رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دولاراتنا فى الخارج

لست متخصصًا فى الاقتصاد، لذلك سأعتبر هذه مجرد رسالة من مواطن لرئيس الوزراء ولوزير الاتصالات معًا.. إن هذه الرسالة بخصوص أهم شىء يشغل بال المصريين هذه الأيام، وهو «العملة الصعبة» أو الدولار الذى نستخدمه فى سداد احتياجاتنا من الواردات والتزاماتنا الأخرى، كما نعرف جميعًا.. إننا نحسب كل دولار يدخل لمصر بالسنت أو بالمليم على حد التعبير الشائع، لكننا لا نحسب الدولارات التى تخرج من مصر، ويمكننا أن نتجنب خروجها إذا أردنا.. إن ما سأقوله عن طريقة خروج هذه الدولارات ليس من بنات أفكارى، لكنه حصيلة مناقشة مع زميل قديم فى التوفيقية الثانوية قابلته صدفة بعد عقود وجمعنا نقاش طويل.. قال لى الزميل: هل تعلم أن التطبيقات الإلكترونية تتسبب فى خروج ملايين الدولارات من مصر كل عام؟.. ماذا يعنى هذا؟ أنا سأشرح.. أنا وأنت وكلنا نمسك منذ سنوات فى يدنا بالهاتف المحمول.. نفتح متجر التطبيقات ونقوم بتحميل تطبيقات إلكترونية تقدم لنا خدمات مختلفة، هذه الخدمات ليست مجانية.. نحن ندفع مقابلها جنيهات مصرية، ولكن الشركة المالكة للتطبيق تحول هذه الجنيهات فى آخر العام لدولارات، ومن البنك لا من السوق السوداء، بل إنها تحصل على دولار مقابل كل ٣١ جنيهًا تقدمها للبنك، لا مقابل السعر الأغلى فى السوق السوداء.. هناك مثلًا تطبيقات الركوب الشهيرة التى تملكها شركات غير مصرية تحصل على نسبة ٢٥٪ عمولة من كل سائق مقابل إدراجه فى التطبيق.. كل مئة جنيه مصرى تدفعها لسائق ضمن تطبيق معين، يخرج منها ٢٥ جنيهًا فى صورة دولارات.. رسمى وبالقانون.. وإذا امتنع أى طرف عن تحويل الأرباح لدولارات، يكون مخالفًا لقوانين الاستثمار الأجنبى.. أنا طبعًا من أشد أنصار الاستثمار الأجنبى.. لكننى أحب ذلك النوع الذى يجلب لمصر دولارات فى شكل عائدات تصدير، لا الذى يحول السوق المصرية لحصالة دولارات.. ينطبق نفس الأمر على تطبيقات أخرى مثل تلك التى توفر للمستهلك الطلبات التى يريدها، أو الأسواق الإلكترونية، أو تطبيقات شراء البضائع.. كل هذه التطبيقات، وغيرها عشرات تحصل على عمولة من الزبون المصرى بالجنيه، ولكن لأنها شركات أجنبية فهى تحولها إلى دولار بالقانون وترسلها إلى حساب الشركة الأم، إن كل هذه الشركات العالمية المعروفة هى قريبة ونسيبة المؤسسات المالية الغربية الشهيرة التى تمنحنا القروض لسد عجز العملة الصعبة.. وكأنهم يعطوننا باليمين، ويستردون الدولارات بـ«الشمال».. إن ما أتحدث عنه هو ببساطة الاقتصاد الرقمى، الذى أصبح عملاقًا أثناء أزمة كورونا وواصل نموه بعد ذلك باطراد، وأنا لا أعنى هنا أن أزمة كورونا كانت مصنوعة لإعطاء الفرصة لتطبيقات الشراء الرقمى التى كانت السبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة فى شهور الإغلاق.. هذه نظرية مؤامرة.. وأنا لا أؤمن بالمؤامرة إلا قليلًا جدًا.. السؤال المهم الآن.. له شقان.. أولهما هل لدى مركز معلومات مجلس الوزراء دراسات حديثة عن حجم الاقتصاد الرقمى فى مصر؟ والشق الثانى هو: هل نستطيع تقليد نسخة مصرية من هذه التطبيقات تكون ملكيتها لشركات مصرية، ويعاد استثمار أرباحها فى مصر؟ لا أظن الموضوع صعبًا بكل تأكيد، لأن هناك شركات شهيرة جدًا فى أمريكا وأوروبا دورها هو سرقة أفكار التطبيقات الحديثة وتقليدها فى دول إفريقيا وآسيا.. فلماذا لا تكون لدينا نسخ وطنية من هذه التطبيقات؛ حتى لو استعنا بالخبراء الأجانب فى ابتكارها.. لا يتوقف نزيف الدولارات عند أموال مصر التى تتحول لدولارات فقط عبر التطبيقات الإلكترونية، ولكن هناك نقطة أخرى لا ينتبه لها الكثيرون.. أنت تسمع عن أن هذه الدولة قد منحت الجنسية للنجم فلان، والإقامة الذهبية للنجم فلان، وأهدت منزلًا للمطرب فلان.. يقول صديقى إنه بجانب الدعاية المباشرة، والهدف السياسى والترويجى، فإن حسابات المشاهير على «يوتيوب»، وغيرها من وسائل التواصل تدر آلاف الدولارات يوميًا، هذه الدولارات يتم تحويلها على حساباتهم فى بنوك تلك البلاد التى تستضيفهم أو تخبرهم بأنهم صاروا من مواطنيها.. من المهم جدًا أن يحتفظ مشاهير الممثلين والمطربين بحساباتهم كلها فى البنوك المصرية.. لأن حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعى تشكل مصدرًا مباشرًا للعملة الصعبة، فهل يتأكد السيد رئيس الوزراء من هذا؟ وهل يمكن أن نقترح على وزير المالية التراجع عن فكرة تحصيل الضرائب على أرباح وسائل التواصل؟.. نحن فى هذه المرحلة نريد تحويل العوائد بالعملة الصعبة إلى بنوك مصر فقط؛ دون ضرائب ولا يحزنون.