رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحرب الأمريكية الداعشية والقضاء على الدولة السورية


تصر الولايات المتحدة الأمريكية صانعة التنظيمات الإرهابية على تجييش الجيوش والعدة والعتاد وتكوين أكبر حلف دولى لمحاربة تنظيم داعش المتطرف الدموى. بل وتصر على وضع العالم فى حالة حرب مستمرة لمدة تصل إلى ثلاث سنوات على الأقل للقضاء على عشرين أو ثلاثين ألف مقاتل. بل وتدفع مزيدا من الدول للانضمام إلى الحلف الدولى وتصر على توريط بعض الدول العربية فى الدخول بقوات برية إلى الأراضى السورية تحت مسمى القضاء على داعش.

إن خطط أمريكا ومعها بعض الدول الأوروبية لا ترمى للقضاء على الإرهاب لأن الإرهاب صنيعتها بل لاستثماره فى تحقيق أهدافها. كما أن أمريكا ومن معها يدعمون كل التنظيمات المتطرفة لمزيد من الاقتتال على أرض الدول لتفتيت هذه الدول واستنزاف مواردها وإنهاك وإضعاف جيوشها لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد بعد فشلها فى تحقيقه بعد سقوط نظام الإخوان فى مصر بثورة الشعب فى 30 يونيو 2014.

إن مصالح الدول الرأسمالية المتوحشة المعسكرة تكمن فى استمرار الاقتتال بين الشعوب على أساس عرقى ودينى وطائفى، فاستمرار الحروب تعنى استمرار دوران مصالح مصانع السلاح داخل الدول الاستعمارية الكبرى التى تدعم جميع الأطراف المتحاربة لتضمن تدفق السلاح إلى أيدى الجميع وتضمن مزيدا من الأرباح على حساب سفك دماء الشعوب. وبجانب هذا يوجد سبب هام وهو خنق المنطقة العربية وتهديد أمنها القومى واستقرارها بهجمات الإرهابيين المتطرفين مما يجعل هذه الدول تنشغل بحروب داخلية وتصرف معظم ميزانياتها على مزيد من التسليح على حساب تنمية حقيقية لهذه البلدان تمكنها من الاكتفاء الذاتى وتمكنها من التنمية الاقتصادية واستقلال الإرادة الوطنية والخروج من فلك التخلف والتبعية.

إن إضعاف دول المنطقة العربية هام جدا لاستمرار تدفق ثرواتنا التعدينية والنفطية إلى الدول الكبرى ولاستمرارنا سوقا كبيرة لمنتجات تلك البلاد الرأسمالية الكبرى.

فى هذا الإطار، وبنظرة على ما تقوده أمريكا الآن من تحالف دولى لمحاربة الإرهاب والقضاء على داعش، هذا العنوان يخفى تحته أكثر من هدف:

الهدف الأول توسيع تواجد القواعد الأمريكية العسكرية على مزيد من الدول العربية ومنها الأردن وسوريا.

الهدف الثانى تسليح وتدريب ما تطلق عليه أمريكا (المعارضة المعتدلة)، وهى تنظيمات خرجت جميعها من عباءة جماعة (الإخوان المسلمين) لتمكين هذه المعارضة من إسقاط الدول والاستيلاء على الحكم لتستمر تابعة لأمريكا ولتتربع على عرش الدول العربية بعد تقسيمها إلى دويلات يحكمها هؤلاء المتاجرين بالدين والأوطان. ولتحقيق هذه الأهداف لابد من الاعتماد على دول داعمة فى المنطقة تقوم بتمويل وتدريب وتسليح الإرهابيين مثل قطر وتركيا، والتى تقوم بإيواء العناصر الإرهابية الهاربة من ارتكاب جرائم جنائية فى دولها، وتوفر الأمن والأمان لهم. بل وتقوم باستقبال جرحى تنظيم داعش وعلاجهم فى مستشفياتها، وتتعاون مع هذا التنظيم.

لذا لا تريد تركيا حتى الآن محاربة داعش رغم اقترابها من حدودها فى منطقة الأكراد السورية التركية. بل ويطالب أردوجان بثلاثة مطالب للمشاركة فى محاربة داعش، وهى فرض منطقة عازلة على الحدود التركية السورية، ومنطقة حظر جوى، والقضاء على النظام السورى. تلك هى شروط أردوجان لمساعدة الحلف الدولى.

وإذا نظرنا إلى ما يحدث على مستوى منطقتنا العربية نجد العديد من السياسات التى  تؤكد هدف أمريكا فى القضاء على الجيوش العربية المتبقية فى مصر وسوريا. فتهديد أمن مصر القومى يتم عن طريق الدول المحيطة بالحدود المصرية. ففى الشرق هناك العدو الصهيونى الضليع فى هذه المؤامرة، بل نجد أن الكيان الصهيونى يسعى إلى إفشال التنمية فى مصر وإفشال مشروع قناة السويس الجديدة عن طريق التحكم فى باب المندب. لذا تساعد إسرائيل ومعها إيران على تحقيق نفس الهدف عن طريق سيطرة الحوثيين فى اليمن على باب المندب لخنق مصر من جهة، ومن جهة ثانية تهديد السعودية من بوابة الحدود اليمنية بمزيد من اشتعال القتال داخل أرض اليمن ومحاولات فصل الجنوب عن الشمال.

وإذا انتقلنا للحدود الغربية المصرية الليبية نجد أن بريطانيا وأمريكا تضغطان على مجلس النواب المنتخب فى ليبيا ليقوم بالوساطة بين مختلف الأطراف الليبية لكى تتوافق معا، أى يعمل على إيجاد توافق بين الجماعات الإرهابية التى أعلنت تأييدها لداعش وبين الأطراف الليبية المساهمة والرافضة لابتزاز الإرهابيين. وفى نفس الوقت الذى تعلن فيه أمريكا الحرب على داعش تترك الأراضى الليبية مرتعا لتدريب وتسليح الإرهابيين وتهريبهم إلى داخل الأراضى المصرية لمزيد من خنق مصر واستنزاف الجيش المصرى على الحدود.

وإذا انتقلنا إلى الحدود الجنوبية مع السودان نجد نجاح المخطط الأمريكى الصهيونى فى فصل جنوب السودان عن شمالها، بل وتأجيج الصراعات القبلية والعرقية والطائفية داخل السوادان، بالإضافة إلى تدريب وتمويل وتسليح الإرهابيين وتهريبهم إلى داخل مصر من الحدود الجنوبية، لإشعال مزيد من المعارك الإرهابية داخل مصر. هذا غير وصول الكيان الصهيونى إلى عدد من الدول الإفريقية وخاصة دول حوض النيل للوقيعة بينهم وبين مصر للإضرار بالأمن المائى المصرى.

وإذا كانت أمريكا وحلفائها يريدون القضاء على الإرهاب فلماذا لم تساعد أمريكا مصر فى القضاء على الإرهاب المشتعل داخل أرضنا؟ ولماذا لم تضغط أمريكا على الكيان الصهيونى الذى يعيث فى أرض فلسطين إرهابا وفسادا يوميا ويحاصر الفلسطينيين فى غزة ويقوم بالعدوان الدائم عليهم مما أدى إلى تدمير البنية التحتية من شبكات المياه والصرف الصحى والنقل والكهرباء وآلاف المنشآت الزراعية والصناعية والتجارية وخلف فى الحروب الثلاثة الأخيرة من 2008 وحتى الآن أكثر من 3760 شهيدا و18 ألف جريح.

التحديات كبيرة ولابد من مواجهتها، ليس بالمواجهة الأمنية فقط ولكن بتنمية حقيقية وديمقراطية حقيقية وعدالة اجتماعية وانتقالية حقيقية.