رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصريتنا.. والظهير الفكرى للرئيس

جولة جديدة من جولات الحوار الوطنى تبدأ فعالياتها لمواصلة المزيد من الجهود للتعامل مع الأزمات ذات البُعد المحلى والإقليمى والعربى والدولى التى تفرض تبعاتها على الواقع، وحيث قرر الرئيس اعتماد كل المخرجات والتوصيات التى تصل إليها لجان الحوار ما لم يكن الأمر فى حاجة لتشريعات من الضرورى العودة للبرلمان لاعتمادها.
ويكفينى ويسعدنى كمواطن مصرى الإحساس بالتفاؤل والرضا بمنح جلسات الحوار الفرص الرائعة لأن نتعرف على أهالينا فى الأحزاب الوطنية المصرية وفكرهم وطموحاتهم السياسية بتنوع كنا ننشد طرحها على أرضية المشاركة الوطنية، بدلًا من اتهامهم بأنهم أحزاب كرتونية، وبعد أن كنا نفتتح منتدياتنا السياسية وبرامجنا التليفزيونية بأن نطرح ذلك السؤال المهين باستظراف ممجوج مثل: مين يقدر يقول لنا أسماء أربعة أحزاب فقط من بين أكثر من مائة حزب لدينا؟، ويرد الظريف الآخر عبر أحاديث مملة مكررة «يا إخواننا ده كل اللى عنده أوضة فاضية عمل بيها حزب».. وهكذا كنا نتبادل وصلات التهكم الخايبة دون أن نسأل أنفسنا السؤال الأهم «وهل وجدت تلك الأحزاب الفرصة للعمل على الأرض ولم تشارك كى تنمو فعالياتها وتكون قادرة على توسيع مساحات فعل أحزابها لتصبح غرفتين وصالة بمنافعهم؟!.. فكل الشكر للحوار الوطني، ويا أحزابنا لديكم الفرصة للمشاركة والتفاعل الوطنى والسياسى على كل طاولات الحوار.
أذكر بالمناسبة، أنه وعقب نشوب حادث طائفى شهير فى الزمن المباركى، تنادى أهل الحل والربط وعُقد اجتماع على وجه العجل حضره وجهاء نخب الكتابة وأشاوس التنظير «المُناسباتى»، وخرج المجتمعون على إثره بـ26 توصية (أى والله 26 توصية) من بينها 15 توصية موجهة للحكومة و6 توصيات للصحافة والإعلام، أبرزها تجريم الخطاب الطائفى و4 توصيات للمؤسسات الدينية وتوصيتان للأحزاب السياسية، أوجز إجمالى أفكارها فى المحاور التالية:
الأول: على النخب التى يجب أن تدير حوارًا فيما بينها أن يتواصوا بالحق، وأن يكون لديهم وعى بخطورة الاستخدام الطائفى حتى يعود الجميع إلى جادة الصواب. 
الثاني: الرادع المؤسسى، بما يعنى ضرورة تفعيل مواثيق الشرف الصحفى وتوقيع جزاءات على الخارج عن هذا النهج من النقابات. 
الثالث: الصحافة المصرية لم تكن على المستوى المطلوب فى معالجاتها المتوالية لأحداث النزاعات الطائفية عندما تناولت موضوعات مثل الأسلمة والتنصير كوسيلة لإحراز تنويعات صحفية غير مسبوقة، وبعد عقد من الزمان أو يزيد من عقد اجتماعات تلك المكلمات والكتابات، ازدادت على الأرض وتيرة المحاربات الطائفية والمذهبية المتصاعدة من حالة دعم الكراهية إلى ممارسة العنف والمواجهات الغبية الإرهابية الخطيرة على أساس اختلاف الهوية الدينية والمذهبية. 
بقدر سعادتى كمواطن مصرى بإحياء المناقشة حول موضوع إنشاء مفوضية لعدم التمييز، بل والموافقة على أهمية دور تلك المفوضية وجدارة المنصة فى إدارة الحوار حول مشروع كان ينبغى إنجازه فى أول دورة برلمانية وفق ما جاء فى الدستور، إلا أننا ما زلنا فى انتظار تفعيل ومناقشة تأسيسها، بل وكيف الوصول إلى إصلاح الخطاب الثقافى والدينى والإعلامى؟ 
كيف السبيل لمواجهة الفكر الظلامى والاعتراف بوجوده المؤثر الذى تم تربيته فى أحضان نظم وحكومات فى الداخل والخارج على مدى ما يقارب القرن من الزمان؟
ولعل من القضايا التى نحلم أن تناقش على طاولة الحوار الوطني، الإجابة عن السؤال: كيف السبيل لإعادة كتابة التاريخ المؤكد لدعم الهوية والمؤسس لبناء حاضر غير مشوه، والداعم لحلم بمستقبل يؤهلنا للحضور الحضارى الذى نستحقه.
ونذكر- على سبيل المثال- مسألة تجاهل اللغة وتناسى االتاريخ القبطى فى المناهج الدراسية وإسقاط 6 قرون كان حضور المواطن المصرى القبطى هامًا ورائعًا، وكان ينبغى دعم مؤسسات الدولة العلمية والتعليمية لإنشاء أقسام فى كل الجامعات للبحث والتدقيق فى الإضافات الفكرية والعلمية واللغوية والحضارية للعصر القبطى.. ومعلوم اهتمام كثير من الجامعات ومراكز البحث التاريخية فى العالم بالتناول العلمى والحضارى لتلك الفترة.
وجدير بالذكر أن علم القبطيات يتم تدريسه كجزء أساسى من دورة الدراسات الشرقية أو كدرجة مزدوجة مع علم المصريات فى الجامعات التالية: جامعة برلين الحرة، جامعة غوتينغن، جامعة لودفيغ ماكسيميليان فى ميونخ، جامعة مونستر، جامعة جنيف، الجامعة الكاثوليكية الأمريكية وغيرها من مراكز البحوث فى العالم.
جاء فى مقال هام للكاتب والشاعر والمفكر المصرى العتيد أحمد عبدالمعطى حجازى بجريدة الأهرام تحت عنوان «القبطية لغتنا.. والعربية أيضًا!».. كتب: «الدراسات القبطية لا تهم العلماء المختصين فيها وحدهم، ولا تهم المسيحيين المصريين فحسب، وإنما تهمنا جميعًا مسلمين ومسيحيين، مختصين وغير مختصين، مثلها مثل الدراسات الإسلامية والدراسات الفرعونية التى تتناول جوانب أخرى فى مراحل حضارية عاشت على أرض المحروسة ومراكز أبحاثها».
ويشير «حجازى» إلى أن اللغة العربية الدارجة التى يتكلمها المصريون مزيج من عناصر عربية ومصرية، وعمارة المسجد متأثرة بعمارة الكنيسة، والخزف الفاطمى امتداد للخزف القبطى، والتصوف الإسلامى متأثر بالتصوف المسيحى المصرى.
ويؤكد: لقد أصبحت اللغة القبطية الآن لغة ميتة لا تستخدم إلا فى الصلاة مثلها مثل اللاتينية، فالذين يدعون لإحيائها واهمون، والذين يتبرأون منها متعصبون، فإذا كان موت القبطية يحول بيننا وبين استخدامها فى حياتنا اليومية ونشاطنا العقلى، فهو لا يحول بينا وبين دراستها، وليس مفهومًا أن يهتم العالم بالقبطية وأن نتجاهلها نحن وننساها، وإذا كنا ندرس السريانية والحبشية والسواحلية فى جامعاتنا، فالقبطية أحق بهذه العناية وأولى.