رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كأنها خريطة تُعيد رسم خطوطها

عماد أبوزيد
عماد أبوزيد

«الحبيبة غير قابلة للسرقة ولو بالإكراه»، هذا ما أكده أشرف فى دفاعه، عندما اتهمه ربيع بسرقة خطيبته منه فى المسلسل التليفزيونى «نصف ربيع الآخر»، حين شاهدته فى مقهى «ابن البلد» وسط دخان السجائر والنرجيلات المتزاحم فى سحب متدرجة الطبقات، إلى جانب الشاى والبندق الساخن، وألعاب النرد؛ وعلى الرغم من تعاقب المسلسلات، فإن أشرف ظل يطاردنى برده، موقفًا الزمن بى عند حنان وقت أن نزعت يدها من يدى فى آخر مرة التقيتها، وباعدت وركها عن وركى، وكأنما جاءت لتشقينى. 

انطلق لسانها:

- أريدك أن تتخذنى صديقة لك فقط.

نقش الغضب خطوطه وظلاله على وجهى، التفت ساقى بالأخرى، وأنا أقلب صفحات المجلة التى كانت معى، وفى ثقة تغلفها نبرة صوت مفعمة بالشجو قلتُ:

- لك مطلق الحرية.

أخذت تتفرس ملامحى جيدًا، وكأنها لن ترانى بعد اليوم. مكثت صامتًا حتى مسحت بيدها على وجهى، وأغرقتنى فى الحديث معها. كانت يدها فى يدى تتسلل إليها رعشة خفيفة، وومضة حزن تبرق فى عينيها، إلى أن قالت فى صوت باك، يرزح تحت جبل عظيم من الأسى:

- حبى الكبير لك هو الذى يحول بيننا. 

- هونى على نفسك.

احتضنتها؛ وضعت يدها على شفتىّ، وبعاطفة مشبوبة أمسكت بيمينى بشدة، تنظر فيها بتفحص، تتمسحها بيدها الأخرى بحميمية حتى بدت كأنها خريطة تعيد رسم خطوطها، ثم رفعتها إلى ثغرها. كانت شفتاها تنضحان بلون الشفق، خلفتا أثرًا على يدى. وقالت فى صوت يذوى:

- مثلى غير جدير بك.

مضى بعض الوقت فى صمت، خطت فيه أقدامنا الشارع متثاقلة نحو المحطة، وعلى مرمى البصر زاغت عيناها إلى وجه الشمس المحتقن بالدماء ساعة انحدارها إلى البر الغربى. بدت الشمس لها واحة عظيمة للفناء، لذا كان لزامًا عليها أن تقول:

- ليتك لم تعلمنى الحب.

يهتز القطار بعنف، يعلو صخبه على همهمات الركاب، التى لا تفارق الغبار المذعور أمام عجلاته، وصوتها يصير واهنًا للغاية، وهى تبوح بشىء جديد لأول مرة.