رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البحث عن رجل


اعتدنا عند الحديث عن الشخص المناسب أن نذكره بلغة المذكر، وكأن المقدرة والكفاية ليست إلا فى الشخص المذكر، فى حين أن هناك سيدات لهن من القدرات والإمكانات والاستعدادات ما يفوق الكثيرين من الرجال، بل وكأن الأنوثة مقترنة بالضعف والعجز ومحدودية التفكير والحركة والأداء

... فى حين أننا نرى حولنا ونسمع بآذاننا ونقرأ عن نساء كثيرات فى مواقع المسئولية وفى قمة القيادة كملكات ورئيسات الجمهوريات فُقن كثيرين من أقرانهن من الرجال.. ودافعى لكتابة هذا المقال ما قرأته فى عامود المصرى اليوم « خط أحمر» للأستاذ سليمان جودة بعنوان «أصارحك يا سيادة الرئيس»، وجاء حديثه عن أزمة فى الرجال الذين يصلحون كمستشارين للسيد الرئيس، حتى إنه لم يتم اختيارهم حتى الآن، بل إنه لم يعين وزيراً للإعلام، ليس لإلغاء الوزارة، بل لندرة وجود الرجل المناسب فى المكان المناسب، وكنا نشير إلى معنى المناسبة ليس بمعنى من يملك الإمكانات والقدرات التى تناسب الوظيفة، بل من هو الذى ينتمى إلى أسرة المسئول، يعنى «أبوالنسب»، وأهل الثقة، وليس من أهل الخبرة والإمكانات.

أما عن سؤال الكاتب عن خلو وظائف مستشارى الرئيس، أن تضاف إلى أعمال الوزراء المختصين، والمفترض فى كل وزير فى موقعه، وكل محافظ فى محافظته من يصلحون أن يكونوا عيوناً وآذاناً للرئيس من خلال رئيس الحكومة، بل كل مواطنة ومواطن هم عيون وآذان، وإلا انتفت عنهم صفة المواطنة الحقيقية.

إن مسئوليات كثيرة وإمكانات قد لا تتوافر فى أشخاص رسميين تتاح لمواطنين مخلصين قد يكونون أكثر مناسبة من موظفين تابعين، يقومون بأدوار بحكم الوظائف، فى حين أن المواطن العادى، رجلاً كان أم سيدة، يقومون بأدوار تخدم بلادهم، ويستمع إليهم بحكم تجردهم من المصالح المهنية والأدوار المطلوبة منهم كموظفين.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، إن لقاء تم بين مواطنين ومسئولين فى الإدارة الأمريكية، جاء الحديث حول طائرات «الآباتشى» الست التى لم تكن قد سلمت من صفقة الآباتشى، وكان ذلك فى شهر مايو، وبعد مناقشة مع مسئول أمريكى، تم عرض الموضوع وأسباب تأخير التوريد، ومن المؤكد أن للحوار الذى دار أثراً فى إجلاء بعض المعلومات الخاطئة التى أخرت التوريد، مع أمور أخرى كانت مشوشة ومعوقة لحسم العديد من الأمور، صحيح أن المواطن العادى ليس لديه كل المعلومات، لكنه يتحدث كمواطن مهموم بوطنه مخلص فى تعبيره، وكثيراً ما يكون مسئولاً أكثر من الموظف العام.

أذكر هذه الأمثلة ليس لتبرير تأخر تعيين مستشارى الرئيس نساءً ورجالاً، بل لأنبّه أن كل مواطن أو مواطنة من صحيح خواص المواطنة أن تكون أو يكون سفيراً لبلاده، ومعاوناً لحكومته، وإلا فقدنا أهم وظيفة من وظائف المواطنة.إننى لا أشكك فى إخلاص ونقاء الموظف العام، أو ندرة العثور على أشخاص تليق بمكانة مستشارى سيادة الرئيس، مع وجود فئة تستخدم الصوت العالى، والقدر المالى، والإصرار على إفشال النظام الحالى أملاً فى العودة إلى العرش الذى توهموا أنه خالٍ، طالما أن من يشغله لا ينتمى إلى الفكر والتوجه الذى ينتمون إليه، وتطلعوا له لقرابة قرن من الزمان، وتعاطف معهم من تعاطف بحسن نية لكثيرين، وخطة عمل لمدرسة فكرية، وعقيدة دينية، ونظرة أحادية غير قابلة لإعادة النظر ومراجعة النفس، والاستعداد للفصل بين عقيدة دينية لا يحاسبهم عليها إلا الخالق وحده، فلا يرون إلا ظلهم فى مرآة خاصة بهم، ولم يدرسوا التاريخ، فإن الأنظمة الغربية التى خلطت قديماً بين السياسة والعقيدة مضى عهدها، ورفضتهم شعوبهم، وتقدمت أوطانهم، وازدهرت صناعتهم وتجارتهم وعلومهم، وبدل غزو بلاد الآخرين اتجهوا إلى العلوم والأبحاث التى تفيد الإنسانية فى العلوم والطب والدواء، وغزوا الفضاء، بينما انشغلنا نحن فى مشروعية الحوار بوسائل التواصل الحديثة، وهل تصلح بين الإناث والذكور، أو نقصرها على الجنس الواحد، حتى أصبح مثل هذه الموضوعات شاغلاً للإعلام، وبدلاً من توجيه إمكاناتنا وإعلامنا فيما يفيدنا من نتائج الأبحاث العلمية لعلاج مرضانا، وسد الجوع لجوعانا، وفصل دراسى لأبنائنا وبناتنا، شغلنا أنفسنا بفكرة لا أشك أن مصدرها كان فى مخيلته مثل ما نحى نحوه إعلاميونا ومثقفونا، وليتهم سألوا مصدر الفتوى عن رأيه، مع ثقتى شخصياً أن فضيلة المفتى يفكر بعمق، وله القدر الأكبر من اتساع رؤاه، وبلا شك كانوا سيسمعوا لوجهة نظره، وعندئذٍ قد لا يحتاجون إلى كل ما خاضوا فيه على مدى ساعات فى أكثر من قناة دون إشارة واحدة تفيد مشاهديهم وقارئيهم بأنهم ناقشوا فضيلة المفتى واستمعوا إلى وجهة نظره، إن الفارق بيننا وبين مثقفى عالم آخر غير دائرتنا أنهم يستوثقون من المواد التى يقرأونها أو يسمعونها من مصادرها الرسمية، وأشخاصهم المعنية، تلك هى الفروق العلمية نتمناها لأنفسنا ولإعلامنا قبل تشويه قيادتنا ومفكرينا ورعاة علومنا وعلمائنا.ألم يكفنا الملايين التى دخلت دائرة الإلحاد، وقد بدأنا الهجوم عليهم غير مدركين الأسباب الدافعة، ومنها الفراغ النفسى والعاطفى والفكرى، والسطحية والسذاجة وتدهور الأحوال الاجتماعية والاقتصادية، وغياب القدوة الروحية حتى أصبح الإلحاد رداً لفعل وليس فعلاً.ليتنا نراجع النفس وننهج المناهج العلمية فى التفكير والتعبير، وفى العمل الجاد والإنتاج الأكثر جودة، ونتعلم دروساً من ماضينا فنتجنب ما وقعنا فيه من أخطاء، وننقى ما يشوه تفكيرنا من آراء عفا عليها الزمن، ونتطلع إلى عالم يبحث عن استغلال الفضاء، واستخدام طاقات الشمس والهواء، واستزراع الصحراء وشق الطرق الجديدة والبديلة، وقنوات التواصل، ومنها قناة السويس الجديدة، أو القناة الثانية التى تحتاج منا قبل غيرنا أن نبادر بالعطاء والتشجيع لكل عامل مخلص أمين.

رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر