رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى مواجهة العاصفة| دراسة أمريكية: «حرب غزة» تسببت فى أضرار بالغة للاقتصاد المصرى.. والحكومة تبذل جهودًا هائلة لحل الأزمة

غزة
غزة

- القاهرة تشدد سياساتها النقدية والمالية للحصول على تمويلات إضافية وتستمر فى دعم خطط النمو السياحى والاقتصادى طويلة المدى

- الحكومة تواصل تنفيذ المشروعات العملاقة لتوسيع قطاع السياحة وحركة المرور البحرية فى قناة السويس

تأثيرات اقتصادية هائلة، تسبب فيها العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، على البلدان الثلاثة مصر والأردن ولبنان، فى وقت يشهد الاقتصاد العالمى بالأساس موجة تضخمية كبرى، لتجىء تلك الحرب وتشكل ضغطًا مضاعفًا على اقتصاد المنطقة.

وأصدر مركز ستراتفور الأمريكى للدراسات الاستراتيجى والأمنى، الذى يعد إحدى أهمّ المؤسسات الخاصة التى تعنى بقطاع الاستخبارات، تقريرًا، يشرح خلاله أبعاد تلك التأثيرات الاقتصادية على تلك الدول، خاصة مصر، فى ظل الضغوط التى عانى منها اقتصادها من قبل الحرب، وهى الأبعاد التى نستعرضها خلال السطور التالية:

%40 انخفاضًا فى إيرادات قناة السويس بسبب هجمات الحوثى.. ودعوات المقاطعة تضر بالآلاف 

ذكر المركز، فى تقريره، أن الحرب بين «حماس» وإسرائيل، تلحق الضرر باقتصادات مصر والأردن ولبنان، لكن حصول القاهرة وعمان على قروض صندوق النقد الدولى، يعنى أنهما فى وضع أفضل من بيروت، من أجل الصمود فى وجه العاصفة.

وأضاف أنه مع اقتراب الحرب بين إسرائيل وحماس من شهرها الخامس، أصبحت الخسائر الاقتصادية التى تخلفها الحرب على الجيران الإقليميين أكثر وضوحًا، حيث أعرب صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، عن قلقهما بشأن التأثير الاقتصادى الذى قد يخلفه صراع مستمر على اقتصادات مصر ولبنان والأردن، بسبب قربها الجغرافى والمخاطر المباشرة لانتشار الآثار.

فى حين انتعش بعض القطاعات، بما فى ذلك قطاع الطاقة، بعد الصدمة الأولية لاندلاع حرب غزة، خلفت حالة عدم اليقين الإقليمية، آثارًا دائمة على صناعات السياحة والنقل والخدمات فى المنطقة. 

وذكر المركز أن الأمم المتحدة قدرت أن الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب، كلفت مصر والأردن ولبنان، بشكل تراكمى ١٠.٣ مليار دولار، على الرغم من أن التكلفة ستستمر فى النمو، مع احتدام الحرب بين إسرائيل والمقاومين الفلسطينيين.

وبيّن أن عدم اليقين الإقليمى أثّر سلبًا على السياحة والنقل فى الأردن ومصر ولبنان، كما أن عدم اليقين بشأن موعد انتهاء الحرب والمخاوف المتزايدة حول توسعها المحتمل، وسط الضربات البحرية الحوثية والتبادلات عبر الحدود بين حزب الله وإسرائيل، أثرت سلبًا على قطاعى السياحة والنقل فى مصر ولبنان والأردن منذ بدء الصراع، فى ٧ أكتوبر. 

وأشار إلى أنه منذ منتصف نوفمبر، يهاجم المسلحون الحوثيون المدعومون من إيران فى اليمن، السفن التى تعبر البحر الأحمر وخليج عدن، ما أدى إلى تحويل حركة الشحن عن المنطقة.

وتابع: «أثرت الاضطرابات الناتجة عن ذلك على قطاع النقل عبر قناة السويس، مما أدى إلى زيادة تكاليف الشحن وانخفاض الإيرادات المصرية من الممر المائى الرئيسى».

وأكمل: «على الرغم من أن الحكومات المصرية واللبنانية والأردنية دعمت القضية الفلسطينية، من خلال تقديم المساعدات وانتقاد تصرفات إسرائيل فى غزة، زادت المشاعر المؤيدة للفلسطينيين بين مواطنيها، وزاد ذلك من التداعيات الاقتصادية من خلال تحفيز حركات المقاطعة ضد العلامات التجارية الغربية، ما أدى إلى فقدان الوظائف وخفض ساعات العمل للعمال المحليين».

وبيّن أن الاقتصادات الثلاثة تكافح بالفعل قبل بدء الحرب بين حماس وإسرائيل، بسبب ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض عائدات السياحة بسبب جائحة «كوفيد- ١٩»، وارتفاع تكاليف استيراد الحبوب بسبب حرب أوكرانيا. وعلى هذه الخلفية، توصل صندوق النقد الدولى إلى اتفاقيات قرض مع مصر والأردن فى ديسمبر ٢٠٢٢ ويناير ٢٠٢٤، على التوالى. 

وقال: «بينما توصل لبنان أيضًا إلى اتفاق مبدئى مع صندوق النقد الدولى فى أبريل ٢٠٢٢، لم يتمكن الصندوق من الانتهاء من الاتفاق بسبب عدم قدرة بيروت على إجراء الإصلاحات المطلوبة».

وأضاف أن قطاع السياحة أنتج ١٢٪ من الناتج المحلى الإجمالى لمصر فى عام ٢٠٢٣، و١٤.٦٪ و٢٤.٧٪ من الناتج المحلى الإجمالى للأردن ولبنان، على التوالى، فى عام ٢٠٢٢. وخلال الشهر الأول من الحرب، انخفضت الرحلات الجوية الدولية إلى مصر بنسبة ٢٦٪، وإلى الأردن بنسبة ٤٩٪، وللبنان بنسبة ٧٤٪ مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضى، كما كشفت الصحف المحلية فى الأردن ولبنان، عن انخفاض كبير فى إشغال الفنادق فى أعقاب الحرب، فى حين كان التأثير على الفنادق المصرية أقل.

وفى ديسمبر، توقع مرصد العمل الأردنى أن يتم فقدان ١٥ ألف وظيفة فى البلاد، نتيجة للمقاطعة المناهضة لإسرائيل والمعادية للغرب للشركات الدولية، مثل ماكدونالدز وستاربكس، وحذر من أن عدد فقدان الوظائف قد يرتفع إذا استمرت المقاطعة. كما كشف الموظفون المصريون الذين يعملون لدى علامات تجارية عالمية، عن اضطراب ساعات العمل والإجازات غير مدفوعة الأجر وتسريح العمال بسبب المقاطعات المماثلة.

وفى الفترة من ١ إلى ١١ يناير انخفضت إيرادات قناة السويس المصرية بنسبة ٤٠٪، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضى، فى حين انخفضت حركة الشحن بنسبة ٣٠٪، بسبب خطر الهجمات البحرية الحوثية. 

وتعتبر التجارة عبر الممر المائى مصدرًا مهمًا للإيرادات بالنسبة لمصر، حيث حققت قناة السويس رقمًا قياسيًا قدره ٩.٤ مليار دولار فى السنة المالية المنتهية فى ٣٠ يونيو ٢٠٢٣.

وفى ديسمبر ٢٠٢٢، توصل صندوق النقد الدولى إلى اتفاقية قرض بقيمة ٣ مليارات دولار مع مصر؛ وفى المقابل، وافقت القاهرة على الانتقال إلى سعر صرف مرن، واتخاذ إجراءات لخفض التضخم وتوحيد الديون، وفى يناير، توصل صندوق النقد الدولى أيضًا إلى اتفاقية قرض بقيمة ١.٢ مليار دولار مع الأردن؛ وفى المقابل، وافقت عمان على مواصلة ضبط أوضاعها المالية وزيادة الاستثمار الخاص لتوسيع قطاع الأعمال فى الأردن.

الحكومة تسعى لكبح التضخم وزيادة الاحتياطى الأجنبى.. وصندوق النقد يدرس توسيع قرضه إلى القاهرة

قال المركز إنه فى الأشهر المقبلة، من المرجح أن تشدد مصر السياسات النقدية والمالية، للحصول على تمويل إضافى من صندوق النقد الدولى، مع الاستمرار فى دعم خطط النمو السياحى والاقتصادى طويلة المدى.

وأضاف أنه على الرغم من الرياح الاقتصادية المعاكسة المستمرة، ستواصل مصر متابعة المشاريع العملاقة المصممة، لتوسيع قطاع السياحة وحجم حركة المرور البحرية، التى يمكن أن تعبر قناة السويس. 

وتابع: «على الرغم من أن مصر تريد من الحوثيين اليمنيين أن يوقفوا هجماتهم على السفن فى البحر الأحمر، لإعادة الأعمال إلى قناة السويس، فإنه من غير المرجح إلى حد كبير أن تشارك القاهرة فى دوريات بحرية إلى جانب عملية (حارس الرخاء) التى تقودها الولايات المتحدة؛ خوفًا من إثارة تصعيد إقليمى أوسع لن يؤدى إلا إلى مواصلة تحويل العبور». وقال إنه للسبب نفسه، ستتجنب مصر أيضًا اتخاذ أى عمل عسكرى ردًا على المضايقات البحرية التى يمارسها الحوثيون، مثل شن ضربات ضد أهداف الحوثيين فى اليمن.

وذكر أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة شنتا ضربات ضد الحوثيين، فإن القاهرة لم تشارك فى التحالف الذى تقوده الولايات المتحدة أو فى الضربات العسكرية ضد أهداف الحوثيين فى محاولة لتجنب التورط فى أى تصعيد.

وأكمل: «هجمات الحوثيين المستمرة وحرب غزة ستستمر مع ذلك فى التهام احتياطيات الحكومة من النقد الأجنبى، التى كانت منخفضة بالفعل قبل اندلاع الصراع، من خلال تناقص مصادر العملة الأجنبية».

وأضاف أن القاهرة ستواصل البحث عن مصادر تمويل إضافية لدعم اقتصادها، حيث أشار صندوق النقد الدولى إلى أنه سيكون على استعداد لتوسيع قرضه الحالى، إذا شددت القاهرة السياسات النقدية والمالية، واتخذت خطوات نحو اعتماد سعر صرف مرن، وهو من المرجح أن تفعله مصر لفتح المزيد من التمويل، إذا استمرت الظروف الاقتصادية فى التدهور.

وقال: «من المرجح أن تعمل الحكومة على كبح معدلات التضخم وتوسيع احتياطيات العملات الأجنبية، مع محاولة منع تدهور الظروف الاقتصادية لمواطنيها، قبل اللجوء إلى تخفيض آخر لقيمة العملة».

وأردف أنه فى ٢٢ يناير، التقى وزير الخارجية المصرى سامح شكرى أيضًا وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى فى بروكسل، حيث حاول تأمين التزامات تمويل إضافية.

وتابع: «كشفت إدارة الرئيس عبدالفتاح السيسى عن مشروعين ضخمين، لتوسيع قدرات قطاع السياحة المصرى وقناة السويس، اللذين يشكلان مصدرين رئيسيين للعملة الأجنبية، وتخطط القاهرة لزيادة عدد رحلات الطيران والغرف الفندقية لاستيعاب ما يصل إلى ٣٠ مليون سائح سنويًا بحلول عام ٢٠٢٨، وهو ضعف العدد الحالى.

وأكمل: «قبل الحرب بين حماس وإسرائيل والهجمات البحرية الحوثية، كان نحو ١٢٪ من حركة الملاحة البحرية العالمية تمر عبر قناة السويس؛ وتهدف هيئة قناة السويس إلى زيادة تلك النسبة إلى ١٥٪».

وقال: «فى ١٧ نوفمبر، أعلنت مديرة صندوق النقد الدولى كريستالينا جورجييفا عن أن الصندوق يدرس بجدية زيادة قرض مصر بسبب الآثار غير المباشرة للحرب بين حماس وإسرائيل، ومع ذلك، لم يتم الكشف عن مبلغ الزيادة المحتملة والإصلاحات المحددة لهذه الزيادة، وفى ١١ يناير، أشار الصندوق إلى أن التمويل الإضافى سيكون حاسمًا لنجاح برنامج الإنقاذ بسبب تأثير الحرب على الاقتصاد المصرى».