رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

احذروا الفتنة التى تحرق دون تمييز


لا شك أن المنطقة الشرق أوسطية والعربية هدف للاضطراب وإثارة القلاقل لأهداف لا تغيب عن كل ذى عقل فطين، فمنذ أكثر من قرن من الزمان وتتكرر المحاولات التى تهدف إلى زعزعة المنطقة باستخدام سلاح الطائفية، والنزعات الدينية، لاسيما بعد أن فشل سلاح اذكاء الشيوعية والإلحاد بإحياء فكرة الخلافة الإسلامية...

... بدأت الفكرة من العراق حين رشح ملك العراق فيصل ليكون خليفة للمسلمين، وكان فيصل بن حسين بن على قد ملك على العراق على إثر ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطانى، وحكم العراق فى الفترة ما بين 1922 - 1933 ورحبت به بريطانيا ممثلة فى شخص مندوبها السامى بالعراق السير بيرسى كوكس ومعه حكومة دستورية نيابية، وأطلق عليه الملك فيصل الأول.

وفى عام 1930 عقدت مملكة العراق معاهدة مع بريطانيا سميت معاهدة 1930 بموجبها استقلت العراق عن التاج البريطانى، وتم إنهاء حالة الانتداب، مع منح بريطانيا بعض التسهيلات فى العراق منها تيسير مرور القوات البريطانية فى أوقات العمليات الحربية، والتعاون فى المجالات الاقتصادية.

وجرت محاولات لإعلان الشرق الأوسط دولة إسلامية موحدة وإعلان ملك العراق خليفة للأمة الإسلامية، ولم تنجح الفكرة التى حركها الاستعمار الإنجليزى.

ثم جاء مشروع تقسيم الشرق الأوسط، وكان مهندس المشروع برنارد لويس الذى عرف بمخطط تقسيم الشرق الأوسط بهدف تفتيت الشرق الأوسط إلى 14 دولة على الأقل بدلاً من خمس دول، ويقوم هذا التخطيط على أساس قبلى وطائفى، وزعم مؤلف هذا التقسيم أن استعمار الشعوب العربية أفضل الوسائل لتخليص هذه الشعوب من الجهل والتخلف، ولم يخف برنارد لويس فكرته، إذ دعمها بالخرائط المفصلة عام 1980.

وجاء فى مقدمة مشروعة إن العرب قوم فاسدون مفسدون فوضويون، ولا يمكن تحضرهم، وإذا تركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات، وأفضل حل لتجنب ذلك المخطط هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية وما ينتج عنها من ثقافة اجتماعية.

وجاء بعد لويس كتاب هنتنجتون 1996 عن صدام الحضارات، وتحت عنوان جذور الغضب كتب «هذا ليس إلا صراع بين الحضارات ربما يكون غير منطقى لكنه بالتأكيد رد فعل تاريخي، منافس قديم للتراث العلمانى والتوسع العالمي، كما كتب عشرين كتابًا عن الشرق الأوسط من بينها «العرب فى التاريخ»، والصدام بين الإسلام والحداثة فى الشرق الأوسط الحديث وحرب مقدسة وإرهاب غير مقدس.

ويهمنا فى هذا التقسيم الشرق أوسطى ما قصد نحو مصر كدولة مؤثرة عريقة كبيرة موحدة لتقسم إلى أربع دويلات صغيرة على النحو التالي:

1- سيناء وشرق الدلتا، وتكون تحت النفوذ الإسرائيلى وبذلك يتحقق حلم إسرائيل من النيل إلى الفرات.

2- دولة مسيحية وعصامتها الإسكندرية، وتمتد من جنوب بنى سويف وحتى جنوب أسيوط، ومن الغرب تضم الفيوم وحتى وادى النطرون.

3- دولة النوبة وعاصمتها أسوان، وتضم الجزء الجنوبى الممتد من صعيد مصر وحتى شمال السودان باسم بلاد النوبة.

4- مصر الإسلامية، وعاصمتها مدينة القاهرة والجزء المتبقى من مصر.

يبدو أن هذا التقسيم وما تلاه لباقى دول المنطقة إنما هو أضغاث الأحلام، لكنها أجراس تدق بشدة لليقظة والانتباه حتى لا نقع فى فخاخ منصوبة فتدمر وحدتنا وبأيدينا، ويضيع تاريخ أمجاد قدماء المصريين الذين دفعوا حياتهم لبناء دولة موحدة على يد الفرعون العظيم مينا موحد الشمال والجنوب لباقى أحفاده ويضيعوا ما بناه الأقدمون.

إننا نرى فى فكر برنارد لويس وهما واستحالة فى زمن الفضاء المفتوح، ودعوة الشعوب لا الحكومات بالحريات وعدم التدخل فى شأن الآخرين، إلا أن رأيًا آخر يقول إن الفاعل الحقيقى لتفتيت وحدة المنطقة ليس هو الغرب، وليست أفكار برنارد لويس، إنما الفاعل الحقيقى المهدد لوحدة المنطقة هم أهلها، فمنهم أصحاب الأحلام المريضة والدعاوى البغيضة وأن الأفكار هى التى تحكم دنيانا كما يقول الفلاسفة من أمثال «كانت» فأمريكا التى ضربت العراق فى 2003 باسم الديمقراطية والحرية هى التى لا ترى ولا تسمع ما يجرى فى سوريا أو فى العراق ذاتها.

إن الحروب لا يشملها أصحاب النظريات والمؤلفات ومراكز الدراسات وإنما تقوم على أيديولوجيات سياسية مثل تفكيك أسلحة الدمار الشامل، وما يماثلها من سياسات.إن الكتاب والمؤرخين يكتبون، ثم يطرح ما يكتبون على رفوف السياسيين لتقرأ بعد حين، ولكن علينا أن ننتبه حتى لا نسقط فى فخاخ المندفعين والمنتفعين والطامعين والحالمين، غير المدركين لواقعنا وتاريخنا، ووحدة أرضنا وبناء وحدة شعوبنا، واحترام تعدديتهم الثقافية، وحرية عقائدهم وممارساتهم، وليضع الكل نصب عيونهم الدفاع عن وحدة أراضيهم، وسلامة الشعب فى وحدته وتعدديته وحرية معتقداتهم ونهضة شعوبهم، واليقظة الدائمة حتى لا نضيع مستقبلنا بين أمجاد الماضى وهواجس أحلام العراة والجياع والجهلاء.

رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر