رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإقصاء.. هو سيد الموقف «1»


إن الوعود العريضة كانت من النوع سريع التبخر وإن ألوان الصورة كانت مغشوشة.. فما إن خرجت من القاعة المكيفة وتعرضت لضوء الشمس حتى احترق كل المبتسمين داخل البرواز وبقى صوت وحيد مشروخ يردد.. كل المصريين.. كل المصريين.. كل المصريين!

أثناء جولة الإعادة ما بين الدكتور مرسى والفريق شفيق فى المرحلة الثانية من انتخابات الرئاسة ظهرت حملة «مقاطعون» و«مبطلون» فى وسائل الإعلام وكان ملخص دعوتهم هو عدم اقتناعهم ورفضهم كلا المرشحين.. وقد كانت الصورة بالفعل ـ خارج أنصار كلا المرشحين المتحمسين لهما ـ غاية فى الإحباط أن ينتهى حلم الثورة الجميل بالاختيار ما بين الفريق شفيق بما يمثله من ظلال للنظام السابق عجز مع كل مواهبه الشخصية وما طرحه عن نفسه أن يخلع قميصه الحديدى الذى كبله به أعداؤه.. وما بين مرشح جماعة الإخوان والتى لا يحمل لها كل من هو خارجها أى ارتياح أو حتى تعاطف تآكل بشدة وبسرعة من أدائها فى المرحلة الانتقالية وفى تجربة مجلس الشعب المنحل ، ووقع مرشحها أيضا أسير قميصها الحديدى المحمل بكل سلبياتها دون النظر إلى مقوماته الشخصية أو رؤيته أو تاريخه العلمى الرفيع.

وبسبب كل ما سبق وما كان واضحا للعيان أثناء معركة جولة الإعادة فقد أطلق أكثر من مراقب عالمى على تلك الانتخابات تعبير «انتخابات الكراهية» وقد كان التوصيف قاسيا» وموجعا لأول انتخابات رئاسية بعد ثورة مبهرة وفارقة.. لكن الصورة كانت تؤكده خاصة أنها جاءت ممن ينظر علينا من الخارج وممن سمع بأذنيه بوضوح.. قطاع عريض يحدثك عن إعطاء صوته لهذا رفضا لأن يفوز الآخر!

ونعود لمن قاطع أو أبطل صوته وهم أيضا كانوا داخل الصورة حيث أعلن أغلبهم أن كراهيتهم كلا المرشحين هو ما دفعهم لهذا الموقف بدلا» من أن يحولوا أصواتهم لأقرب المتنافسين لأفكارهم أو توجهاتهم ـ كما يحدث عادة ـ ليؤكدوا بذلك توصيف الكراهية القاسى.. وقد جمعنى أكثر من حوار مع هذا الفصيل وأنصت باهتمام لما طرحوه والذى كان أبرزه على الإطلاق رغبتهم فى التأثير فى نسبة فوز المرشح الناجح وإظهار تقدمه بنسبة لا تحقق له الاكتساح أو الغالبية العظمى من عدد أصوات الناخبين.. وذلك ضمانا لتحقيق حالة من المشاركة العريضة فى حمل عبء المرحلة التأسيسية للجمهورية الثانية بكل طموحاتها وآمالها التى قامت الثورة من أجلها والأهم أيضا والذى كان متداولاً بشدة داخل هذا الفصيل هو عدم إنتاج فرعون جديد تتماهى صورته مع صورة الوطن الذى خرج الشعب فى ثورة يناير لاسترداده من خاطفيه.

و قد جاءت النتيجة بأروع مما ظن هؤلاء ومما ظن آخرون فقد اشترك فى العملية الانتخابية 50% من عدد الناخبين الذين لهم حق التصويت وهم بالتقريب يمثلون 50% من تعداد سكان مصر.. وقد فاز دكتور محمد مرسى بنسبة 51% من هؤلاء الحضور أى ما يعادل 25% تقريبا من عدد الناخبين ويعادل 12.5% تقريبا من سكان مصر!!

هل هناك أوضح أو أروع من ذلك رسالة من شعب إلى رئيسه الفائز.. وأتبعه بأكثر من ذلك روعة وتغاضى عن كل ملابسات العملية الانتخابية غير المريحة للغالبية العظمى وغض الطرف عن كل من تحدث فى الداخل والخارج عن صفقات وضغوط وشكوك لم تحسم، وصور ومشاهد مريبة ألقت بظلالها على نتيجة الـ 51%.. تحرك الشعب إلى الأمام ورسخ مبدأ الديمقراطية ونتيجة الصندوق وتحدث عن رئيس منتخب.. ولم يضبط فى موقف واحد خارج النص.

على الجانب الآخر من النهر.. ومع الرئيس المنتخب والفائز بعدد أصوات يعادل 12.5% من أصوات الشعب وبعد أحلام المصريين العريضة التى ولدت مع الثورة وتخبطت طوال المرحلة الانتقالية، وبعد أن قدم الدكتور مرسى نفسه فى جولة الإعادة بأنه مرشح الثورة الحقيقى أمام مرشح النظام السابق.. كان أكثر المتشائمين يتوقعون أن يخلع قميص الجماعة الحديدى ولو قليلا ليصبح رئيسا لكل المصريين.. وفق هاجسه وتعبيره الذى كرره كثيرا طوال رحلته الانتخابية فهو يعرف أنها نقطة ضعفه القاتلة والواضحة للعيان لدرجة أن يذكر جميع محافظات مصر بالاسم وجميع المهن والطوائف فى أول خطاباته للشعب ويعتذر لمن نسيهم فى خطابه التالى مباشرة.. وفى تحرك سياسى سابق على هذا فى نفس السياق قبل إعلان النتيجة عندما أدرك أن الإعلان يخضع لضغوط وترتيبات داخلية وخارجية وقبل أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود أسرعت الجماعة فى تنظيم ما سمى «بمؤتمر فيرمونت» وجمعت ما استطاعت جمعه من أشخاص يقفون حول الدكتور مرسى فى مؤتمر صحفى مرتجل ومرتبك لإظهار صورة عريضة قدر الإمكان تبدأ من وائل غنيم وحركة 6 أبريل وتنتهى بحمدى قنديل ود. حسن نافعة داخل برواز ألح دكتور مرسى فيه وكرر كلمة كل المصريين بشكل مبالغ فية لعل الصورة تصل إلى من يقومون بالترتيبات والضغوط، وأسرف فى الوعود بقدر ما شاء أن تكون الصورة عريضة من أول النائب القبطى والنائبة السيدة وحتى حل الجمعية التأسيسية للدستور وإعادة تشكيلها بشكل أكثر توازنا وتمثيلا لكل المصريين ، مرورا بتعيين رئيس وزراء بمواصفات ألمح فيها إلى شخصية محترمة بعينها.. عله يمسك بأطراف الخيط الأبيض ويتجاوز نقطة ضعفه التى تهدد الحلم الكبير.

ما علينا من أن أطراف هذه الصورة المرتبكة قد نعوا بأنفسهم هذا التحرك بعد أيام قليلة جدا من فوز الدكتور مرسى وأثبتوا وفق حديثهم هم شخصيا أن الوعود العريضة كانت من النوع سريع التبخر وأن ألوان الصورة كانت مغشوشة.. فما إن خرجت من القاعة المكيفة وتعرضت لضوء الشمس حتى احترق كل المبتسمين داخل البرواز وبقى صوت وحيد مشروخ يردد.. كل المصريين.. كل المصريين.. كل المصريين!

هل خرج الدكتور مرسى من قميص الجماعة الحديدى.. وهل مارس الإقصاء سريعا وكيف؟ ولكن هذا حديث آخر إن شاء الله.

■ باحث فى العلوم السياسية

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.