لست مستحقاً أن آخذ مكانة الأبناء ولكنى أرجو قبولى أجيراً فى البيت»، أما الوالد فكان طول الوقت يتطلع لعله يجد ابنه عائداً إلى بيت أبيه كأحد أفراد الأسرة.

إن قصة الابن العائد تبين معنى قيمة الانتماء الأسرى، والبيت ليس إلا عينة للبيت الكبير الذى يضم شعباً بكل تنوعاته ومختلف الأعمار والثقافات واللهجات والفروق الاجتماعية، ولكن الكل تحت سماء واحدة لهم ذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات، وفى المجتمع الواحد يتضامن الجميع أغنياء وفقراء متعلمين وأميين أطفالاً وشباناً وشيوخاً ذكوراً وإناثاً وهذا هو التضامن الذى تفرضه قواعد لعبة كل من على ظهر السفينة، كما أنه من الالتزام المبدأى على المواطن أن يحافظ على سلامة السفينة طالما كان حياً فسلامتها ضمان لسلامه وبدونها لا أمان للفرد أو المجتمع.

رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر