رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عيب كده.. احنا بنكتب!

بمناسبة معرض الكتاب فقد شهد هذا العام عددًا غير قليل من إصدارات الشبان الجديدة فى مجال الرواية والقصة والشعر، ولقد تعامل البعض بخشونة مع فرح الشبان بأعمالهم الأولى، والتقاطهم الصور وهم يضمون كتبهم إلى صدورهم، بدعوى أن أحدًا لا يقرأ شيئًا من كل ذلك، وأن عدد الأدباء على منصات الندوات كان فى معظم الحالات يفوق عدد الحاضرين فى القاعة.

لكنى أعتقد أن من الضرورى أن نفرح مع الشبان وبهم، لأن الحكم القاطع على المواهب من الأعمال الأولى ينطوى على إجحاف عظيم، وهناك أدباء عظام إذا قرأت الآن أعمالهم الأولى ستدرك أن الخطوات المبكرة لا تفصح عن كل قدرات الكاتب. وقد حذر الكاتب الروسى العظيم أنطون تشيخوف مبكرًا من «تحطيم الأجنحة الشابة»، لذلك يحق للشبان أن يفرحوا وعلينا أن نفرح معهم وبأعمالهم حتى لو لم توافق هوانا. 

من ناحية أخرى فإن المشكلة قد لا تكون فى الأدباء، ولا فى أعمالهم، لكن فى القراء الذين كفوا عن القراءة من زمن، وقد تعرض إبراهيم عبدالقادر المازنى لتلك المشكلة حين كتب عام ١٩٢٤ فى مقدمة كتابه «حصاد الهشيم» يقول: «هذه مقالات مختلفة.. وقد جمعت الآن وطبعت، وهى تباع المجموعة بعشرة قروش لا أكثر. ولست أدعى لنفسى فيها شيئًا من العمق أو الابتكار أو السداد، ولا أنا أزعمها ستحدث انقلابًا فكريًا فى مصر، أو فيما هو دونها، ولكنى أقسم لك أنك تشترى عصارة عقلى وإن كان فجًا، ومجهود أعصابى وهى سقيمة، بأبخس الأثمان! 

وتعال نتحاسب: إن فى الكتاب أكثر من أربعين مقالًا تختلف طولًا وقصرًا وعمقًا وضحالة، وأنت تشترى كل أربعة منها بقرش! ثم إنك تشترى بهذه القروش كتابًا، هبه لا يعمر من رأسك خرابًا، ولا يصقل لك نفسًا، فهو على القليل يصلح أن تقتل به ساعات الملل، أو هو على الأقل زينة على مكتبك، على أنك قد لا تهضم أكلة مثلًا فيضيق صدرك وتشعر بالحاجة إلى التسرية وتلقى أمامك هذا الكتاب فالعن صاحبه وناشره ما شئت! ثم أنت بعد ذلك تستطيع أن تبيعه وتنكب به غيرك! أفقليل كل هذا بعشرة قروش؟».

وقد مر على سطور المازنى تلك نحو مائة عام تقريبًا، لم تختلف خلالها علاقة القراء والقراءة بالأدباء وكتبهم! وهى العلاقة التى زادها تعقدًا ارتفاع كلفة الطباعة، مع غزو الثقافة المرئية، وما أتاحته من التلقى السهل السريع للمعلومات والأفكار مع نسبة الأمية المرتفعة، وأضف إلى كل ذلك استغراق الأدب فى معظمه إلى التفتيش فى «الهموم الذاتية»، والتراجع الواضح فى العلاقة بين الأدب وقضايا المجتمع ومشكلاته الحيوية، ما أدى إلى انصراف القراء عن الكتب التى لا تتناول هموم الحياة الحق. وبذلك الصدد كتب بريخت يقول: «لماذا يهتم الناس بكلماتى إذا كانت كلماتى لا تهتم بهم؟!». إذن نحن أمام ظاهرة أكبر من التناول المحصور فى إلقاء اللوم على كتب لا يقرأها أحد، أو أدباء يقفون فى صور وهم يضمون كتبهم إلى صدورهم. القضية أكبر من هذا، وهى ذات جوانب متعددة، آخرها إلقاء اللوم على المحاولات الأولى للشبان. وربما آن الأوان لكى يصرخ الشبان فى وجوه القراء: «عيب كده.. احنا بنكتب»! ربما يصل الصوت إلى الآخرين، ويستمر الإبداع، ونفرح بالكثير مما نتفق أو نختلف معه، ونظل نبارك الخطوات الأولى، ونشد على أيادى المبدعين.