رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قرابة المائة عام فى صنع التاريخ السينمائى

 

فى الاحتفال بميلاد يوسف شاهين الـ98، وبعد سنوات من رحيله، علامة مميزة من علامات السينما العالمية بما قدمه من أفكار وتصورات جريئة ليس لها علاقة بالدراما المبتذلة بل يملك مدرسة خاصة تتميز بأسلوب ورؤية متحضرة، تلك التى نتج عنها 37 فيلمًا طويلًا وستة أفلام قصيرة، تميزت بوجهات النظر المختلفة عن المعتاد فى الأعمال السينمائية الأخرى من حيث الشكل والتكوين والمضمون، مر المبدع الكبير بعدة مراحل فنية فى مشواره الإبداعى، لم تتوقف مسيرته بسبب مواقفه الاجتماعية والسياسية الواضحة التى عبرت عنها أفلامه، مؤشرًا عن طريقته الفريدة التى مثلت منهجًا فى عالم السينما، قدم فى فترة الحروب المتتالية واختلاف وجهات النظر وانتماء البعض لأيدولوجية مختلفة عن الآخر، تم تصنيف الأفلام السينمائية على أساس فكرى أيدولوجى، فهذا المخرج أو ذاك المؤلف يسارى والآخرون يصنعون أفلامًا موالية للسلطة الحالية ومخرج آخر يتم تصنيفه على أنه المعارض الساخر كما حدث بالفعل على أرض الواقع، ولكن بالنسبة إلى يوسف شاهين فقد انتمى إلى فئة المعارض الاجتماعى الذى ينتقد أحوال المجتمع المحيطة فى كل فترة من فترات تاريخ مصر، وطنى يعشق مصر ويكره أعداءها ممن يمتصون دماء شعبها.
ظهرت أفكار شاهين الاجتماعية والسياسية فى عدة أفلام قدمها للجمهور العربى والعالمى تتضمن أفكاره تلك كما فى فيلم «الأرض» عام 1969 الذى يوضح وجهة نظره ونظر العالم لسوء أفعال الاحتلال فى هذه الفترة وما قاموا به من أفعال مشينة لا يحتاج المشاهد الأجنبى ترجمة بلغته أسفل الشاشة ليدرك أن هؤلاء محتلون والآخرون مقهورون تحت وطأتهم وتوالت الأعمال التى تنتقد الأحوال السياسية والاجتماعية مثل جميلة بو حريد وفجر يوم جديد والاختيار والعصفور إلى أن وصل  إلى مرحلة من النضج والجرأة التى لا يقو عليها معظم مخرجى الشرق الأوسط وهى مرحلة أفلام السيرة الذاتية متأثرًا بأفلام الإيطالى فريدريكو فيللينى الذى يرى أن كل الأفلام هى سيرة ذاتية، على عكس ما هو متعارف عليه أن أدب وفن السيرة الذاتية من الفنون التى يتجنب المبدعون الخوض فى تجربتها ولكن هذا النوع من الأفلام قد جذب يوسف شاهين الذى اتخذه نمطًا فى التعبير السينمائى، إذ أُتيحت له رؤية ذاته وعالمه الخاص وليس كما تقدم السينما أعمالًا عن قصص حياة الشخصيات التاريخية والخالدة، بل هذه التى تجعل الذات موضوعًا ومضمونًا فى الوقت نفسه لفيلم واحد أو عدد من الأفلام، وبدأ شاهين رباعيته المعروفة بأول أجزائها «إسكندرية.. ليه؟» 1979 ثم «حدوتة مصرية» 1982 و«إسكندرية كمان وكمان 1989» و«إسكندرية نيويورك 2004» واقتبس أشياء من سيرته الذاتية المبكرة والمتأخرة ونثرها فى فيلميه الأخيرين «المهاجر» 1994 عن هجرته إلى أمريكا و«المصير» 1997 مجسدًا أزمته مع فيلمه «المهاجر» الذى رأى فيه بعض من المتطرفين مساسًا بشخصية النبى «يوسف»، عليه السلام، وأقاموا دعوى قضائية تطالب بعدم عرض الفيلم، ويُصاب شاهين بضيق حقيقى لما يحدث لحرية التعبير من اختناق وتضييق فى مصر، فيخرج فيلمه التالى «المصير» عن زمن «ابن رشد» مرتحلًا هذه المرحلة إلى الأندلس، حيث تعيش ظروف الوضع المشابه. ويحذر شاهين فى فيلمه من التعصب والتكفير.
من المؤكد هو إصابة شاهين بعقدة نفسية حركت مكامن الإبداع داخله ما دفعه إلى الاحتذاء بالإيطالى فريدريكو فيللينى بعد واقعة شهيرة حدثت بعد إطلاق فيلم «الناصر صلاح  الدين» ليوسف شاهين والضجة التى دارت حوله، حتى أصدر فللينى فيلمه «ثمانية ونصف» الذى حصل على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبى، ما دفع شاهين للبحث عن السر وراء احتفاء العالم بفيلم فيللينى إلى أن أقدم على الخطوة نفسها بعد 16 عامًا من الواقعة من خلال تقديم أول أفلام السيرة الذاتية «إسكندرية ليه» عام 1979 ويليه فيلم «إسكندرية كمان وكمان» الذى تتشابك فيه الكوميديا الموسيقية بالتسجيلية الاجتماعية والفانتازيا والهزل، وكل ذلك والمخرج منهمك بالبحث عن الحقيقة ومعرفة الذات إذ يعد المعادل لفيلم فيللينى «ثمانية ونصف».
كما صنع شاهين عالمًا من الموسيقى والألوان فى أفلامه مثل «اليوم السادس» و«عودة الابن الضال» و«إسكندرية كمان وكمان»، الأفلام التى تضمنت هذا النوع الفريد من الموسيقى العبثية والكرنفالية التى يقابلها من أفلام فيللينى كازانوفا ولا ستراد وثمانية ونصف، وغيرها من الأفلام التى تضمنت العبث الغنائى المحبب.