رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدعم والإعلام


الوطن فى خطر والأموال لا تحمى أحداً ولكن الحماية بيد الله فى المشاركة والتشارك والتلاحم حتى ينهض الوطن بأبنائه ولأبنائه حتى تظل مصر وطناً لكل المصريين.

اختلفت الأيديولوجيات والنظم السياسية حول التأثير المتبادل بين السياسة والاقتصاد وأى منهما يؤثر فى الآخر، فهل السياسة التى تحدد النظام الاقتصادى، أم أن الملكية الاقتصادية أى من يملك وسائل الإنتاج الذى يشكل النظام السياسى؟! أياً كانت الآراء فإن الواقع يؤكد أن من يملك وسائل الإنتاج «أى رجال أعمال» هم من يستطيعون بصورة أو بأخرى التأثير فى النظام السياسى وفرض المشاركة فى اتخاذ القرار، وذلك من خلال وسائل وآليات كثيرة تعتمد على تفعيل المال فى مجالات متعددة فى الإطار السياسى حماية لمصالح هذه الرأسمالية، مثل ما نرى الآن جهاراً نهاراً بعض رجال الأعمال المليارديرات ينشئ حزباً بأمواله وكأن الأحزاب التى يجب أن تعبر عن قطاع من الجماهير العريضة قد أصبحت دكاناً أو مشروعاً اقتصادياً يعتمد على المال، وحسبما يرى صاحب هذا المال.

وهذا بالطبع يفتح باب ما يسمى المال السياسى فى كل أنواع الانتخابات، خاصة البرلمان القادم وما يمثله من أهمية سياسية، ويأتى على رأس هذه الوسائل وتلك الآليات الإعلام، وذلك لما أصبح له الآن من تأثير مباشر فى عملية تشكيل الوعى والوجدان الاجتماعى حتى لقد أصبح المتلقى لهذا الإعلام بصورته الحالية أسيراً له فكراً وممارسة وسلوكاً وهناك فارق كبير بين التزام الإعلام بالمهنية الإعلامية التى تعتمد على الخبر الصحيح والتحليل العلمى الموضوعى الذى يشكل الوعى السياسى لدى الجماهير الشىء الذى يمكنها من تكوين موقف سياسى صحيح يجعلها تتخذ القرار السياسى الصحيح، وبين إعلام لا علاقة له بأى مهنية أو موضوعية إلا مصلحة صاحب رأس المال التى تتمثل فى تحويل هذه الوسيلة الإعلامية إلى أداة للضغط أو للمساندة لصاحب القرار عند اللزوم وهى مصلحة الرأسمالى، إضافة إلى تحويل المتلقى إلى كائن استهلاكى حفاظاً على كم الإعلانات التى تذاع بهدف تغطية النفقات غير عابثين بتأثير هذه الإعلانات على السلوك الاستهلاكى للمواطن غير القادر على اقتناء السلعة المعلن عنها، ويكون الحل السعى إلى امتلاك هذه السلعة كسلوك إنسانى خاطئ ظهر نتيجة هذه الإعلانات المستفزة حتى ولو عن الطريق غير المشروع، الشىء الذى ساهم كثيراً فى تجذير وتكريس جذور الفساد فى المجتمع، أما التأثير الآخر والأخطر فهو نتيجة لعدم امتلاك هذه السلع لعدم القدرة على امتلاكها، بل عدم القدرة على الحصول على حياة تليق بالإنسان لا الحيوان ليحدث نوع من الاغتراب الاجتماعى والسياسى فيتحول المواطن إلى كائن منعزل عن المجتمع ساخطاً عليه حاقداً على ممارساته المستفزة، وهنا يسهل الإيقاع بهذا المواطن فى شتى سلوكيات الانحراف والبلطجة والإرهاب، ناهيك عن قتل ما يسمى الانتماء للوطن وهذه هى أخطر مراحل العلاقة غير الصحيحة بين الدولة وبين أبنائها، أما قضية الدعم فمن المعروف ومنذ عدة عقود أن الأنظمة وكل المدارس الاقتصادية تعلم أن الدعم بصورته الحالية والتى لا علاقة لها بالمستحق لهذا الدعم، بل حصول غير المستحق عليه، خاصة فى ظل المشكلة الاقتصادية المتراكمة؛ بسبب عجز الموازنة وحجم الديون الداخلية والخارجية وتوقف الإنتاج.

وبعد مجىء السيسى رئيساً وهو لا علاقة له بالألاعيب السياسية فهو ابن القوات المسلحة هذه المؤسسة الوطنية، فيمكن أن نوصفه بأنه مصرى وطنى ينتمى لهذا الوطن ويحاول الإخلاص لمصلحة هذا الشعب، فكانت لديه الإرادة السياسية التى جعلته يضع يديه فى عش الدبابير غير ساعٍ لمصلحة خاصة غير مصلحة مصر وأعلن قرارات إلغاء الدعم على عدة سنوات قادمة ولمصلحة الوطن وللخروج من أزمة تهدد بتحويل مصر إلى دولة فاشلة تجعلنا نوافق على المبدأ وإن كان من حق الجميع الاجتهاد فى طرح واستبدال الطرق والأساليب بهدف الحفاظ على مصلحة غير القادرين.

ولكن هذا غير الانضمام بوعى أو بغير وعى للصائدين فى المياه العكرة وتحويل القرار إلى الطعن فى مصداقية السيسى والنظام الذى لم يرس ضلوعه بعد، وهنا رأينا قنوات رجال الأعمال بالاسم، وهنا فلا غرابة باجتماع السيسى بهم شخصياً «الأربعاء» الماضى، فقد وجدنا هذه القنوات التى ساندت بل نافقت السيسى فى معركة الرئاسة تتحول إلى خصم يتشدق بمصلحة الفقراء وغير القادرين ولا نعلم علاقة هؤلاء بالفقراء والمحتاجين، فهل مصلحة الفقراء هى إثارة الرأى العام والإيحاء بثورة قادمة؟ أم أن تلك هى سياسة أصحاب الدكان للضغط على السيسى حتى يتراجع ليس لمصلحة الفقراء، ولكن لمصلحتهم التى يمكن أن تتأثر بإلغاء الدعم الذى كانوا يسيطرون عليه باسم الإنتاج وتدعيم الصادرات وغير ذلك كثير؟ هل هذا خوف من فرض تبرعات وهذا لن يحدث أم حفظ لماء وجه لا يحفظ ماؤه لأنه لا يتبرع لغير مصلحته؟ الوطن فى خطر والأموال لا تحمى أحداً ولكن الحماية بيد الله فى المشاركة والتشارك والتلاحم حتى ينهض الوطن بأبنائه ولأبنائه حتى تظل مصر وطناً لكل المصريين.

■ كاتب وبرلمانى سابق