رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عقد النمو الفاتر!

العَقد، بفتح العين، هو فترة زمنية تعادل ١٠ سنوات، ما يعنى أن العقد الحالى، أو الجارى، بدأ سنة ٢٠٢١، وسينتهى فى ٢٠٣٠، وهذا هو الذى رأت كريستالينا جورجيفا، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولى، أن الاقتصاد العالمى قد يشهد خلاله نموًا «فاترًا، بطيئًا، ومخيبًا للآمال»، لو غابت التدابير اللازمة لتعزيز الإنتاجية وخفض أعباء الديون، لافتة إلى أن توقعات الصندوق للنمو العالمى، على المدى المتوسط، لا تزال أقل بكثير من المتوسط التاريخى.

فى كلمة ألقتها أمام «المجلس الأطلسى»، أمس الأول الخميس، قالت المديرة التنفيذية السابقة لـ«البنك الدولى»، والتى تولت منصبها الحالى فى أول أكتوبر ٢٠١٩ وقد تغادره فى ٣٠ سبتمبر المقبل، إن التضخم العالمى يتراجع بوتيرة أسرع من المتوقع ولكن لم تتم هزيمته، بعد، بشكل كامل. كما أكدت أن مكافحة مستويات الديون المرتفعة ستكون صعبة، فى ظل الأحداث الجيوسياسية الراهنة، التى تؤثر بشكل سلبى على أداء الاقتصاد العالمى، خاصة خلال السنة الجارية، التى تشهد عددًا قياسيًا من الانتخابات، ويتزايد فيها القلق، بسبب حالة عدم اليقين الاستثنائية، وسنوات من الصدمات والاضطرابات. 

بالفعل، سيتوجه إلى صناديق الانتخابات، خلال السنة الجارية، أكثر من مليارى شخص، فى حوالى ٥٠ دولة، تمثل ٦٠٪ تقريبًا من الناتج الاقتصادى العالمى، من بينها الولايات المتحدة والهند وإندونيسيا والمكسيك وجنوب إفريقيا والدول السبع والعشرون الأعضاء فى البرلمان الأوروبى. وستؤثر نتائج تلك الانتخابات، غالبًا، على الاقتصاد والتجارة، ونقل التكنولوجيا، وتطوير الذكاء الاصطناعى، وتزايد أو تراجع الاستثمارات والديون، و... و... وقد تؤثر، أيضًا، على حالة المخاض الانتقالى التى يعيشها العالم، والتى تتصارع فيها القوى المتنافسة، من أجل فرض سيطرتها على النظام العالمى الجديد.

انتخابات الرئاسة الأمريكية هى الأكثر أهمية، طبعًا، وقد تشهد زلزالًا، يعدل وضعها المائل أو يزيده ميلًا، لو فاز فيها الرئيس السابق دونالد ترامب، الذى بات فى حكم المؤكد أنه سيتنافس مع الرئيس الحالى جو بايدن. لكن الانتخابات الهندية لا تقل أهمية، لكون الهند تحتل المركز الخامس بين أكبر اقتصادات العالم، ومرشحة بقوة لاحتلال المركز الثالث. وقد تؤثر انتخابات المكسيك، وإندونيسيا على نهج حكومتيهما فى التعامل مع الطاقة والاستثمار الأجنبى، والسياسات المتعلقة بالمعادن المهمة. و... و... ويمكنك أن تضيف إلى ذلك أن العدوان الإسرائيلى، الذى لا يزال مستمرًا، على قطاع غزة، وعلى الأراضى الفلسطينية إجمالًا، لن تتحمل المنطقة العربية فقط، أوزاره الإنسانية والسياسية والاقتصادية، بل ستتحملها أيضًا، ولسنوات مقبلة، مناطق أخرى عديدة. والأهم، هو أن ذلك العدوان كشف عن سوءات النظام العالمى القائم، وأظهر الحاجة إلى نظام جديد أكثر توازنًا تسوده القيم الإنسانية وتعلو فيه مبادئ العدالة والإنصاف.

المهم، هو أن كريستالينا جورجيفا، صاحبة الأكثر من ١٠٠ مؤلف فى السياسات البيئية والاقتصادية، كانت قد حذرت، فى أغسطس الماضى، من مخاطر التشرذم المتزايد للاقتصاد العالمى، مؤكدة أن المرونة والازدهار رهينان بـ«بقاء التكامل الاقتصادى». وأوضحت، فى مقال نشرته مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية، أن التشرذم يبدأ مع تنامى الحواجز أمام التجارة والاستثمار، وينتهى، فى شكله المتطرف، بتجزئة البلدان إلى كتل اقتصادية متنافسة، لافتة إلى أن هذه التجزئة يمكن أن تؤدى إلى اضطرابات شديدة فى أسواق السلع الأساسية، وانعدام الأمن الغذائى، وخفض الناتج المحلى الإجمالى العالمى بنسبة تصل إلى ٧٪، أو ٧.٤ تريليون دولار، أى ما يعادل الناتج المحلى الإجمالى المشترك لفرنسا وألمانيا.

.. وتبقى الإشارة إلى أن المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولى، قالت فى خطاب، الخميس الماضى، إن المرحلة الأخيرة من مواجهة التضخم، تتطلب من البنوك المركزية أن تحافظ على استقلاليتها، وأن تقاوم المناشدات بالخفض المبكر لأسعار الفائدة، لأن ذلك قد يسفر عن مفاجآت تضخمية جديدة، وقد يتطلب موجة أخرى من التشديد النقدى. كما أكدت أن أسعار الفائدة المرتفعة فى الولايات المتحدة لم تكن جيدة لباقى دول العالم، لافتة إلى أن استمرار «قوة الدولار» لفترة طويلة، تثير المخاوف بشأن الاستقرار المالى للدول الأخرى.