رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدفاع عن حق المصريين فى الصحة.. والمسيرة مستمرة


يتحسَّس الفقير جيبه، عندما يفاجئه المرض، وتجرى الأم على أقاربها، أو جيرانها لتقترض منهم بضعة جنيهات، حينما ترتفع حرارة الرضيع أو يصاب بمرض من الأمراض الكثيرة المنتشرة: (الكحة، حساسية الصدر، الإسهال، القىء...) تجرى الأم وهى مرعوبة على وليدها إلى أقرب وحدة صحية أو مستشفى المركز أو المركز الصحى بالمدينة، أو المستوصف الخيرى...

... تنظر إلى روشتة العلاج وهى تدعو الله أن يكون ثمن الدواء فى متناول يدها، فالمستشفى أو الوحدة الصحية عادة ليس بها كل العلاج، ولابد من شراء معظمه من الخارج، والأدوية مرتفعة الأسعار.

تنظر للصيدلى قائلة له: «هات لى المهم». كل الأدوية مهمة، ولا يمكن الاستغناء عن بعضها، وكلها مرتفعة الأسعار، وخاصة المضادات الحيوية.

الفقير فى بلدنا يعيش فى مسكن غير صحى، لا تدخله الشمس، وعادة ليس به ماء نظيف أو صرف صحى، وسط أكوام من القمامة والحشرات، ومع غذاء غير صحى. عندما يصاب الفقير فى بلدنا بمرض خطير يحس بالذل والقهر لقلة الحيلة وللبهدلة والتوهة بين أروقة المستشفيات لتلقى العلاج.

ملايين من المصريين الفقراء ينضوون تحت ما يسمى بالعمالة غير المنتظمة، رزقهم يوم بيوم، ملايين من الفلاحين والصيادين والمرأة المعيلة والمطلقة والأرملة وأصحاب المعاشات والمسنين.

الملايين من الشعب المصرى من حقهم التمتع بتأمين صحى اجتماعى تكافلى شامل مثلما تنص جميع المواثيق الدولية، ومثلما ينص دستور 2014 المصرى فى المادة الثامنة عشرة منه: «لكل مواطن الحق فى الصحة وفى الرعاية الصحية المتكاملة، وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى على الصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية».

نريد زيادة ميزانية الصحة، فلا يمكن أن تتحسن الصحة بغير زيادة الميزانية، فى الموازنة العامة للدولة عام 2014 و2015 زادت الميزانية من 33 مليار جنيه إلى 42 مليار جنيه. غير كاف ياسادة لتوفير الموارد اللازمة للصرف على القطاع الصحى (أجهزة، مستلزمات طبية، أدوية، مستلزمات الطوارئ والعناية المركزة والعمليات الجراحية، الصيانة، أجور عادلة للأطباء ولكل العاملين بالقطاع الصحى من تمريض وفنيين. رواتب تكفل حياة كريمة للطبيب وأسرته يتيح له التفرغ لعمله ولمرضاه.

وفى نفس المادة: «تلتزم الدولة بإقامة تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى جميع الأمراض». وهذا مربط الفرس. تأمين صحى لكل المصريين، أى وضع قانون يشمل التأمين الصحى الشامل مقابل اشتراك من دخل المواطن وتتحمل الدولة نسبة الاشتراك من غير القادرين. وبالرغم من نص الدستور على ذلك، فإن مسودة القانون الأخيرة الخاصة بالتأمين الصحى تضيف على المواطنين أعباء جديدة فوق الاشتراك بدفع مساهمات تمثل 10% من الأشعات بحد أقصى 200 جنيه، 5% تحاليل بحد أقصى 100 جنيه، 20% من الأدوية بحد أقصى 50 جنيهاً. من أين للموظف أن يدفع ما قد يصل إلى 350 جنيه شهريا؟

فى كل بلاد العالم التأمين الصحى مقابل اشتراك فقط، وإذا كانت الدراسات تقول إن نسبة 1% التى يتم تحصيلها من المواطن ونسبة 3% من صاحب العمل (حكومة أو قطاع عام أو خاص) لا تكفى، فمن الممكن مثلا زيادة الاشتراك إلى 1.5 أو 2% للمواطن مع زيادة نصيب صاحب العمل بنفس النسبة (4.5 أو 6%)، ولا تضاف أعباء أو مساهمات جديدة على المريض.

منذ أن تكونت لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة عام 2007، وهى تعقد مؤتمرها السنوى، وعنوان المؤتمر الثامن الذى عقد الاثنين الماضى 22 سبتمبر 2014 كان «الإصرار الحكومى على خصخصة الصحة ومخالفة الدستور».

إن سياسة الخصخصة التى بدأت منذ تسعينيات القرن الماضى، وحتى الآن مازالت مستمرة بعد قيام ثورتى 25 / 30، سياسة مستمرة وكأن ثورة لم تقم، وكأن ليس هناك دستور جديد يحمل الأمل للمصريين فى حقهم فى الصحة والتعليم والسكن والغذاء والعمل.

فالحال هى الحال والسياسات هى السياسات، وكل حكومات ما بعد الثورة تتبع نفس السياسات القديمة. فقطاع الأعمال الذى تتبعه تسع شركات قابضة تدير 146 شركة فى مجالات عديدة: الأدوية، الصناعات المعدنية، الصناعات الغذائية، النسيج، الكيماويات، وغيرها. مازال هذا القطاع يسير على طريق الخصخصة، بما يتضمن تعمد إهمال وتخسير شركات قطاع الأعمال العام، وصولا إلى بيعها بأبخس الأثمان والقضاء على الصناعة الوطنية، وعلى الشركات المتبقية التى بنيت بعرق وجهد وأموال الشعب المصرى.مازالت الحكومة تسير فى خصخصة الخدمات، ومنها القطاع الصحى، ففى الفترة الأخيرة تلجأ الحكومة إلى حل مشاكل المستشفيات الجامعية، والتى تقدم ثلثى الخدمات المهارية (غسيل كلوى وقسطرة وجراحة القلب، والسرطان) عن طريق مشاركة القطاع الخاص فى إصلاحها. وهذا يعنى بالطبع تحويلها إلى شركات ربحية تبيع خدماتها للتأمين الصحى والعلاج على نفقة الدولة محملة بالربح مما يجعلها تتربح من مرض المواطنين، ويلقى تكلفتها العالية على كاهلهم.

لذا طالب البيان الختامى للمؤتمر، والذى وقع عليه أكثر من ستين منظمة من منظمات المجتمع المدنى من أحزاب وحركات اجتماعية ونقابات ومنظمات أهلية، طالبوا بإصلاح المستشفيات الجامعية بتوفير التمويل الكافى لها، وإصلاح هياكلها الإدارية، مع بقائها تابعة لجامعاتها واستمرارها كهيئات غير ربحية، واستبعاد مشاركة القطاع الخاص فى إصلاحها.لابد من توافر الإرادة السياسية للمسئولين فى الدولة لوضع سياسات لصالح فقراء هذا الشعب ، سياسات تعمل على تفعيل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى الدستور والحفاظ على ثروات مصر وعلى ممتلكات الشعب والقضاء على الفساد وإلغاء كل اللوائح والقوانين التى تمنح الامتيازات للعاملين بالإدارة العليا على حساب بقية العاملين مما يزيد من التفاوت الطبقى والاحتقان المجتمعى، باختصار إرادة سياسية لتحقيق العدالة الاجتماعية.