رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يا رئيس البلاد.. أموال الصناديق الخاصة «باب خلفى» للفساد


يأتى قرار رئيس الجمهورية الحالى بضم 10% من جملة الإيرادات الشهرية للحسابات والصناديق الخاصة للموازنة العامة للدولة من وجهة نظرى قراراً غير كاف يارئيس البلاد. لابد من توافر إرادة سياسية لإجراء عمليات جراحية تقضى على العضو الفاسد فى جسد الدولة وتعالجه معالجة حقيقية وليس بمسكنات يكون نهايتها استفحال المرض.

من أعاجيب سنوات الفساد فى مصر أن صدرت قرارات بإنشاء صناديق خاصة تابعة للهيئات والمؤسسات والوزارات خارج الموازنة العامة للدولة وبعيداً عن الأجهزة الرقابية. كانت البداية فى قانون الجامعات عام 1972، حينما كنا فى اقتصاد الحرب ولا تتمكن الحكومة من تمويل ما تحتاجه الجامعات بالذات من تمويل إنشاء وحدات علاجية حديثة من ميزانية الدولة، فدخل إلى القانون ما يسمح بتدبير تمويل خاص من خلال صندوق، عادة ما تكون موارده من التبرعات، وإعطائها حرية الإنفاق منها دون تدخل الجهات الإدارية. سمح هذا بإنشاء وحدة الحالات الحرجة فى جامعة القاهرة برئاسة الدكتور العظيم شريف مختار، أو وحدة الطب النفسى (100 سرير) فى جامعة عين شمس، ومصدرها حملات تبرعات أطلقتها تلك الشخصيات البارزة ونجحت بها فى تدبير التمويل. استخدم التمويل فى الإنشاء والتجهيز، وفى الإدارة والمستلزمات، وفى إعطاء حوافز للعاملين تحل مشكلات ضعف المرتبات.

ثم دخلت الصناديق الخاصة بعدها فى قانون الموازنة العامة للدولة سنة 1973 وفى قانون المحليات عام 1978. ولكن غياب الرقابة وانتشار الفساد مكن من عمل لوائح لهذه الصناديق تعطى المديرين والقيادات الإدارية داخل وخارج الصندوق مبالغ مالية ضخمة عبارة عن نسب من إجمالى إيراد الصناديق وعلى حساب الغرض الذى أنشئت من أجله تلك الصناديق.

مثال لذلك أنه قبل وحتى بعد الثورة، كان فى إحدى الجامعات 76 صندوقاً خاصاً، ولرئيس الجامعة نسبة من إجمالى إيراد الصناديق تصل إلى قرب المليون جنيه شهرياً مع أن مرتبه الأصلى ستة وثلاثون ألف جنيه شهريا!! أليس هذا هو الفساد بعينه؟ فساد إهدار المال العام واتساع الفجوة بين الدخول، فيبقى أغلب العاملين فقراء أو أشباه فقراء بينما ترفل القيادات الإدارية فى الثراء والنعيم الفاحش، مما يزيد من احتقان المجتمع وغليانه ويهدد السلم والأمن العام.

يجمع خبراء الاقتصاد أنه لا يوجد مثل هذا فى أى دولة تحترم نفسها، فكيف يكون هناك مليارات من الأموال لا تعرف عنها الدولة ولا الشعب شيئاً ولا تتدخل أو تراقب كيفية صرفها؟ كيف تحرم الموازنة العامة للدولة من هذه المليارات؟ لقد قدرت أرصدة هذه الصناديق منذ خمس سنوات بنحو 44 مليار جنيه وفقا للسيد أمير رزق رئيس قطاع الحسابات الختامية وإدارة الدين العام بوزارة المالية، حيث إن تلك الأرقام تحصر الصناديق التى تفتح حساباتها تبع البنك المركزى فقط. ولكن هناك صناديق غير معلومة تفتح حساباتها فى بنوك أخرى قدر وزير المالية الأسبق ممتاز السعيد أموال أكثر من 700 صندوق بـ 66 مليار جنيه. ويقدر الخبير الاقتصادى عبدالخالق فاروق إجمالى ميزانيات تلك الصناديق بما يقرب من 300 مليار جنيه! وقدر فائض تلك الصناديق بعد خصم المصروفات بمائة مليار جنيه.أى أن الموازنة العامة للدولة خلال العام المالى الحالى 2014- 2015، والتى يصل العجز فيها إلى 240 مليار جنيه، كان يمكن تعويض نصف هذا العجز تقريباً بضم أموال الصناديق الخاصة، لتحسين الخدمات والمرافق وزيادة ميزانية الصحة والتعليم، كما يأمل ويحلم وينتظر الشعب المصرى.

يأتى قرار رئيس الجمهورية الحالى بضم 10% من جملة الإيرادات الشهرية للحسابات والصناديق الخاصة للموازنة العامة للدولة من وجهة نظرى قراراً غير كاف يارئيس البلاد. لابد من توافر إرادة سياسية لإجراء عمليات جراحية تقضى على العضو الفاسد فى جسد الدولة وتعالجه معالجة حقيقية وليس بمسكنات يكون نهايتها استفحال المرض، الحل من ــ وجهة نظرى ــ ضم ميزانيات تلك الصناديق بالكامل إلى ميزانية الدولة فى حساب خاص تعطى الأولوية فيه للاحتياجات الحقيقية لتلك الصناديق لأداء دورها، بينما تكون هناك رقابة الدولة وأجهزتها الرقابية على تلك الحسابات حتى لا تكون عزباً خاصة ترتع فيها القيادات الإدارية الفاسدة بمبالغ خرافية شهريا. كما يجب إعمالاً للشفافية إعلان لوائح الصرف من تلك الصناديق وإلغاء النسب التى تذهب للقيادات الإدارية حتى التى لا تتصل مباشرة بعمل تلك الصناديق.

يا سيادة رئيس الجمهورية، هل ستستمر سياسة المناشدة ومحاولة إيقاظ ضمائر كبار رجال الأعمال المحتكرين وقتا طويلاً فى لحظة تحتاج فيها الدولة إلى البدء فوراً فى بناء مشاريع كبرى صناعية وزراعية ومشاريع خاصة بالبنية التحتية لتحسين أحوال الفقراء والمهمشين؟ يا رئيس الجمهورية لقد صرح رئيس مصلحة الضرائب هذا الأسبوع أن إجمالى التهرب الضريبى يقدر بـ 69 مليار جنيه! هذا الرقم يا سيادة الرئيس أكبر من الرقم الذى سيدخل الموازنة العامة للدولة من رفع الدعم الذى تم حديثاً. لماذا لا يتم إمهال المتهربين من دفع الضرائب مدة زمنية يتم بعدها اتخاذ الإجراءات القانونية ضد التهرب؟ هل تعلم ياسيادة الرئيس أن أصحاب المضاربة بالأموال فى البورصة والذين تسببوا بخسائر مالية عندما صدر قرار تحصيل 10% من الأرباح المتحققة فى البورصة، والذين هددوا بسحب أموالهم أو بالذهاب إلى بلاد أخرى. سيدفع هؤلاء ضرائب تصل إلى 50% فى الدول الرأسمالية مثل الولايات المتحدة، وأقل تقدير هو 25% فى الصين! أى أن قرار 10% ضرائب أقل بكثير من معظم بلدان العالم.

إن ترك اللوائح والقوانين المالية التى تم العمل بها فى البلاد فى أزمنة الفساد ستكون الباب الخلفى لزيادة أموال الفاسدين الذين يقفون عقبة فى سبيل الإصلاحات المالية. سيكون الباب الخلفى للفساد وكأن ثورة لم تقم بالبلاد