رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أخطار ما بين الثورة والخمول


للثورة أمجادها وأعباؤها وتضحياتها وتظل الثورة فخراً وتاريخاً يُدرس لتتوارثه الأجيال وترويه الحكايات وتسجله الأفلام ويدرسها الأبناء والأحفاد بلا كلل أو ملل.

ولتنشيط الأذهان وتجديد الفكر وإنهاضه نحتفل بالثورة الناجحة ويذكر قادتها لاسيما الذين دفعوا حياتهم فى سبيلأوطانهم

أما الجانب السلبى الذى لا دخل للثورات فيه فهو الانشغال بالأمجاد والبطولات التاريخية والغناء على الأطلال دون وعى كاف لحاضرنا ومستقبل الأجيال، وبدلاً من الاستفادة من البطولات الحربية لدفعة لا تقل حماساً وتضحية من أجل الشعب الذى دفع الثمن غالياً بأرواح أبنائه واحتمال سداد فاتورة الحروب التى يطول سدادها، إذ عادة ما تظل الدول المحاربة لسنين طويلة تدفع أقساط ديون الأسلحة والطائرات والمعدات والتعويضات التى تدفع لكبار القادة واليسير منها لصغار الجنود أو -غالبا- لأبنائهم بعد أن دفعوا دماءهم دفاعاً عن تراب أوطانهم.

وفى أغلب الأحوال وأعمها تركن الشعوب بعد الحروب لالتقاط الأنفاس فى أمن وأمان، والمفترض أن الارتكان للراحة إنما لوقت قصير، تقوم بعده الأمم لتبنى ما هدم حتى قيل من بين الشعارات «يد تبنى والأخرى تحمل السلاح»، وعند تحقيق الأمن والسلام فإنه بالضرورة أن تبنى باليدين الراضيتين لتحقيق أمل أولادنا، هكذا تفعل الشعوب المتحضرة والمثابرة والتى تحسن اختيار قادتها.

ودون الخوض والتوسع فى الحالة الثورية والنزعة الحضارية والهمة والمسئولية لشعوبنا العربية، والاكتفاء فقط لمراجعة الحالة المصرية باعتبارها الأولى بالاهتمام والأكثر احتياجاً إلى التفكير العميق، والجهد المضنى، والتضحيات التى لا غنى عنها ولا بديل لها، فقد خاضت مصر حروباً مازلنا نعيش تبعاتها منذ عام 1948 وحتى اليوم، ولا أظن أنها انتهت بعد الى يومنا هذا. إنها حروب متجددة بتغيير اللافتة والشعار، مع بقاء النتائج التى لا تترك إلا الخراب والدمار.

حاربنا الحرب الأولى فى أجيالنا وهى معارك عام 1948 دفاعاً عن اخوتنا الفلسطينيين، وكنا نسمع ونحن أطفال عن الأهوال التى قاساها الجيش المصرى المحارب، وكان يتسول كوب ماء فى الحر الشديد، حتى سمعنا عن الذى يؤخذ منه سلاحه مقابل جرعة ماء أو كسرة خبز، ومع ذلك ظلت مصر أمينة بدورها، مدافعة عن شعب فلسطين وستظل، لأن مسئوليتها وأخوتها ككبرى الإخوة العرب لا تنازل عنها ولا تفريط فيها مهما كلفها من تضحيات.

وعودة إلى عنوان المقال أخطار ما بين الثورة والخمول تصل بنا إلى مرحلة الفتور، أو كما تعرف المعاجم أن الفتور هو سكون الحركة بعد حدتها.ومن الجانب الصحى تعنى ضعف المفاصل، وفى لغة العمل تعنى التقصير فيه ،وفى لغة العلاقات تعنى ضعف الصلة، وفى المهن تعنى الخلل الوظيفى، وفى المشاعر تعنى الخلل فى الحماس.

وهنا يواجه الأفراد والعائلات والهيئات والدول المتجاورة والبعيدة ضعفاً وخللاً فى المعاملات الرسمية، وبالتالى تنعكس على الشعوب ذات الفتور والضمور والقصور.

إن عالمنا المعاصر يكاد تكون شعوبه فى سفينة كبيرة بها سبعة مليارات راكب متعددى اللغات واللهجات والأعراف والتقاليد حتى لون البشرة منها الأبيض والأسود وبينهما يأتى الأصفر ورغم هذه التعددية الواسعة فلابد من الحرص الشديد على سلامة السفينة وسلامة ربانها – إن لم يكن حباً - فضرورة الحياة وحفظ البشرية من الزوال أن يتعايش الكل معاً.

وبين التعدديات الكثيرة تأتى التعددية الدينية – ومنها ما اطلقنا عليه ديانات سماوية، وهذا ما أطلقه أصحاب هذه الديانات ولم يقرها غيرهم، فنحن الذين أطلقنا وصفنا بأنفسنا على أنفسنا، وكأننا نصنع الأدلة لذواتنا عكس القواعد المرعية «أن لا يصنع الإنسان دليلاً لنفسه»، والحكمة الربانية تقول:- «يمدحك الغريب ولست أنت من يمدح نفسه».

وانطلاقاً من هذه الحكمة اكتب عنوان هذا المقال منبهاً نفسى قبل غيرى أين نحن بعد ثورتين، وبعد كل هذا التحفيز والشد على الأيدى بأن نطلق السفينة بلا توقف للتقدم فى الانتاج كماً ونوعاً، أى تحريك دولاب العمل دون توقف، وإنهاض الهمم دون استكانة أو تباطؤ. لقد رأينا بأم العين دولاب العمل فى حفر القناة التكميلية التى تضيف قدرات وإمكانيات جديدة للقناة الأصلية لخير مصر والمنطقة، بل والعالم.

إننى أتمنى أن التحفز والاستنفار الذى تمثل فى حفر القناة سواء بأموال المصريين أو بعرق وجهد العاملين على أرض القناة – أتمنى – أن ينتقل هذا الحماس بلا فتور – ليشمل مناحى الحياة، من المدرسة الى المصنع – الى المكتب والمدرسة والجامعة.

لقد قدم الرئيس السيسى نموذجاً فى اليقظة المبكرة، وأتمنى أن تبدأ الأعمال قبل الثامنة لأننا بلد حار ويمتد العمل إلى ساعات المساء، مع استراحة قصيرة للغذاء ثم يستأنف العمل بعد الخامسة وحتى الثامنة لتصل إلى ثمانى ساعات عمل كاملة خلاف أوقات الراحة.

ثم لماذا لا تحتسب الأجور على أساس ساعات العمل؟ فليس من العدل أن يعمل أحدهم بضع ساعات لبضعة أيام، فيتقاضى ذات الاجر الذى يتقاضاه آخر يعمل ثمانى ساعات أو أكثر ولأكثر من 24 يوماً شهرياً. وليتنا ننهض من كبوة الفتور الذى دب فى أوصالنا أو كاد حتى أصابنا، مدركين أنه – أى الفتور – سكن بعد حدة ولين بعد شدة وضعف بعد قوة، ولنتخلص من الكسل والتراخى والتباطؤ والخمول، وليتنا مرة أخرى نقوم ونبنى أسوارنا المتهدمة وأجيالنا التائهة وأحفادنا السائمة، والمؤمن الحق لا يسأم من فعل الخير والاجتهاد، لا الاستكانة والضعف والكساد.

■ رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر