رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مجزرة البرد والجوع والرصاص

"إلا الجوع.. هو ما لا أرضاه حتى لـ عدوي" ينسب البعض هذه المقولة إلى كارل ماركس، وإذا دققنا في جوهر المقولة نجدها لائقة على ماركس المعروف بانحيازه المطلق للعدالة والإنسانية.
تداهمك تلك الفكرة عندما تشاهد طوابير أهالينا في غزة وهم ينتظرون شاحنات المساعدات القادمة برا، أو إنزال المساعدات جوًا، تلك المساعدات التي نفذتها مصر والأردن، مأساة الجوع لا توازيها مأساة، صراخ المعدة مؤلم وقاتل، ويزيد عليهما أنه صراخ مُذل يكسر أعناق الرجال الذين طالما تغنوا بالحياة والسعادة. 
منظومة مستحيلة تلك التي يعيشها 2 مليون إنسان لا ذنب لهم إلا أنهم أبناء غزة التي استباحها ضباع الأرض، الجوع القارس يتحالف مع البرد القارس؛ ليكتب صفحة سوداء في سجل الإنسانية، صارت نشرات الأخبار في الفضائيات مصدرًا أساسيًا لـ الغم والكآبة، تدهسك الأخبار وأنت جالس في صالة بيتك، ولك أن تتخيل أبطال هذه الأخبار وهم يعيشون الموت بالجملة والقطاعي، لا تكفي شاحنات المساعدات الأمعاء الخاوية ولا يستر البدن الخيام والملابس الثقيلة التي جاءت لهم من مختلف أنحاء العالم، فوهات البنادق الإسرائيلية المصوبة نحو رأس الغزاوي هي القاتل المفهوم، أما الجوع والبرد فهما القتلة أصحاب اللغز الذي لا يمكن حله بالبيانات الرافضة أو التنديدات الباردة.
وقد تم ترجمة تلك الثلاثية البائسة الجوع والبرد والرصاص، صباح الخميس الماضي، عندما استشهد أكثر من 112 فلسطينيًا، وأصيب نحو ألف مواطن، في مجزرة نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي.
الجريمة تمت في شارع الرشيد غرب مدينة غزة عندما استهدفت دبابات الاحتلال طوابير المواطنين الذين ينتظرون شاحنات المساعدات.
لم يكن الضحايا في نزهة وأصابتهم تلك المصيبة، لكنهم خرجوا في طوابير الذّل بعد أن استحكم الحصار والتجويع المستمر لهم منذ إعلان الاحتلال حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، لذلك المأساة مضاعفة من لم يمت بالجوع والبرد، فالرصاص الغادر جاهز لإعلان الموت على كل شبر في القطاع.
المجزرة الكارثة أطلقوا عليها اسم "مجزرة الطحين" أو "مجزرة المساعدات" هذه المجزرة لم تنتظر تنديدًا عربيًا ودوليًا، لأنها ببساطة كتبت شهادة وفاة الضمير العالمي، ووضعت الأختام على هذه الشهادة وصارت المطالبة بوقف القتل والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين مجرد تحصيل حاصل.
المكتب الإعلامي الحكومي بغزة يرى أن الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي والاحتلال والمنظمات الدولية يتحملون جميعًا مسئولية قتل المدنيين في ظل تجويعهم على يد الاحتلال.
ذات المكتب قال، في تصريح صحفي: "كان لدى الاحتلال النية المبيتة لارتكاب هذه المجزرة المروعة، حيث قام بعملية إعدام هؤلاء الشهداء بشكل مقصود ومع سبق الإصرار والترصّد في إطار الإبادة الجماعية والتطهير العرقي لأهالي قطاع غزة، كما أن جيش الاحتلال كان يعلم أن هؤلاء الضحايا كانوا قد وصلوا إلى هذه المنطقة للحصول على الغذاء وعلى المساعدات، إلا أنه قتلهم بدم بارد".
ندخل على شهر رمضان ومفاوضات وقف الحرب ولو في شكل هدنة، ما زالت تراوح مكانها، وعلينا أن نستعد لتكون موائد الإفطار منقوشة بالجماجم وعصير الدم، الكارثة كبرى ورد الفعل صغير، فهل ننتظر حتى يطل علينا العنصري بن غفير؛ ليعلن انتصاره عندما تنجح أوهامه في الإبادة أو التهجير، لا أمتلك حلًا واضحًا، ولكنني أمتلك العدل الواضح، وأضعف الإيمان هو الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل عدد من الدول الوازنة عالميًا،  مصر الكبيرة وأشقاؤها العرب وعدد من الدول الأخرى أخرجوا اللقمة من أفواه شعوبهم وأرسلوها إلى غزة، مصر الكبيرة وأشقاؤها نظموا المبادرة تلو الأخرى وجاء رد إسرائيل علينا بـ مذبحة الطحين، وتنجح إسرائيل في ضرب المثال النموذجي لما يجب أن تكون عليه العنصرية والاستعمار.