رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التعليم الدينى والتعليم المدنى «3»


سبق أن أشرت إلى ضرورة حيادية التعليم، وذكرت فى المقال الأول الإشارة إلى تحييد التعليم، وليس القصد هو البعد عن الدين، فنحن شعب بطبيعتنا متدينون، سواء كنا مسلمين أو مسيحيين، ثم كان لزاماً أن نكتب المقال الثانى عن الأنظمة الحكومية، وأشرنا إلى الدولة الدينية والدولة العلمانية، وبينهما الدولة المدنية، وكيف عانى العالم المسيحى قبل الإسلامى من الأنظمة الدينية الحاكمة حتى كادت أنظمة الحكم الدينى أن تختفى باستثناء الدول القليلة، ومنها إيران ثم إسرائيل والمملكة العربية السعودية مع الفروق الواضحة حتى بين الأمثلة الثلاثة المشار إليها.

وفى هذا المقال نتعرض إلى التعليم الدينى والتعليم المدنى ومحاولات المزج بينها، ولا شك أننا نتذكر ذلك الإنذار المدوى عندما صاح الصوت الأمريكى بعبارة «أمة فى خطر»، وذلك بعد أن أطلق الاتحاد السوفييتى القمر الصناعى «سبوتنك» Sputnik فى عام 1957، وعلى الفور حدثت تغييرات حادة فى مناهج الرياضيات فى الولايات المتحدة الأمريكية بهدف رفع مستوى الدارسين فى مادة الرياضيات، فكان شعار أمة فى خطر عام 1983 والذى اعتبرته أمريكا أهم وثيقة عن التعليم ولم يجد الأمريكيون حرجاً فى مثل هذا الاعتراف، بل كان دافعاً قوياً إلى تقييم الوضع، بل أشارت الدراسة بكل جرأة إلى الاعتراف بأن السبب الرئيسى هو تدنى مستوى المعلم وبدأت الدراسة الجادة والتقارير العلمية التى كان أولها «برنامج عمل» ثم وثيقة أخرى «كلنا مسئولون» ثم وثيقة معايير منهج وتقويم الرياضيات والتى كانت الوثيقة الأهم لتطوير تدريس الرياضيات فى المدارس الأمريكية، واستمرت اللجنة التى أقرت الوثيقة الأخيرة فى عمل متواصل ونصب أعينها ذلك النداء «أمة فى خطر» حتى قدمت التقرير بعنوان أمريكا عام 2000، وتضمن التقرير الخطوات العملية لتطوير التعليم وإصلاحه تحقيقاً لنداء الإصلاح الذى انطلق عام 1983.

ولم تكتف أمريكا بهذه الخطوة إذ ظلت العيون مفتوحة والقوى يقظة والجهود متحفزة والدراسة المقارنة قائمة على قدم وساق حتى اكتشفت منذ سنوات قليلة أن التعليم فى اليابان وكوريا الجنوبية أكثر تفوقاً، ولم يغمض لهم جفن ولم يخجلوا أن يعترفوا بتفوق غيرهم عليهم ولم يضيعوا الوقت فى الدفاع عن مستواهم التعليمى والعلمى بل اعترفوا بواقعهم وبتفوق غيرهم عليهم واستدعوا الشعار القديم والمتجدد «أمة فى خطر» مرة أخرى وقدموا دليلهم أن خريجى الجامعات اليابانية والكورية الجنوبية يتفوفون على خريجى الجامعات الأمريكية ورفع الشعار مرة أخرى «أمة فى خطر»، والخطر القادم بعد عشر سنوات ما لم يتغير نظامنا التعليمى.

ولم تر الدولة الأوروبية حرجاً أن تستدعى ذات الشعار «أمة فى خطر» حتى تسارع بإجراء التعديلات فى التعليم مهما كلفهم ذلك باعتباره أولوية الأهداف المطلوب تحقيقها.ومن الصحوة الأمريكية والصراحة بواقعها والإصرار على تغيير الواقع بعكس دول أخرى تحرجت أن تعترف بواقعها فاستحضرت المستقبل بناء على ماضيها ونادت بشعار «أمة لها مستقبل» أو «أمة لها تاريخ»، و«نحن بناة الأهرامات»، ومع أجمل هذه الشعارات، إلا أنها لا تترجم إلى إنتاج فكرى وعملى، كما يراها العالم، والدليل العملى فكوريا الجنوبية بتطوير تعليمها وتدريب المعلمين أصبحت نمراً آسيوياً وفى عشرين عام سجلت عدداً من براءات الاختراع بلغ 16380 براءة فى المجالات التقنية والصناعية فى حين أن العالم العربى لم يسجل سوى 170 براءة، ويخجل كل مصرى بل وكل عربى أن يرى هذه المقارنة بل ومن المخجل أن نسمع عن تدنى مستوى التعليم حتى فى اللغة العربية حتى كادت أن تختفى فى سباق الاهتمام بالحواسب الآلية واللغة الإنجليزية لارتباطها بالحواسب الآلية، فهل حان الوقت أن نعترف بواقعنا ولا نخجل أن نقول «نعم نحن فى خطر».لقد حاولت بعض دول العالم الأول وعلى رأسها الولايات المتحدة أن تقدم برامج تطوير تعليم أنفق عليها الملايين تم بعضها فى الداخل وسافر كثيرون من معلمينا إلى الولايات المتحدة، والواضح أن التقييم لم يكن فى صالحنا وأن الفائدة لم تكن مناسبة مع ما ينفق عليها، فالمناهج لم تطور والحال لم يتغير فى أسلوب التعليم.وهذا يقودنى إلى مكانة وقيمة التعليم الأزهرى، ودور جامعته فى إعداد كوادر الدعاة، ومعلمى اللغة العربية، مع استخدام الوسائل الحديثة فى التعليم والتقييم، فجامعة الأزهر هى المؤسسة الدينية العلمية الإسلامية العالمية، فهى تأتى ثانى جامعة أنشئت فى العالم بعد جامعة القرويين، وذلك منذ القرن الرابع الهجرى أو العاشر الميلادى.وقد وضع حجر أساس الجامع الأزهر فى الرابع والعشرين من جمادى الأولى 359 للهجرة 970 ميلادية، وافتتحه مصلياً فيه الخليفة المعز لدين الله الفاطمى وهو الخليفة الثانى للدولة الفاطمية فى الجمعة الأولى من شهر رمضان سنة 361 هـ أى 972 ميلادية ثم أصبح الجامع الرسمى للدولة والمقر لنشر الدين والعلم فى حلقات الدرس التى بدأها القاضى أبوحنيفة بن محمد القيروانى قاضى الخليفة المعز لدين الله.وفى عهد محمد على أرسل البعوث العسكرية والمدنية إلى دول إيطاليا وفرنسا وروسيا ودول أخرى واختار كل المبعوثين من الأزهريين، مما أدى إلى تنشيط الحركة العلمية فى مجالات التعليم والإعلام والقانون، وكان الطالب يختار أستاذه الذى يتابعه ويراجعه حتى إذا ما أظهر استيعاباً ونبوغاً منحه أستاذه «إجازة علمية مكتوبة» التى تؤهله للتدريس فى المدارس أو فى المساجد أو فى جامع الأزهر نفسه.ومع تطوير نظم الدراسة صدرت القوانين المنظمة للعمل بالأزهر وكان أولها القانون الصادر عام 1872 ميلادياً لينظم طريقة الحصول على الشهادة العالمية والمواد التى تدرس للحصول على هذه الشهادة.وفى بداية القرن العشرين صدر القانون لسنة 1908 فى عهد الشيخ حسونة النواوى وبه تم تشكيل مجلس عال لإدارة الأزهر برئاسة شيخه وعضوية كل من مفتى الديار وشيوخ المذاهب الأربعة واثنين من موظفى الجامع، وكان هذا التاريخ هو بداية تقسيم المراحل الدراسية بالجامع الأزهر إلى مراحل الأولى والثانوى والعالى ومدة التعليم فى كل مستوى أربع سنوات مع مراعاة أن جميع الطلبة من المسلمين نسبة إلى نوعية الدراسة والعمل الذين يؤهلون له.

وإلى اللقاء فى العدد القادم..

رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر