رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

آلام المعلم حنفى وبنته حميدة 2-2

 

■ مدام زينات سرحانة فى إيه؟

- أبدًا فى الدنيا.

السؤال كان على لسان مذيعة التليفزيون الشابة الجميلة فوزية العباسى فى بداية عام النصر ١٩٧٣ وتحديدًا يوم ٩ يناير. 

وصاحبة الإجابة هى زينات صدقى.

أما ملابسات السؤال وبقية إجابته، فكانت كاشفة لحياة زاخرة بالألم، كانت تمر فى تلك اللحظة على ما يبدو من أمام عين زينات الشاخصة أو السرحانة على حد قول المذيعة.

هذا الموقف كان فى لقاء تليفزيونى نادر أجرته فوزية العباسى مع قدامى الفنانين بعد تكريمهم فى مبنى ماسبيرو، حيث استنّ حينها وزير الثقافة والإعلام عبدالقادر حاتم سنة حميدة بطلب من الرئيس السادات نفسه، وهى تكريم كبار الفنانين الذين أعطوا لهذا الوطن الكثير لكن النسيان طواهم بالتجاهل.. وأحيانًا بالنكران.

المشهد كان عبارة عن مائدة مستديرة تجلس عليها المذيعة فوزية العباسى فى مواجهة الكاميرا ويجاورها ٤ من المكرمين، على يمينها دولت أبيض وعلى يسارها محمد عبدالمطلب وبجواره رجاء عبده، ثم الفنانة الرابعة التى لم تكن ظاهرة الوجه للكاميرا تجلس على طرف المائدة على استحياء واضح، وهى زينات صدقى، وبعد أن استفاضت دولت فى التعبير عن امتنانها وشكر المسئولين وتبعها عبدالمطلب ثم رجاء عبده جاء الدور على زينات شاردة العقل لتوقظها المذيعة بسؤالها المفاجئ وتقطع عليها شرودها: سرحانة فى إيه؟

بعد أن أجابتها زينات إجابتها المعلبة: فى الدنيا. 

سألتها المذيعة السؤال الرسمى عن رأيها فى منح الفنانين المعاشات الاستثنائية، أجابت: «طبعًا ده حلم اليقظة مفيش شك».. ثم سكتت.

ولما رأت المذيعة أن الإجابة مختزلة جدًا، وعلى ما يبدو أنها أرادت لزينات أن تسترسل فى تلك الجزئية مثل باقى الفنانين الذين تحدثوا قبلها، فسألتها سؤالًا مكملًا: يعنى النهاردة كان إحساسك إيه؟

هنا تحدثت زينات بحرقة حقيقية قائلة: «أنا كنت عاوزة قرايبى اللى كانوا بيلومونى ومتبرئين منى لغاية دلوقتى يشوفونى عشان يعترفوا بيا ومن قلبهم كده يقولوا زينات قريبتنا».

ثم بطاقة انفجارية مفاجئة رفعت رأسها إلى السماء مناجية وداعية بجملة واحدة «اللهم انصر الفنانين على أهلهم اللى مبيعترفوش بالفن».

الحقيقة أن أى شخص شاهد هذا الفيديو القصير من كنوز التليفزيون لا بد أن يشعر بالمرارة الشديدة مما قالته زينات، التى نظرت فى الشاشة نظرة تحد وعتاب مخزون فى صدرها منذ سنوات تجاه هؤلاء المجهولين لنا، المعروفين لها، والذين على ما يبدو قد أذاقوها مرارة النكران وهى التى سخرت كل حياتها لتجميل حياة أهلها.

وإن كنت تريد دليلًا سأحيلك إلى ما قبل هذا المشهد بعشرين عامًا وتحديدًا فى عدد الكواكب ٢٢ سبتمبر ١٩٥٣، حيث كتب الشاعر والكاتب العظيم صالح جودت فى بابه الأشهر فى مجلة الكواكب «أهل الفن فى المرآة» كلامًا كثيرًا عن زينات صدقى، ختمه بقوله «هى شمعة تحترق فى سبيل ذويها، كل حياتها تضحية لأهلها.. وكثيرًا ما ضحت بنفسها فى سبيلهم.. إنها فى نظر الناس ممثلة وفى نظر من يعرفونها إنسانة».

على كل حال انتهى حفل التكريم برضاء تام من زينات، وهى القنوعة دائمًا، وحقق ما كانت ترجوه من تبييض وجهها أمام أقاربها باعتراف كبراء الدولة، ولم يقتصر الأمر على تكريم عبدالقادر حاتم فقط، بل كرمها السادات شخصيًا بعدها بثلاث سنوات فى عيد الفن ١٩٧٦. 

ظلت منتشية بتلك المنحة الربانية لسنتين، بينما تواجه أمراض الشيخوخة التى تحالفت عليها حتى افترستها يوم ٢ مارس ١٩٧٨، لتنهى قصة واحدة من أظرف خلق الله على أرضه وهى زينب محمد سعد الشهيرة باسم زينات صدقى.