رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مفاوضات الدقيقة 90.. ترتيبات تهدئة بين إسرائيل والفلسطينيين فى رمضان

غزة
غزة

فى الوقت الذى يحاول فيه الوسطاء، من مصر والولايات المتحدة وقطر، الضغط على إسرائيل وحركة «حماس» الفلسطينية، للتوصل إلى صفقة تهدئة ووقف إطلاق النار فى قطاع غزة قبل بدء شهر رمضان المبارك، حتى لا تنفجر الأوضاع، تتصاعد التوترات والتهديدات بين الطرفين، مع بحث كل منهما، وفقًا لكثير من المراقبين، عن فرض شروط اللحظة الأخيرة، قبل التوصل للاتفاق.

وفى ظل التوترات، بدأت سلطات الاحتلال وضع خطة تخفيف التوترات فى الضفة الغربية والقدس، عبر تقليل القيود المفروضة على المصلين فى الحرم الإبراهيمى والمسجد الأقصى وأماكن أخرى، مع تهميش دور الوزراء المتطرفين فى حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تحسبًا لاحتمالات اندلاع اشتباكات واسعة فى الضفة، بسبب ما يحدث فى قطاع غزة، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.

تخفيف القيود فى الحرم الإبراهيمى وتحديد أعداد المصلين بالقدس وتهميش دور بن غفير

اجتمع رؤساء الجيش والشرطة والأمن الداخلى الإسرائيلى، خلال الأسبوع الماضى، لإجراء تقييم للوضع قبل حلول شهر رمضان المبارك، بمشاركة رئيس أركان الجيش الإسرائيلى هرتسى هاليفى، ورئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلى «الشاباك» رونين بار، ومفوض الشرطة الإسرائيلية يعقوب شبتاى.

وبحسب الجيش الإسرائيلى، فقد عُقد الاجتماع «لتعزيز التنسيق بين الهيئات والاستعداد العملياتى لجميع السيناريوهات، إلى جانب الرغبة فى السماح بحرية العبادة لعرب إسرائيل وسكان الضفة الغربية».

وللتهدئة، قرر مجلس الوزراء الحربى الإسرائيلى، الأسبوع الماضى، عدم فرض قيود شاملة على وصول عرب إسرائيل إلى الحرم الإبراهيمى خلال شهر رمضان، وكلف الشرطة الإسرائيلية بتحديد الحد الأقصى للمصلين المسلمين فى المسجد الأقصى، بناءً على مخاوف تتعلق بالسيطرة على الحشود، وذلك حسبما ذكرت القناة الـ١٢ العبرية.

وأوضحت التقارير أنه من المتوقع السماح لما بين ٥٠ و٦٠ ألفًا من المصلين، منهم فلسطينيون من الضفة الغربية، بالدخول إلى الموقع فى بداية شهر رمضان، مع زيادة العدد حال عدم وقوع حوادث أمنية، على ألا يتم فرض قيود على الأفراد إلا بناءً على معلومات استخباراتية صادرة عن جهاز الأمن العام الإسرائيلى.

كما قرر مجلس الوزراء الإسرائيلى أنه سيكون الهيئة الوحيدة التى ستتخذ القرارات المتعلقة ببؤر التوتر خلال شهر رمضان، مع تهميش دور وزير الأمن القومى إيتمار بن غفير، الذى يشرف على الشرطة، وذلك بعد وقت قصير من دعوته إلى منع الفلسطينيين فى الضفة الغربية من دخول الحرم الإبراهيمى خلال الشهر الكريم، مع منع عرب إسرائيل ممن تقل أعمارهم عن ٧٠ عامًا، أيضًا، من الوصول إليه.

وبموجب الوضع القائم حاليًا، وهو الترتيب المعمول به منذ عقود، فإنه، وبالتعاون مع الأردن، يُسمح لليهود وغير المسلمين بدخول الحرم الإبراهيمى خلال ساعات معينة، لكن لا يجوز لهم الصلاة هناك. 

وفى الأعوام الأخيرة، دخلت أعداد كبيرة من المتدينين اليهود المتطرفين إلى الحرم، وبدأ العديد منهم فى الصلاة هناك، وامتنعت الشرطة الإسرائيلية، وبصورة متزايدة، عن اتخاذ إجراءات صارمة ضد هذا الانتهاك الواضح.

وأثار ذلك غضب الفلسطينيين والمسلمين فى جميع أنحاء العالم، الذين غالبًا ما ينظرون إلى تلك الإجراءات على أنها جزء من محاولة لتقييد وجودهم فى الموقع، وهى المخاوف التى تبلغ ذروتها كل عام خلال شهر رمضان، عندما يشهد الحرم تدفقًا كبيرًا للمصلين، ويشتبك بعضهم مع الشرطة.

وعلى مدار الأعوام القليلة الماضية، حذّر مسئولون فى إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن من مغبّة حدوث أى توترات قبل شهر رمضان، وحثوا تل أبيب على اتخاذ خطوات لتخفيف التوترات، وسط مخاوف من تفاقمها فى المدينة المقدسة، كما حدث فى مايو ٢٠٢١؛ عندما تسبب الأمر فى إشعال فتيل الحرب الماضية، فيما يسود، فى هذا العام، قلق أكبر فى إسرائيل، بسبب الحرب المستمرة على غزة.

 

إبقاء التأهب وسط ارتفاع المخاطر.. وزيادة الضغوط لفرض «اتفاق اللحظة الأخيرة»

حسب التقديرات الأمنية الإسرائيلية، فإن الإنذارات بشأن الهجمات تزداد قبل شهر رمضان فى الضفة الغربية والقدس، مما يثير مخاوف من وقوع هجمات فى مراكز المدن الإسرائيلية، وهو ما يزداد هذا العام وسط تصعيد الخطاب من نشطاء حركة «حماس» خارج قطاع غزة ومن التنظيمات الموالية لإيران، خاصة أن مفاوضات وقف إطلاق النار فى غزة لا تزال جارية، دون التوصل لاتفاق.

ويبدو وضع المفاوضات بين الجانبين غير واضح، خاصة أن صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين لم تحسم بعد، فمن ناحيتها تطلب إسرائيل من حركة «حماس» قائمة بأسماء المحتجزين لديها من الذين لا يزالون على قيد الحياة، وتربط هذا بالمرحلة الأولى من الصفقة، التى بحسبها سيتم إطلاق سراح حوالى ٤٠ إسرائيليًا، من النساء والمسنين والجرحى والمرضى، مقابلهم ١٠ أضعافهم من الأسرى الفلسطينيين. 

بالتزامن، نشرت «حماس» تقارير وإشارات مختلفة حول موت محتجزين إسرائيليين نتيجة قصف قوات الاحتلال، مع التقليل من عدد المحتجزين الذين لا يزالون على قيد الحياة حتى الآن، بينما فى الجيش الإسرائيلى تم الإعلان بشكل رسمى عن موت ٣١ من بين الـ١٣٤ محتجزًا فى القطاع، لكن التقديرات ترجح أن العدد الحقيقى أكبر من ذلك.

ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام العبرية، فإن المسئولين فى إسرائيل يعتقدون أن زعيم حركة «حماس» فى غزة يحيى السنوار غير مهتم بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى رمضان، كما أن إسماعيل هنية، زعيم الجناح السياسى للحركة فى الخارج، دعا «محور المقاومة» والحركات الموالية لإيران إلى تكثيف الهجمات على إسرائيل، مع الدعوة إلى «حركة واسعة ودولية لكسر الحصار على الأقصى»، كما دعا الفلسطينيين فى القدس والضفة الغربية أيضًا إلى اقتحام المسجد الأقصى فى اليوم الأول من شهر رمضان.

ووفقًا لذلك، فإن نافذة الفرص التى بقيت للاتفاق تظل ضئيلة جدًا، فحركة «حماس» من جانبها لم ترد حتى الآن بالتفصيل على اقتراح الوسطاء الذى تم عرضه فى باريس، ومن المرجح الآن أن ميزان القوة فى المفاوضات تحسن لصالحها، بعد دخول كثير من المساعدات الإنسانية للقطاع بسبب الضغط الدولى على إسرائيل، ما يمنحها قدرة أكبر على المناورة.

وتحدثت الخطة الأخيرة، التى عرضها الوسطاء فى قمة باريس، عن وقف إطلاق النار لستة أسابيع فى المرحلة الأولى، وبعدها انسحاب كامل للجيش الإسرائيلى من القطاع، وبالتالى إنهاء الحرب، مقابل إطلاق سراح كل المحتجزين وإعادة جثامين من ماتوا، وهو ما ربط الفلسطينيون الاتفاق عليه بوجود تعهد صارم وضمانات دولية تضمن أمن قادة «حماس».

وقوبل موقف «حماس» برفض «نتنياهو»، الذى اعتبر أيضًا أن الموافقة على الانسحاب الكامل ووقف القتال يعنيان اعترافًا غير مباشر بالفشل وإنهاء الحرب دون تحقق الهدف العلنى منها، الذى يتمثل فى القضاء على سلطة «حماس»، وهو ما يدفعه إلى المزيد من التهديدات بشأن دخول رفح، لكونه يرى أن هذا سيزيد الضغط على الحركة، ويؤدى إلى التوصل لصفقة تبادل أفضل، خاصة أن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن حركة «حماس» تريد استغلال شهر رمضان، لإشعال جبهات متعددة، وتنفيذ ما يسمى سياسة «وحدة الساحات».

ويرى كثير من المراقبين أن القرار سيتخذ، مثلما يحدث فى كل المفاوضات، فى الدقيقة ٩٠، وربما سيتم التوصل لاتفاق فى الأيام الأولى من شهر رمضان، حين يكون كل اللاعبين مطالبين بأن يتفقوا على صفقة تؤدى إلى الهدوء فى الشهر الكريم، خاصة أن الإدارة الأمريكية تريد التهدئة لتقليل الانتقادات التى توجه لها، وإسرائيل تريد التهدئة لتحرير المحتجزين وتنظيم قواها لمواصلة القتال، فيما يريد العالم التهدئة بسبب تردى الأوضاع الإنسانية فى قطاع غزة.