رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إعلام لا يعرف إلا الضلال.. 76 عاما من التشويه الأمريكي لقضية فلسطين

فلطسين
فلطسين

على مدار 76 عامًا، شهدت الأرض الفلسطينية تحولات جذرية، من النضال والمقاومة إلى الأمل في السلام، ومن الحروب المتتالية إلى الهدن الهشة، لكن في خضم هذه التحولات، ظل هناك ثابت وحيد يتجلى في النهج الأمريكي بالتغطية الإعلامية، الذي غالبًا ما اتسم بالانحياز والتشويه، فمنذ البدايات الأولى للحركة الصهيونية وما تلاها من أحداث، كان الإعلام الأمريكي يلعب دور البطولة في تلوين الأحداث وترسيخ الرواية الأمريكية - الإسرائيلية التي تبرر أحقية الحركة الصهيونية في الأراضي الفلسطينية، من خلال عشرات الآلاف من البرامج الإخبارية والتحليلات السياسية، وحتى الأفلام والبرامج الترفيهية، تم تشكيل وعي جماهيري يتماشى مع السياسات الأمريكية والإسرائيلية، وقد تمثل هذا النهج في دعم شخصيات إعلامية بارزة ومؤسسات صحفية كبرى، تعمل على تعزيز الصورة الإسرائيلية وتقديمها كضحية دائمة في مواجهة العنف الفلسطيني، متجاهلة بذلك الحقائق المعقدة للصراع والمعاناة الفلسطينية، وفي الوقت الذي تتغير فيه الأجيال وتتطور وسائل الإعلام، يبقى السؤال: هل سيتغير النهج الإعلامي الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية؟ أم أن الرواية المتجذرة ستظل تحكم السرد الإعلامي السائد؟

تاريخ من التشويه

منذ إعلان دولة إسرائيل في عام 1948، والإعلام الأمريكي والصهيوني يعملان جنبًا إلى جنب لتشكيل الرأي العام العالمي حول القضية الفلسطينية، بدأت الحملة الإعلامية بتصوير الدولة الجديدة كملاذ للشعب اليهودي بعد المحرقة، مستغلة العاطفة العالمية والتعاطف مع معاناة اليهود. 

مع مرور الوقت، تطورت الأساليب الإعلامية لتعزيز صورة إسرائيل كدولة ديمقراطية تسعى للسلام في مواجهة 'العدوان العربي'، متجاهلة النكبة الفلسطينية وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من ديارهم.

خلال العقود التالية، استمرت الآلة الإعلامية في تعزيز الرواية الإسرائيلية، خاصة خلال الحروب والانتفاضات، حيث كانت تُظهر الفلسطينيين كمصدر للعنف والإرهاب، وفي الولايات المتحدة، لعبت جمعيات وشخصيات مثل روبرت مردوخ دورًا كبيرًا في دعم هذه السياسات الإعلامية، مما أدى إلى تشكيل وعي جماهيري يتماشى مع السياسات الإسرائيلية.

ومع ذلك، شهدت الشهور الأخيرة تغيرًا نسبيًا في الخطاب الإعلامي الغربي بشكل عام، خاصة بعد جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة، وما صاحبها من انتفاضات شعبية حول العالم وفي كبرى العواصم الغربية، بعدها بدأت بعض وسائل الإعلام الغربية في تقديم تغطية أكثر توازنًا، تُظهر معاناة الفلسطينيين وتندد بالاحتلال، ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة أمام الإعلام الفلسطيني والعربي لمجاراة الآلة الإعلامية الصهيونية وتقديم القضية الفلسطينية بشكل عادل ومتوازن.

«بايدن» سقط في فخ الأكاذيب

لم يتوقف الأمر وسائل الإعلام الموجهة، بل وصل إلى أرفع المناصب حول العالم، حيث استخدم الرئيس الأمريكي نفسه أكاذيب روجها الإعلام بعد 7 أكتوبر الماضي، وتحدث عن مقتل أطفال وقطع رؤوسهم، مؤكدًا إنه شاهد بنفسه ما حدث، ثم تراجع البيت الأبيض عن تصريحات الرئيس الأمريكي.

وقال مسؤولان بالبيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي لم ير صورًا أو تقارير مؤكدة عن «إرهابيين يقطعون رؤوس أطفال» في إسرائيل، وذكرا أن تصريح بايدن استند إلى مزاعم مسؤولين إسرائيليين، مؤكدًا أن بايدن لم ير شخصيًا «حماس» تقتل أطفالًا ولم يتأكدوا من ذلك، وكان بايدن أشار في تصريحات صحفية سابقة إلى أن «من المهم للأمريكيين أن يروا ما يحدث هناك (في إسرائيل)»، مضيفًا: «أنا أقوم بهذا العمل منذ فترة طويلة، لم أعتقد قط أنني سأرى لقطات مؤكدة لإرهابيين يقطعون رؤوس الأطفال»، على حد زعمه.

الإشاعة بدأت من إسرائيل ووصلت إلى صحيفة «التايمز» البريطانية التي أثارت ضجة عندما نشرت عنوانًا رئيسيًا يدعي أن المقاومة الفلسطينية تقوم بذبح الأطفال، المقال البريطاني لم يقدم أي دليل على هذا الادعاء، إلا أن ثقل وسمعة صحيفة التايمز دفعت العديد من الصحف العالمية لتلقف الخبر الكاذب، فتبعتها صحيفة "ديلي تلجراف" التي زادت من حدة الاتهام، وأضافت كلمات الرضع والأطفال، دون تقديم أي مصدر، وانضمت إليهما صحيفة "مترو" التي نشرت صورة لجندي إسرائيلي يحمل كلبًا صغيرًا في يده، في محاولة لإظهار رحمته، وزادت شبكة «سي إن إن» من تضخيم هذه الشائعة عندما نقل مراسلها نيك روبرتسون عن مصادر عسكرية إسرائيلية -زعمًا- أن المقاتلين الفلسطينيين ارتكبوا «جرائم إعدام على طريقة داعش»، وأنهم «قطعوا رؤوس البشر»، بما في ذلك الأطفال والحيوانات الأليفة، وهو ما انعكس بشكل واضح على تصريحات مسؤول بحجم «رئيس وزراء بريطانيا» الذي قال نرفض المساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فهؤلاء إرهابيين لا يدافعون عن أرضهم، أما الإسرائيليين فأنا إلى جانبهم.

معايير مزدوجة

من جانبه، يقول عمر الغول، كاتب وباحث سياسي فلسطيني، وعضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير، إن الشعب العربي الفلسطيني يواجه حرب إبادة جماعية أمريكية إسرائيلية منذ ٧ شهور خلت، مضيفًا: “مازالت نيرانها تلتهم أجساد الأطفال والنساء والشيوخ، ودمر جيش الاحتلال ما يزيد عن ٨٠٪؜ من الوحدات السكنية ومئات المدارس والجامعات والمعاهد والمعابد الدينية المسيحية والاسلامية واخرجوا الغالبية العظمى من المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة ودمروا البنى التحتية بكل عناوينها وفرضوا حرب التجويع والأمراض والاوبئة وحالوا دون ادخال المساعدات الانسانية”.

وتابع الغول في حديثه لـ"الدستور": الولايات المتحدة لم تكتفي بتوجيه منابرها الإعلامية لدعم الكيان الصهيوني فقط، بل قامت باستباحة المنابر الدولية عمومًا ومجلس الأمن خصوصًا وحالت دون صدور قرار بوقف دائم وفوري لحرب الابادة الجماعية على الشعب الفلسطيني.

وأضاف: "واشنطن لاحقت وتلاحق الأهداف والثوابت الوطنية الفلسطينية بهدف تصفية القضية، وحرمان الشعب الفلسطيني من أهدافه الوطنية بذرائع واهية وحتى لاحقت الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومارست الضغوط عليها حتى تمنعها من التصويت على القرار العربي والأممي الذي أكد على أحقية الدولة الفلسطينية بالعضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ورغم ذلك انتصرت الدول من مختلف القرارات لصالح الدولة الفلسطينية، ولم تتوانى الادارات الامريكية المتعاقبة عن ملاحقة الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية العادلة وتشويه نضاله المشروع وفق قرارات الشرعية الدولية".

وتابع: "تسخدم الإدارة الأمريكية وسائل الإعلام المرتبطة بها لتشويه الحقائق ووصف النضال الفلسطيني بـ"الارهاب" وبـ"معاداة السامية"، الأمر الذي يكشف عن معايير أميركا المزدوجة وكيلها بمكيالين وانتهاكها الفاضح للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي ومواثيق الأمم المتحدة، ورغم التشويه الاميركي الرسمي والإعلامي والقانوني للقضية الفلسطينية وكفاح الشعب الفلسطيني على مدار ٧٦ عاما خلت من النكبة والتشريد والإبادة الجماعية بسبب السياسات الصهيو أمريكية إلا أن الشعب الفلسطيني بفضل كفاحه التحرري ومساندة الأشقاء والأصدقاء سينتصر عاجلا أم آجلا".

الأطفال يتذكرون


في السياق ذاته، يقول لؤي الغول، مدير نقابة الصحفيين الفلسطينيين: “للأسف، ومنذ نكبة عام 1948 ونكسة 1967، يقوم الاحتلال الإسرائيلي، بدعم من اللوبي الصهيوني الأمريكي وبعض وسائل الإعلام الأمريكية، بتشويه الحقائق والصورة الحقيقية للشعب الفلسطيني وحقه في أرضه، يُصوَّر أن هذه الأرض هي أرض بلا شعب، وأن الشعب الإسرائيلي بلا وطن، وهذا محض افتراء ودعاية صهيونية أمريكية لقلب الحقائق والواقع”.

وأضاف الغول: “الأرض الفلسطينية، والقدس عاصمة دولة فلسطين، هي أرض ثابتة بجذورنا الكنعانية، هذه أرضنا، وهذا بحرنا، وهذه سماؤنا. لن نتخلى عنها ولن نتنازل عنها، مضيفًا، نحن ندافع عنها كل يوم، والشعب الفلسطيني يقاوم ويتشبث بأرضه”.

كما قالت رئيسة وزراء إسرائيل السابقة، جولدا مائير، "الكبار سيموتون والصغار سينسون"، لم ينسى الأطفال وبقيت المقاومة فكيف ننسى أرض أجدادنا، هذه الأرض الكنعانية، أرض فلسطين للفلسطينيين، لا لدولة الاحتلال الإسرائيلي ولا لدعايتها.

وأضاف مدير نقابة الصحفيين الفلسطينيين لـ"الدستور": الحملات الإعلامية الصهيونية الأمريكية تستمر في بث دعايا عبر وسائل الإعلام ومئات الآلاف من وسائل التواصل الاجتماعي، مروجة رواية الاحتلال الإسرائيلي وتزوير الحقائق، لكن الأرض الفلسطينية، أرض الشعب الفلسطيني، أرض الكادحين، والقدس قدسنا، قدس العرب والمسلمين والمسيحيين في جميع أنحاء العالم.

وتابع: نحن نؤمن بالعدالة والمحبة والسلام والحرية، نؤمن بأرضنا والدفاع عنها ومقدساتنا الإسلامية والمسيحية. هذا حق لنا، لا تنازل عنه، ولن نكل ولن نميل. سنستمر في الدفاع عن أرضنا وإثبات حقيقتها وملكيتنا. لدينا تاريخ وجذور وتراث فلسطيني. لدينا عملة موجودة ودولة فلسطينية موجودة. حتى شمعون بيريز، رئيس وزراء إسرائيل السابق، كان يمتلك جواز سفر فلسطيني ووثيقة سفر من مطار اللد الفلسطيني.

واستكمل الغول: إسرائيل، من خلال دعاياها وبدعم غربي من المتنفذين الذين يمتلكون المال ووسائل الإعلام ومن خلال مشاهير السينما الأمريكية والدراما ونشر الشائعات، تحاول على مدار عقود أن تزور الحقائق، لكن الأرض الفلسطينية، أرض كنعان الكنعانيين، أرض الفلسطينيين، أرض الآباء والأجداد، ستثبت دائمًا أنها فلسطينية.

وأضاف: الفلسطينيون يدافعون عن أرضهم بكل قوة، لو لم يكونوا أصحاب الأرض لهاجروا، نحن أصحاب الأرض، نحن لم نأتِ من هنا وهناك، نحن هنا متجذرون في أرضنا، نناضل ونجابه ونتحدى الاحتلال وكل دعاية الصهيونية الأمريكية.

وتابع: الحق سينتصر، والأرض ستعود لأصحابها، والأطفال سيعودون لأهلهم، ويتربون في أرضنا بحرية وأمان ويعيشون بكرامة، تحت سمائها ومطرها وظل شجرها، شجر الزيتون الذي يتحدث، شاهدًا على أنها فلسطينية، مضيفًا: كل التزوير وكل ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية والمروجين لن يغير الحقيقة، الأرض الفلسطينية ستبقى فلسطينية، وعاصمتها القدس الشريف، وسنصلي جميعًا في القدس إن شاء الله في القريب العاجل.