رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة الروح إلى مسرحنا القومى «1-2»


نعم.. صدق من قال عن «المسرح» إنه أبو الفنون ، لأنه الجامع الشامل لكل إبداعات البشر من أداء تمثيلى وشعر وموسيقى واستعراض وديكور وإضاءة وإخراج و «لغة» راقية ثرية جزلة تخاطب العقل والوجدان بكل مايهتم به الإحساس الجمعى فى كل مجتمع يصبو إلى محاولة بلوغ الكمال من أجل حياة سويَّة يغلفها الجمال من كل جوانبها .. لترتقى إلى مصاف البشرية وما يجب أن تكون عليه من رفاهية للعقل والروح والوجدان .. فالفن يبقى دائمًا هو الجذوة المشتعلة التى يجب أن تظل متوهجة وتتفاعل مع تطلعات الإنسان فى الحصول على غذاء الروح قبل غذاء البطون.

لذا تابعنا بكثير من البهجة والفرح تلك الخطوات الجادة من الدولة فى إعادة الروح والحياة إلى المسرح القومى ، ذلك البناء التاريخى الأثرى الذى يعتبر أول مسرح قومى على مستوى الشرق الأوسط والعالم العربى ... ياألله .. فكما سجل التاريخ فى ذاكرته عبور الإمبراطورة «أوجينى» على متن سفينة عملاقة قناة السويس يوم افتتحها الخديوى إسماعيل .. سيسجل التاريخ بالتأكيد هذا الجمع من الحضور - الذى كنت ضمنه -فى افتتاح مسرحنا القومى بحضور دولة رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب ومعالى وزير الثقافة الدكتور جابر عصفور وعدد من أصحاب المعالى والدبلوماسيين وحشد من الفنانين والأكاديميين بعد تطويره ، فقد شيده الخديو إسماعيل بالقرب من دار الأوبرا التى أنشأها أيضًا لتشاهد الإمبراطورة «أوجينى» فوق خشبتها العتيدة استعراض أوبرا «عايدة» !!

ولكن البون شاسع بين الافتتاحين: فالخديوى كان يهدف إلى التقارب والتزلف للغرب وكسب تعاطف الإمبراطورة الجميلة ؛ لتكون سفيرة له لدى الاحتلال ولتعضيد وجوده والبقاء على عرش مصر الذى كان يهتز من تحته ، ولم يأبه للتكاليف الباهظة التى أرهقت مصر وشعبها فى ذاك الزمان .

ولكن افتتاح المسرح القومى السبت الماضى أتى تحت رعاية القيادة الوطنية التى تؤمن برسالة الفن السامية بنشر الإبداع وإيمانها بحق المواطن المصرى فى إثراء روحه ووجدانه بكل معانى الجمال ، ومن أجل الوطن الذى دفعنا الدماء ثمنًا لاستقلاله وتحريره من ربقة العقول المتحجرة والتى تريد أن يتوقف الزمان ، وتريد أن تسير بعقارب الساعة عكس اتجاه إرادة الحياة، جاء الاحتفال مهيباً وراقياً فخماً وبدت قاعة المسرح الرئيسية فى أبهى صورها ، إذ تزينت زخارفها بالألوان

الذهبية الزاهية ، فى مشهد بديع يُظهر عراقة هذا المبنى التاريخى، وتوافرت للمسرح بعد تطويره أفضل تقنيات الصوت والإضاءة للخشبة، عرض فيه فيلم تسجيلى ذكرنا بلحظة اشتعال النيران فى أرجائه عام2008 والتى نزلت علينا نزول الصاعقة، لكن رب ضارة نافعة لأننا، كمواطنين، ووزارة الثقافة أدركنا قيمة ماكنا نملكه حين احترق أمام أعيننا وكانت النتيجة المبهرة التى شاهدناها فى عودة الروح إليه بكل ركن وجزء وجنب من جنبات المسرح فى الاحتفالية التى أحيتها فرقة عبدالحليم نويرة للموسيقى العربية بأجمل ماتغنى به فنانو الزمن الجميل بأصوات شابة واعدة ..

وإن افتقدنا وجود عرض مسرحى يكلل هذه الاحتفالية الرائعة !على وعد باستكمال الاحتفالية بخروج عرض المخرج عصام السيد قريباً بعد استكمال تجهيزات المسرح، فقد أعلن وزير الثقافةعن إرجاء تقديم العرض المسرحى «باحلم يا مصر» إلى يوم 28 ديسمبر الذى يصادف ذكرى مرور 93 عاما على إنشاء الفرق المسرحية! وكانت لمسة الوفاء تجاه من كرم من فنانى المسرح العتاة صداها المثلج لصدور الحضور لأنها تمت فى حياتهم لينعموا باللحظة-قد اعتدنا مجىء التكريمات فى بلدنا بعد الرحيل- وليحصدوا حب الناس، منهم سميحة أيوب وسهير المرشدى وعايدة عبدالعزيز وعبد الرحمن أبو زهرة وعزت العلايلى ومحمود يس ونبيل الحلفاوى ونور الشريف وأشرف عبدالغفور وحسين فهمى ومحمود الحدينى وسميرة عبدالعزيز ورجاء حسين ورشوان توفيق ويحيى الفخرانى.

والبقية غداً.

مركز اللغات والترجمة-أكاديمية الفنون