رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السلاح فى الصعيد

كلاشينكوف، اسم ربما لا يعرفه الكثيرون، ولكن الكثيرين ربما أمسكوها في أيديهم، سواء في فترات التجنيد، أو في مراحل الصبا والفتوة، خصوصا في جنوب البلاد. وربما لا يعلم الكثيرون أنها تسببت في ترمل ويتم الكثير من المصريات والمصريين في فترة معينة، سواء في الوادي أو في سيناء. 
البندقية الأكثر انتشارًا في جنوب مصر، والتي تتباهى بها العائلات، أصبحت في متناول يد الجميع، وتخرج في المناسبات، مثل التحاق فرد من العائلة بوظيفة قضائية، أو التحاقه بكلية الشرطة، او مناسبات الزواج وغيرها من المناسبات السعيدة، لينطلق منها وابل نيران يزغرد في ليل الصعيد الكئيب. 
كان اندلاع الثورة المصرية في يناير 2011 وما تبعها من فراغ أمني وتأجج الخصومات خاصة في قرى الصعيد سببًا في سعي كثيرين إلى تأمين أنفسهم وممتلكاتهم. الأمر الذي فتح الأبواب على مصراعيها أمام تجارة الأسلحة، فتحول الصعيد إلى سوق يلجأ إليها راغبو اقتناء الأسلحة.
انتشر في الصعيد مثل يقول "فرد في اليد يحميك في البيت والغيط"؛ يشير إلى أهمية اقتناء السلاح بين أهالي الصعيد لعقود مضت، مما جعل تجارة الأسلحة غير المشروعة واسعة الانتشار في أنحائه.
تقليديًا يقتني أهل الصعيد الأسلحة للأخذ بالثأر من الخصوم والتباهي بين العائلات ذات النفوذ والحماية من الحيوانات الجبلية المفترسة. وتوجد البؤر الرئيسية لتجارة السلاح في قرى محددة في جنوب وغرب الصعيد، أما مصدر الأسلحة فإنها تأتي من السودان وليبيا، وخصوصا بعد أن قامت ثورة في ليبيا، وقام حلف الناتو بإنزال كميات من الأسلحة في الصحراء، لتسليح قبائل ليبيا ضد القذافي وعائلته. تلك الأسلحة التي ذهبت إلى الجماعات المتطرفة في سيناء أثناء الانهيار الأمني في مصر في أعقاب ثورة 2011. وتشهد في تلك الفترة ارتفاعًا ملحوظًا في الأسعار مع زيادة الطلب عليها.
سعر "الكلاشينكوف الألماني" وصل إلى 26 ألف جنيه مقارنة بـ 10 آلاف جنيه قبل ثورة يناير. وهو عبارة عن بندقية آلية الصنع سريعة الطلقات بعيدة المدى، وهذا النوع يقبل عليه  قطاع الطرق واللصوص والخارجين عن القانون.
وهناك نوع آخر من الكلاشينكوف يسمى "رجل الغراب" لأنه يتكون من دفة حديد سهلة الطي يمكن إخفاؤها داخل الملابس بسهولة، وهي بندقية يسعى الأغنياء للحصول عليها في القرى، خاصة بعد أن وصل سعرها إلى 14 ألف جنيه بعد أن كان خمسة آلاف جنيه.
في الفترة الأخيرة، قفز سعر البندقية ألألمانية الصنع من خمسة آلاف إلى 13 ألف جنيه. أما المسدس البدائي، وهو يصنع من خامات محلية، فقط ماسورة تتحمل انفجار البارود، وضاغط يغط الزناد فيضغط الإبرة التي تصطدم بالطارق، فتخرج الطلقة، الذي يتم صنعه في الورش العشوائية الشعبية فيقبل عليه المزارعون البسطاء لحماية المواشي من اللصوص، بسبب انخفاض سعره من 200 إلى 300 جنيه.
أما البندقية السوفيتية الصنع، العالمية الانتشار، بسيطة التركيب سهلة الاستخدام، تعمل في كافة الظروف الجوية وتحت الماء، تسللت للثقافة الشعبية وصورها الفنانون كسلاح لرجل أسود واثق من نفسه يبالغ في استعراض رجولته كعلامة تجارية على المقاومة، أنه السلاح الذي واجه الحكومة الأمريكية في فيتنام، وانتصر عليها، تقدم البندقية الاحترام الفوري والمكانة اللائقة للشباب الذي لا يحظون بتقدير مجتمعاتهم، وحتى من أقرانهم.
وهي نفس البندقية التي يستعملها الفرقاء في الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أعدائهم. 
صارت الكلاشينكوف في العراق كما في فيتنام رمزا للمقاومة ضد الولايات المتحدة، فقد عبدت فيتنام الطريق بالبندقية الكلاشينكوف كي تكون أيقونة التحرير.
في كتاب لمايكل هوجز بعنوان" البندقية الكلاشينكوف" ترجمة حربي محسن عبدالله ومحمد مصطفي المقداد والذي نشرته دار نون في القاهرة في 2014. 
الكتاب عبارة عن رحلة البندقية الكلاشينكوف منذ اختراعها على يد من أطلق اسمه عليها، وتعتبر سيرة سلاح تبدأ أولا باختبار حقيقي لتلك البندقية في أحراش فيتنام، ولبنان وفلسطين وأفغانستان والعراق والسودان من حروب التحرير إلى حروب العصابات. فيتنام. السودان. فلسطين. أفغانستان. العراق. أمريكا. 
يقول الكتاب إنه في عام 1947 فاز ميخائيل كلاشينكوف في مسابقة تصميم البندقية الهجومية السوفيتية. وفي 1949 تبني الفكرة الاتحاد السوفيتي، وفي 1956 انتشرت البندقية لدى الحلفاء في أوروبا الشرقية. كان يسميها غولم، وهو اسم عفريت الأسطورة الياديشية، وقد أقر المخترع السوفيتي بأن السلاح قد أفلت من سيطرة من اخترعه، وأصبح قوة بحد ذاته، يتتبع الكتاب رحلة في الصراعات داخل بلدنا يعتبر الكلاشينكوف ماضيها ومستقبلها. 
يقول المؤلف إن البندقية يمكن أن تكون في أيدي الجيش النظامي للجولة وفي نفس الوقت بأيدي المتمردين عليها بحوزة الميليشيات أو بأيدي المسلحين أو الأطفال المجندين الأفارقة. 
الكتاب يتكون من 285 صفحة موزعة على ثمانية فصول عبارة عن المقدمة، ثم المزحة القاتلة، مدينة البنادق، فيتنام، فلسطين، اغنية الطفال المجندين، منظر الإرهاب، العراق. زنوج بوسطن.
يقول المؤلف إنه في السابق كانت العولمة في فرض السلع الأمريكية على السوق العالمية، وجاءت الكلاشينكوف لتغير ذلك، فهي بحق السلعة العالمية الرائجة الأولى فهي تفرض نفسها بنفسها، وتطغي على الثقافات المختلطة، وحتى على البلدان التي تدعي ملكيتها، سواء كانت روسيا هي المسئولة عن تواجدها، أو الحيوية البالغة والمستوى العالي الذي اعتمدته الصين لإنتاجها الضخم، ولأن مصادر الإنتاج أصبحت متباينة – من ورش في باكستان الى مصانع كوبا على سبيل المثال لا الحصر، فإن البندقية الكلاشينكوف ظاهرة عالمية.  
لقد طافت البندقية في مد وجزر بين الموت والأموال، سواء كانت أموال مخدرات أو أموال سي أي إيه أو أموال خليجية أو روسية، فالإبقاء على الرقابة المشددة على المسوغات الاقتصادية لتدفق الملايين من بنادق الكلاشنيكوف إلى العالم يشبه محاولة الإمساك برصاصة منطلقة فن فوهة البندقية، وهو أمر متعذر.