رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الروائى خالد إسماعيل يتحدث عن كتابه الجديد: «الخروج إلى الحرية».. زيارة جديدة لـ«الرائدات المصريات»

الروائى خالد إسماعيل
الروائى خالد إسماعيل

- فتحية العسال قدمت جزءًا من سيرتها الذاتية فى «هى والمستحيل»

- الأميرة فاطمة أسهمت كثيرًا فى بناء أول جامعة مصرية والإنفاق عليها

- بهيجة حافظ عائلتها أقامت لها سرادق عزاء لمشاركتها فى فيلم «زينب»

- قوت القلوب الدمرداشية اكتشفت نجيب محفوظ ومنحته جائزة وأنقذته من التوقف عن الكتابة

إنصاف عظيمات مصر ليس نعرة نسوية مثلما قد يتصور البعض، بل هو توثيق رئيسى للتاريخ الاجتماعى والسياسى والعلمى المصرى، ووفاءً لحق الأجيال الجديدة فى أن تتعرف على طبيعة وحجم الإنجاز الذى حققته المرأة المصرية، على مدار تاريخنا الحديث، بشكل يجعلها تتفوق عن مثيلاتها فى شعوب العالم المختلفة، على المستويين الثقافى والنضالى. وكتاب «الخروج إلى الحرية.. سيرة رائدات النهضة المصريات»، الذى صدر حديثًا للروائى والكاتب الصحفى خالد إسماعيل، هو أداة من أدوات هذا التوثيق لتاريخ المرأة المصرية، بما قدمته من تضحيات ليس لها مثيل على جميع المستويات، وبما تحملته من ضغوط رهيبة ومصاعب جمة، فى سبيل تحقيق ما تصبو إليه. ويتناول «إسماعيل» فى كتابه سيرة ٤٣ من الرائدات المصريات، اللواتى نبغن فى الطب والهندسة والأدب والنضال الوطنى، وخضن الصعاب المعقدة، وسط مجتمع لم يكن يؤمن إلا بالذكورية والعادات والتقاليد القديمة. عن كتابه الجديد وما تضمنه من حكايات وأسرار، أجرت «الدستور» هذا الحوار مع خالد إسماعيل.

■ على الرغم من أن صلب الكتاب يتحدث عن الرائدات المصريات، لكنك كشفت عن الدور الأكبر للمدافعين عن حقوق النساء وأبرزهم رفاعة الطهطاوى.. كيف كان دوره فى هذا السياق؟

- كان رفاعة الطهطاوى فريدًا فى مواهبه، فهو من مدينة طهطا التابعة لسوهاج، وينتمى إلى الأشراف، وهو أول من كتب فى عقد الزواج من ابنة خاله، تعهدًا على نفسه بعدم الزواج عليها، وكانت تلك سابقة خطيرة، فالعرب فى الصعيد كانوا وما زالوا يعتبرون تعدد الزوجات دليل فحولة وقوة.

وكانت رحلته إلى باريس ليكون إمامًا للمبعوثين، بتكليف مباشر من محمد على، لأنه كان من علماء الأزهر النابهين المشهورين بالتفوق العلمى. وفى فرنسا، سمع محاضرات لجماعة «سان سيمون»، وهى جماعة ترى فى توزيع الثروات والنهضة بالمرأة ونشر التعليم والمشروعات الكبرى، ضرورة لنهضة الأمم.

وفى كتابه «تخليص الإبريز فى تلخيص باريز»، وصف الحضارة فى المجتمع الفرنسى كما رآها، وكانت دعوته إلى تعليم البنات فى مصر، قائمة على ما تعلمه من جماعة «سان سيمون»، وما عرفه من الشريعة الإسلامية، وقال ما معناه إن العمل والتعليم مفيدان للحفاظ على آدمية وعفة وأخلاق المرأة، لأن الفراغ يجعلها مشغولة بما يضرها ويضر العائلة.

■ تحدثت عن «خديجة» ساكنة ملجأ الأيتام التى أصبحت أول طبيبة نساء وتوليد.. هل الصدفة لعبت دورًا فى حياتها أم أنه العمل والاجتهاد؟

- ما حدث مع اليتيمة «خديجة» ليس مصادفة، بل نتيجة لظروف المجتمع، ويجب أن نذكر أن محمد على، كان حلمه الإمبراطورى، هو محركه نحو نقل كل ما هو جديد من بلاد أوروبا إلى مصر، فأسس الجيش والمصانع لخدمة الجيش، وجند الفلاحين. 

كان من الضرورى تأسيس مدرسة للطب، ووجود عناية بالصحة العامة للمواطنين، فى زمن كانت فيه «الكوليرا» تحصد أرواح آلاف المواطنين، الأمر الذى أدى إلى بوار الأراضى الزراعية، ونقص الثروة التى هى مصدر التسليح وبناء السفن الحربية والقلاع، ودفع رواتب الضباط والجنود.

وفرضت الظروف على محمد على الاعتماد على الإناث، فى عملية الرعاية الصحية والاهتمام بالمرضى، ولم يجد استجابة من العائلات المصرية لإرسال بناتها للحاق بمدرسة «القابلات»، وهو الاسم الفصيح لوظيفة «الدّاية» التى تولد الحوامل، وحاول إجبار الجنود والموظفين على إرسال بناتهم للمدرسة ورفضوا بكل إصرار، فلم يجد سوى فتيات الملاجئ، حيث لا أهل لهن يعترضون على عملهن ودراستهن.

وكانت «خديجة أفندى» أول خريجة فى مدرسة القابلات تعينها الحكومة براتب شهرى، وتخصص لها حمارًا تركبه، وحارسًا يحميها من التحرش، وتم تكليف مواطن بالزواج منها، وتحملت الحكومة نفقات زواجها.

■ قصة الأميرة فاطمة التى لقبت بـ«أم التعليم المصرى» عظيمة، خاصة ما فعلته ببيعها كل ممتلكاتها من أجل إنشاء جامعة مصرية.. ما الدوافع التى كانت تقف خلف جهودها؟

- كان الخديو إسماعيل منفتحًا على أوروبا، وكان هو نفسه من الذين درسوا فى فرنسا ضمن بعثة أولاد محمد على، وابنته «فاطمة» وأخريات من بنات العائلة الخديوية، كُن على تواصل مع الأوروبيات.

كان حلم بناء الجامعة المصرية قوميًا، دعا إليه مصطفى كامل وكل الطبقة السياسية الغنية فى بدايات القرن العشرين، وفتح اكتتابًا وطنيًا، وأسهمت الأميرة فاطمة مساهمة كبيرة فى بناء الجامعة والإنفاق عليها.

■ ذكرت عائشة التيمورية وزينب فواز وهما من رائدات الكتابة، وألفتا أعمالًا أدبية أيضًا.. كيف ترى إذن دعوة قاسم أمين لتحرير امرأة هى فى الأساس محررة وتكتب أدبًا ومقالات وغير ذلك؟

- قاسم أمين كان محافظًا قبل أن يتحول إلى داعية لتحرير المرأة، وتطورت أفكاره باقترابه من الشيخ محمد عبده، ولكن قبل نشره كتابه «المرأة الجديدة» كانت الشريحة المتعلمة من بنات الطبقة الغنية تنادى بحق الخروج والمشاركة فى العمل العام، من خلال الكتابة فى الصحف بأسماء مستعارة.

كانت هناك صالونات يشرف عليها باشوات مثقفون، يتبنون دعوة تعليم المرأة وتحريرها من سجن التقاليد والأعراف الموروثة، وقبل أن تظهر دعوة هدى شعراوى، ظهرت ملك حفنى ناصف، وعائشة التيمورية، وجرى التحول فى المجتمع المصرى مع ثورة ١٩١٩، وخرجت المرأة وشاركت فى الثورة.

وكانت أولى شهيدات الثورة برصاص الجيش البريطانى، امرأة من حى قاهرى شعبى، وتكونت لجنة «سيدات الوفد» بزعامة هدى شعراوى وسيزا نبراوى، وأخريات من زوجات البكوات والباشوات، وتشكل الاتحاد النسائى، وواصلت المرأة كفاحها حتى انتزعت حق تشكيل الحزب النسائى برئاسة دُريّة شفيق، وحق الانتخاب والترشح فى العام ١٩٥٦، وهو حق نص عليه الدستور المؤقت الذى صدر فى ظل ثورة يوليو.

وفى عام ١٩٦٢ انضمت المرأة للحكومة وأصبحت وزيرة للمرة الأولى فى التاريخ، ووقع اختيار «عبدالناصر» على الدكتورة حكمت أبوزيد، لتكون وزيرة للشئون الاجتماعية، وهى صعيدية من «القوصية» التابعة لأسيوط، وكان والدها ناظر محطة فى السكة الحديد، وكان لها تاريخ وطنى منذ أن كانت طالبة فى المدرسة الثانوية، وحصلت على الدكتوراه من إحدى جامعات لندن، وعملت فى كلية البنات بجامعة عين شمس، وأعجب «عبدالناصر» بجرأة خطابها وحديثها أثناء مناقشات الميثاق الوطنى.

■ ذكرت أيضًا قوت القلوب الدمرداشية، وقلت إن أول جائزة يفوز بها نجيب محفوظ كانت «جائزة قوت القلوب»، وقيمتها ٤٠ جنيهًا.. ما تفاصيل هذه القصة؟

- قوت القلوب الدمرداشية أديبة كبيرة، تُرجمت رواياتها إلى اللغات الأوروبية، وكانت وريثة والدها «الشيخ الدمرداش»، شيخ الطريقة «الخلوتية الدمرداشية»، وحياتها عبارة عن فصول «تراجيدية»، فبعد انفصالها عن والد أبنائها القاضى، أحبت محمود أبوالفتح، لكنه كان حبًا عذريًا، إذا لم يحبها «أبوالفتح»، ورغم هذا أغدقت عليه الأموال، كما أنها ماتت بطريقة بشعة، إذ قتلها ولدها المضطرب نفسيًا، لما رفضت منحه أموالًا.

ولأنها روائية ومبدعة قررت أن تخصص جائزة للرواية، فى عام ١٩٤٠، ففاز بها الكاتب الشاب نجيب محفوظ، وهو ما كشفه فى مذكراته التى أملاها على الناقد الراحل رجاء النقاش، بعد فوزه بجائزة «نوبل»، قائلًا ما يلى:

أول جائزة فى حياتى هى جائزة «قوت القلوب الدمرداشية للرواية»، وهذه السيدة المحبة للأدب، نظمت مسابقة فى العام ١٩٤٠، ورصدت لها ٤٠ جنيهًا، وتشكلت اللجنة من أبرز أعضاء مجمع اللغة العربية: الدكتور طه حسين، وأحمد أمين، وكانت روايتى الفائزة هى «رادوبيس»، وذلك بالمناصفة مع على أحمد باكثير، وروايته «وا إسلاماه»، لأحصل على ٢٠ جنيهًا، وكان هذا المبلغ عظيمًا بمقاييس تلك الفترة.

علم سكان العباسية بالأمر، وارتفعت معنوياتى إلى حد كبير، خاصة أننى كنت فى هذه الفترة قد تعرضت للفشل، وأنا أحاول نشر رواياتى فى الصحف، واعتدت أن أكتب وأضع ما أكتب فى الدرج، وبعد جائزة «قوت القلوب» تشجّعت وتقدمت لمسابقة مجمع اللغة العربية، وفزت أنا ويوسف جوهر وعادل كامل وعلى أحمد باكثير وأحمد حسنين مخلوف.

هذا الذى رواه نجيب محفوظ عن السيدة قوت القلوب الدمرداشية، يجعلنا نضعها فى مكانة كبرى فى تاريخ الأدب المصرى، مع العلم أن «دار الهلال» نشرت رواياتها، وسبق أن حول السيناريست مصطفى محرم واحدة منها إلى مسلسل تليفزيونى، حمل عنوان «عصر الحريم»، فى عام ٢٠٠٨.

■ المعاناة قاسم مشترك فى سيرة هؤلاء الرائدات، مثلما حدث مع بهيجة حافظ، التى أقام أهلها سرادق عزاء لها، عندما شاركت فى فيلم «زينب».. ما قصة هذه الواقعة كما ذكرتها فى الكتاب؟

- بهيجة حافظ رائدة فى مجالات فنية عديدة، وهى أول من وضعت الموسيقى التصويرية لفيلم سينمائى مصرى، وأول من أنتجت أفلامًا سينمائية، فضلًا عن كونها ممثلة.

انتمت إلى عائلة غنية جدًا، كان والدها «باشا» يدير الأطيان الزراعية الخاصة بالسلطان حسين كامل، وفى وقتها كان التمثيل يعتبر جريمة، وفق تصور عائلتها المحافظة، بل والمجتمع ككل، الذى كان يحتقر آنذاك ٣ مهن هى: الصحفى والممثل والراقصة، الصحفى لأنه «يتجسس» على الناس، ويأكل قوته من نقل وإذاعة الأخبار، والممثل، لأنه «شحّاذ» يطوف فى الموالد والأسواق لعرض المسرحيات للجمهور، والراقصة، لأنها تعرى جسدها.

هذا المنطق جعل المحاكم لا تقبل شهادة الممثل أو «المشخصاتى»، باعتباره «ناقص الأهلية»، لذا عندما قبلت بهيجة حافظ تجسيد دور «زينب»، فى الفيلم السينمائى الصامت الذى يحمل نفس الاسم، وأخرجه محمد كريم، اعتبرها أهلها ميتة، لخروجها على قانون العائلة الأرستقراطية ذات المهابة والمكانة الاجتماعية، والتى أقامت سرادقًا لتلقى العزاء فى «المرحومة بهيجة».

■ هل هناك موقف معين أثر فيك بشدة وأنت تبحث فى سير رائدات النهضة المصريات؟

- من أقوى المواقف التى قابلتنى وأنا أبحث فى سير رائدات النهضة المصريات، موقف فتحية العسال، التى كانت فتاة تعيش فى حى السيدة زينب، وربط الحب بين قلبها وقلب الكاتب الروائى والصحفى عبدالله الطوخى، وكانت فى هذه الفترة أمية، فتعلمت القراءة والكتابة، واستطاعت القراءة فى السياسة، وأن تصبح مناضلة فى صفوف الحركة التقدميّة المصرية.

تفجرت موهبتها فى الكتابة، فكتبت المسرحيات التى جعلتها أولى كاتبات المسرح فى مصر، بعدما كان الأمر مقصورًا على الرجال، وهذه المسرحيات تحولت إلى مسلسلات إذاعية وتليفزيونية، من أشهرها «هى والمستحيل»، بطولة صفاء أبوالسعود، ومحمود الحدينى، وسوسن بدر، وإخراج إنعام محمد على.

فى هذا المسلسل، قدمت صفاء أبوالسعود الشخصية المركزية «زينب»، التى فيها الكثير من شخصية فتحية العسال الحقيقية.

■ ماذا عن نماذج النضال الثورى مثل شاهندة مقلد؟

- «شاهندة مقلد أول امرأة تقود نضال الفلاحين ضد الإقطاع، وريادتها هنا مربوطة بحياة رائدة أخرى هى وداد مترى، التى درست لها فى المدرسة الإعدادية، وتعتبر رائدة فى مجال العمل العام، فهى أول طالبة جامعية تتولى منصب رئيس اتحاد طلبة جامعة القاهرة، قبل ثورة ٢٣ يوليو، والتحقت بوزارة التعليم وأصبحت معلمة فاضلة، وترشحت فى انتخابات مجلس نقابة المعلمين، وفازت بعضوية المجلس.

واصلت شاهندة مقلد النضال بعد مقتل زوجها على يد الإقطاعيين، وصافحت «جيفارا» و«عبدالناصر« وهما فى طريقهما إلى بيت «السادات» بالمنوفية، وكان نضالها سببًا مباشرًا فى تخفيض الملكية الزراعية إلى ٥٠ فدانًا للفرد.