رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدور العسكرى امتداد لباقى الأدوار.. وليس منفصلاً عنها


غريب أن بعضنا لا يرى كيف أن الولايات المتحدة الأمريكية، - وهى الدولة التى لها ميزانية دفاع تساوى مجموع ميزانيات الدفاع للدول العشر التالية لها فى الترتيب فى حجم ميزانيات الدفاع - تعثرت «وما زالت متعثرة» فى التدخل العسكرى فى أفغانستان بعد سنوات طويلة

شاركت فى برنامج تليفزيونى على إحدى القنوات الفضائية العربية حول أحداث الإرهاب القائمة، وأثار أحد المشتركين الموقف المصرى من الإرهاب، وبدا أن مقدم البرنامج يوافقه، ورأوا أن مصر والدول العربية منكفئة على نفسها، وأنه كان يجب عل مصر أن تبادر إلى مهاجمة العناصر الإرهابية فى أماكن وجودها، وألا تنتظر وصولها إلى حدود مصر. وبدا واضحًا أن المحاورين يرون فى الدور الإقليمى لمصر أنه دور عسكرى بالدرجة الأولى، ولم يرد ذكر الوسائل الأخرى التى تتبعها مصر لممارسة دورها الإقليمي، بل والعالمي، وعبثًا كانت محاولة توضيح أن ممارسة دور عسكرى خارج الحدود يتطلب أوضاعًا وظروفًا تمهد لتحقيق الأهداف المرجوة، وأنه فى غياب هذه الشروط يصبح العمل العسكرى خارج الحدود ضارا بالأمن القومى بدلا من أن يساعد على تحقيقه.

وغريب أن بعضنا لا يرى كيف أن الولايات المتحدة الأمريكية، - وهى الدولة التى لها ميزانية دفاع تساوى مجموع ميزانيات الدفاع للدول العشر التالية لها فى الترتيب فى حجم ميزانيات الدفاع - تعثرت «وما زالت متعثرة» فى التدخل العسكرى فى أفغانستان بعد سنوات طويلة، وأن الرئيس الأمريكى باراك أوباما قد وافق على التدخل العسكرى ضد تنظيم داعش الإرهابى بعد تردد شديد، وأن هذه الموافقة ما زالت مقصورة على الضربات الجوية والمستشارين العسكريين، ويرفض التدخل بقوات برية، وأن الاتحاد السوفييتى الذى كان «القوة العظمى الثانية» فشل فى تدخله العسكرى فى أفغانستان، وربما كان هذا التدخل سببًا فى انهياره بعد ذلك. كذلك فإن الصين وهى إحدى الدول الخمس الكبرى ذات العضوية الدائمة فى مجلس الأمن وذات أكبر قوة بشرية تعدت البليون نسمة قد امتنعت منذ وقت بعيد عن التدخل العسكرى الخارجى.

كذلك نلاحظ أن الدول التى مارست تدخلاً عسكريًا خارج حدودها قد عمدت إلى تأمين قواعد عسكرية لها انطلقت منها واستندت إليها فى تدخلها هذا بمايؤكد حاجة الجيش إلى أن تكون له قاعدة تؤَّمن له احتياجاته وتوفر له الدعم، وأن هذه القاعدة إذا فقدت تأييد الشعب المحيط بها تنخفض فائدتها كثيرًا، وتضطر القوة المتدخلة فى النهاية إلى الانسحاب دون تحقيق الأهداف، بل وأحيانا بنتائج عكسية. كذلك يبدو أن البعض يتناسى التجربة المصرية فى اليمن رغم أنها ضمن التجارب القليلة الناجحة فى تحقيق أهدافها بما حققته للشعب اليمني، إلا أن ذلك كان ثمنه باهظًا سواء فى خسائر الأرواح أو فى أثره على استعداد القوات المسلحة لمواجهة العدو الإسرائيلى عام1967!

من جهة أخرى أرانى أتعجب لمن يطالب مصر بالتدخل العسكرى مثلاً فى العراق فى حين أن الجيش العراقى قد تخلى عن أسلحته ومعداته فى شمال العراق، أو أن يطالبها بالتدخل فى ليبيا بينما لا يتفق الليبيون أنفسهم على قيادة وسلطة تتولى شأن البلاد، أو أن يتدخل فى اليمن فى حين أن الجيش اليمنى منقسم على نفسه، والأغرب من هذا أن يطلب من القوات المسلحة المصرية أن تتدخل فى فلسطين بينما الفلسطينيون منقسمون على أنفسهم، وأن أحدًا لم يحاول التنسيق مع السلطات المصرية قبل أن يقدم على عمل عسكرى وفى ظروف معاهدة السلام مع إسرائيل وأوضاع القوات بناء عليها.

سبق أن شرحت وجهة نظرى فى التدخل العسكرى خارج الحدود، ولست معارضًا له على الإطلاق، وسبق أن قلت أن من الأفضل توحيد جهودنا، وأن نتعاون مع أشقائنا لمحاربة عدو مشترك خارج حدودنا وقبل أن يصل إلينا. كذلك أبديت رأيى فى الحلف المصرى الخليجى المقترح وأبديت الفرص والمخاطر التى ينطوى عليها. لكن هذا التدخل يجب أن يحقق ظروفًا أفضل للقوات لتحقيق هدفها، وإن لم يفعل ذلك، فالأفضل أن نبقى قواتنا على أراضينا، ولكل من يتشدق بسياسة جمال عبد الناصر، فهو لم يرسل قواتنا إلى أماكن ليست لها قاعدة فيها، ولو أن جمال عبد الناصر معنا ما قَبِل بإرسال جندى مصرى للخارج فى الظروف الحالية ولنتذكر فترة مابعد 1967.

هل تخلينا عن دورنا الإقليمي، لا أظن، رغم أنى أختلف مع بعض السياسات، فدورنا لم يتوقف، وعلاقاتنا مستمرة، بل استطعنا أن نوفر إطارًا جديدًا لعلاقاتنا الإقليمية بقمة مصر وقبرص واليونان، ونشارك بفاعلية فى نشاط الدول المجاورة لليبيا، ولنا دورنا فى القضية الفلسطينية لكنه ينتظر الدور الفلسطيني، ونحن نستعيد دورنا الأفريقى، أما دورنا العسكرى فنمارسه أولاً داخل أراضينا، ووجود قواتنا فى بلدنا يلعب دورًا فى التوازن الإقليمى سواء العربى أو المتوسطى أو الأفريقى أو الآسيوى لابد أن يدركه من يفهم فى الاستراتيجية. الدور العسكرى هو امتداد لباقى الأدوار وليس منفصلاً عنها.

■ خبير سياسى واستراتيجى