رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مسار إجبارى.. النور فى آخر الطريق

أعرف أن الفُرجة مزاج.. وأن للفرجة مواقيت.. كثيرًا ما تحددها ظروف مختلفة عند أشخاص مختلفين.. ولذلك بلعنا مقولة اختلافات الأذواق خوفًا من بوار السلع... وأعرف أن كثيرين ممن يكتبون الدراما يتحسبون لهذه الأذواق المختلفة، وكثيرًا ما يبحثون عن الرضا الكامل، وقليلًا ما يحصلون عليه.. لكننى أعرف أيضًا أن ما لا يدرك كله لا يترك كله. 

مزاج الفرجة هذا العام وحّد الكثيرين فى عالمنا العربى رغمًا عنا.. وسيطر مزاج القلق من تداعيات أحداث غزة وضغوط الاقتصاد وتقلباته على معايير اختيارنا الأعمال التى نريد الفرجة عليها.. الذين يعملون فى هذه الصناعة هُم أيضًا كانوا فى خضم هذه التقلبات، وسيطرت عليهم مخاوف مشابهة لمشاعر الجماهير التى تنتظر.. لكنّ القليلين منهم حافظوا على توازنهم فى سبيل النجاح وتوصيل رسائل يسعون لها منذ زمن غير قليل.. ربما من بدايات دخولهم لهذا المجال المعقد بطبعه. 

أعتقد أن صناع مسلسل «مسار إجبارى» من هؤلاء الذين يعتقدون بفكرة أن الفن رسالة.. ومن أهم ملامحها صناعة جيل جديد من الموهوبين.. ولذا جاء بطل العمل شابًا... أو بالأحرى شابين حكمت ظروف حياتهما أن يسيرا فى خط وطريق واحد فُرض عليهما جبرًا.. فأحدهما لم يختر شقيقه الذى لم يعرفه من قبل.. والأهم أنهما مضطران لإكمال حياتهما معًا.. فالماضى الذى لم يكن لهما أى إرادة فيه حدد مسارهما.. وفرض عليهما مطاردة مستمرة هى الحياة بعينها. 

الفكرة تحتاج إلى معالجة غير رتيبة وهو ما حدث.. سيناريو غنى بمشاعر إنسانية راقية ومعقدة.. وتحتاج لقدرات تمثيلية ليست هينة. 

الفكرة مصنوعة بحرفية عالية تحتاج لأداء تمثيلى ومهارات صوت وحركة ليست سهلة.. والجميل أن الشابين عصام عمر وأحمد داش امتلكا زمام الفكرة والشخصية ببراعة يحسدان عليها. 

أحمد داش سبق أن شاهدته فى مسلسل «طايع».. وتوقعت أن يصبح نجمًا فى سنوات قليلة إذا ما أُتيحت له الفرصة المناسبة، وهو الأمر نفسه لعصام عمر رغم اختلاف شخصيتهما فى العمل واختلاف طرق الأداء بينهما، إلا أنهما صنعا دويتو مدهشًا قدمته لنا كاميرا نادين خان ببساطة بديعة.. حركة كاميرا نادين واختياراتها لاقتحام الشوارع والخروج منها إلى ما هو خلف الحيطان يقول إنها صاحبة عين قادرة.. الديكور والموسيقى والإضاءة.. ومحمود البزاوى الغائب الحاضر بشخصيته الطاغية على الأحداث وأداء صابرين وبسمة الواثق.. كل هذه العناصر منحت عصام عمر وداش بطولة يستحقانها. 

لا أنظر إلى الأمر باعتباره ظهورًا مميزًا لممثلين جدد.. لكنها الفكرة التى نلح عليها دومًا وفى كل المجالات.. مصر ولّادة.. ولا يمكن أن تعوقها أى تحديات أو موانع عن تقديم كل ما هو جديد وفى كل وقت. 

صناعة النجوم أمر مكلف جدًا.. ليس باعتبارهم مجرد حواة فى سيرك.. أو أدوات تسلية تنتهى أدوارهم عقب العرض.. الفرجة مجرد سطر فى كتاب كبير اسمه القوة الناعمة.. وظهور داش وعمر ومن قبلهما طه دسوقى إشارة واعية إلى أننا قادرون ومستمرون.. وأن جراب الحاوى مليان.. مصر ليست مجرد «حاوى».. مصر ليست صدفة أيضًا.. إنها رحلة بدأت من الحلوانى الذى وضع أول طوبة فى بنيان حضارتها.. والإلحاح على أننا قادرون على استكمال البناء فى كل وقت وتحت أى ظروف هو السلاح الذى نرهب به أعداءنا الذين يراهنون على هزيمتنا فى معركة الوعى. 

المسار إجبارى نعم... والطريق صعب لا شك فى ذلك.. لكننا مستمرون مهما كان التوقيت، وعلى الآخرين أن يستقبلوا رسائل الحلوانية فى مواعيدها التى لا تتغير مهما تغيرت معايير ومزاجات المتفرجين.