رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجنة والفكر الدينى

الفكرُ الدينى هو تفسير وتأويل البشر للنص الدينى المقدس، ولذا فهذا الفكر ليس مقدسًا لأنه فكر بشرى قابل للصواب والخطأ بالرغم من تأثير هذا الفكر على تشكيل وجدان وعاطفة المنتمين إلى الدين بما يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على قبول الآخر الدينى وغير الدينى. نعم من الطبيعى أن يؤمن كل صاحب دين بصحة دينه عن الدين الآخر، وإلا ماكان مؤمنًا بما آمن. فكل دين له مقولته شبه المطلقة التى يستأثر بها دون غيره.. اليهود «هم شعب الله المختار» المسيحيون «من لم يتعمد من الماء والروح لن يعاين ملكوت السماوات» المسلمون «خير أمة أخرجت للناس». ولذا يتم الانغلاق على تلك الخصوصية «وهى مطلوبة وطبيعية».
ولكن هل كانت إرادة الله سبحانه وتعالى الذى أوجد البشر «كل البشر» الذين أحبهم وميزهم وسخر لهم كل المخلوقات أن يكون جزء من البشر مميزين عنده دون باقى البشر؟ وبالتالى يصبح هؤلاء المميزون هم أصحاب الجنة والأوصياء عليها يدخلون من شاءوا ويطردون من أرادوا؟ 
لا شك أن هذا افتراء على الله وضعف إيمان وفكر دينى يجنح إلى حالة تعصب تتحول إلى تطرف وتكون أحيانا فى طريقها إلى حالة إرهاب وترهيب!!! ودليل ذلك هى وحدانية الإيمان بالله الواحد الذى يعبده كل البشر كل بمعتقده وبطريقته وبطقوسه منذ آدم وإلى الأبد. بل والأهم فهذه هى التعددية الدينية التى أرادها الله. نعم التعددية الدينية. 
فمثلًا الأديان السماوية تشترك فى الإيمان بالله الواحد وتتفق على قصة الخلق منذ آدم إلى مجىء ديانة كل متدين. أى أن هناك تواصلًا وتحاورًا بل تكاملًا بين الأديان أيًا كانت مسمياتها. المسيحية تقول «من ليس لهم ناموس هم ناموس لأنفسهم» والإسلام يقول «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا» و«أرسلنا لكل أمة رسولًا». أى أن الله أراد لكل أمة ناموسًا وشرعة ومنهاجًا يتم الحساب عليها من جانب الله وحده. وذلك لأن الله لو أراد غير ذلك لكان قادرًا. «لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين» «ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعًا أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين». 
ولذلك قال «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر». وهذه الحرية هى الطريق الوحيد والأوحد لكى يكون هناك حساب. فهل هذا الحساب لكل أصحاب الأديان الأخرى غير دينك؟ بالطبع الكل سيحاسب على أرضية ناموس كل واحد وعلى شرعته.. «ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب من يعمل سوءًا يُجز به ولن يجد له من دون الله وليًا أو نصيرًا». هنا من الذى سيحاسب؟ الله وحده لا سواه. «إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة». وعلى ذلك هل كانت إرادة الله بالتعددية تعنى الصراع الدينى والتصارع الإنسانى؟ بلا شك لن تكون كذلك لأن الله هو رب البشرية كلها، وهو رب أصحاب الأديان السماوية وغير السماوية. 
وعلى ذلك نقول بكل صراحة وبكل وضوح. أين أنت من هذا المنهج الدستورى الرائع؟ فما صفتك بأن تقول من الذى سيدخل الجنة ومن الذى لن يدخل؟ من أنت؟ وهنا يجب أن نعلم وللأسف فهذه هى سلوكيات أصحاب الأديان كلها. فلا سماء ولا جنة لغير أتباع الدين الذى يؤمنون به بل الطائفة المنتمين إليها دون سواها. «احفظ يا رب شعبك المسيحى الأرثوذكسى» وبالطبع الكاثوليك للكاثوليك...إلخ.. فأين المحبة التى تحض على حب الأعداء قبل الأصدقاء؟ هذه سلوكيات لاعلاقة لها بالإيمان الصحيح الذى «وقر فى القلب وصدقه العمل». «ليروا أعمالكم الصالحة فيمجدوا آباكم الذى فى السماوات». هذه ليست قيم الدين ولكنه الفكر الدينى الخاطئ الذى يسعى إلى المصلحة الخاصة وإلى مصلحة المؤسسات التى تشكل هذا الفكر. حمى الله مصر وشعبها العظيم وكل عام والمصريون بكل الخير.