رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين التجويـد والنشـاز !!


ترتفع صيحات مستمعى القرآن الكريم فى المحافل الدينية والمساجد والسرادقات بالتكبير، للتعبير عن حلاوة وجمال صوت قارىء القرآن الكريم، وتلك الصيحات التى تتزامن فى توقيت واحد دونما اتفاق دليل على أن القارىء صاحب الصوت الجميل قد مس شغاف قلوب مستمعيه فخرجت تلك الصيحات بالتكبير والتهليل، وليصيح الكل فى نفس ٍ واحد : الله .. الله .. وربما استزادوه فى إلحاح لإعادة التلاوة من جديد...

... لأن للقرآن حلاوة وطلاوة، لذا انطبقت شهادة «الوليد بن المغيرة» عن بلاغة القرآن الكريم حين قال: «والله إن لقوله الذى يقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة» !! فما بالكم لو كانت أداة التوصيل لمعانى تلك الكلمات صوتاً جميلاً مفعمًا بالإحساس يلمس القلوب ليرتفع بها الى آفاق الروحانيات حتى تصل بهم نشوة الاستمتاع بالمعانى وحلاوة الصوت لتغرورق أعينهم بالدموع خشوعاً وخشية .تلك الأصوات الجميلة لقـُــرَّاء القرآن الكريم.. تجعلنا نتذكر أبرز الشيوخ الذين ذاع صيتهم فى جمال التلاوة للقرآن على الساحة المصرية والعربية منذ سنوات طويلة، منهم على سبيل المثال لا الحصر: محمد رفعت .. مصطفى إسماعيل.. الحصرى .. عبد الباسط عبد الصمد .. طه الفشنى .. النقشبندى، نصر الدين طوبار، وغيرهم كثيرون، ممن أفنوا حياتهم فى حمل أمانة إنشاد القرآن الكريم بحسب القراءات السبع، إلى جانب التغنًّى بالأذان والمدائح النبوية والتواشيح والأدعية بالصوت الجميل، وتجعلنا نحزن على مانسمعه اليوم من معظم أداءات القرَّاء الجدد، فهم ليسوا على المستوى المطلوب الذى تربَّت عليه آذاننا على يد شيوخ الماضى الجميل.وبهجمة هذه الأصوات على أذن المستمع المصرى والعربى ضاعت الحلاوة والطلاوة على أيديهم، أى «الحُسن والرَّونق»، ولعلنا نتذكر قول الرسول- صلى الله عليه وسلم- ممتدحًا صوت «بلال» الشجى عند رفعه للأذان بقوله: «أرحنا بها يا بلال»! خلافًا للقائمين على رفع الأذان فى الآونة الأخيرة، بل والأدهى والأمر أن هؤلاء يتصدون عبر ميكروفونات مآذن المساجد والمنابر والزوايا لإذاعة مواقيت الصلاة بأصوات متحشرجة أقرب إلى صوت الطاحونة التى تجرش الحصى، لأن الكثير منهم غير متخصصين ولا يمتون بأدنى صلة للقيام بهذه المهمة، فمنهم من ينتمون الى مهن ٍأخرى بعيدة عن فنيات هذه المهمة ويقبضون على هذه الميكروفونات ظنًا منهم أنه تطوعُُ ُ محمود سوف يثابون عليه، وهم من ينطبق عليهم قول الله تعالى فى كتابه العزيز: «إن أنكر الأصوات لصوت الحمير!!» لكونها أصوات أقرب الى النشاز الذى تنفر منه الأذن،، هذا علاوة على التنافس فى تصدير الضوضاء عن طريق تلك الميكروفونات، فلا يراعى مستخدموها كبار السن أو المرضى، لذا يجب القيام بالتفتيش الدورى على تلك المساجد والزوايا لضمان تطبيق القواعد المتعارف عليها لضمان جمال وحلاوة أصوات قارئى القرآن والمختصين برفع أذان مواقيت الصلاة، والعمل على تفعيل مشروع «الأذان الموحَّد» بمعرفة الجهات الرسمية، وحتى لاتختلط أصوات ميكروفونات المساجد والزوايا المتقاربة جغرافيا فى الشارع الواحد.

ولعل من المفارقات الجميلة التى أوردها كطُرفة للدلالة على ضرورة تلاوة القرآن ورفع الأذان لمواقيت الصلاة بالأصوات الجميلة التى تمس شغاف القلوب وتكسو جدار الروح بكل جلال الإيمان وحلاوته:روى أحد شعراء الاسكندرية الكبار أن سائحاً أجنبياً كان يركب الحنطور على كورنيش الاسكندرية فاستمع إلى «صوت جميل» فى سرادق للعزاء، فسأل الحوذى عن هذا الصوت الرقراق الجميل، فأخبره الحوذى بأن هذا «قرآن» المسلمين، فطلب السائح أن يذهب به لإشهار إسلامه بدار الإفتاء، وبالفعل ذهب فى اليوم التالى وأعلن إسلامه، وأراد الاحتفال بالمناسبة فطلب النزهة بركوبه «الحنطور» مرة أخرى لاستكمال المتعة، ولسوء الحظ مرُّوا بسرادق آخر للعزاء ولكن المقرىء كان صوته أجش وقمىء، فأسرع الحوذى بـ «فرقعة الكرباح» على ظهر الحصان ليُسرع فى الخطى حتى لا يستمع السائح إلى هذا الصوت الذى قد يجعله يفكر فى الارتداد عن فكرته فى إشهار إسلامه. وهذا الصوت الأجش هو ماجعل الشاعر السكندرى «أبو سمرة» يكتب زجلاً جميلاً يصف به القارىء صاحب الصوت الأجش المتحشرج يقول فيه :«بيرتِّـل القــرآن ترتيــل .. بصُـــوت وحِـش هز كيانى .. والليلة «لو» ينزل جبريل .. كان يسحب القرآن تانى»!! وقانا الله وإياكم شر الأصوات النشاز التى تُفقد المستمع حلاوة الترتيل والتركيز مع القارىء أو المؤذن، ليضطر إلى إدارة المؤشر ليستمع إلى أصوات غير المصريين فى الإذاعات الخارجية.

مركز اللغات والترجمة ـ أكاديمية الفنون