رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خبراء سودانيون: 6 ملايين نازح تركوا منازلهم بسبب الحرب.. ومصر قدمت الحماية والأمان للاجئين

السودان
السودان

 

أكد عدد من الخبراء السودانيين أن السودان يمر بأوضاع كارثية غير مسبوقة، منذ بدء الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات «الدعم السريع»، فى ظل الانهيار الكامل للأوضاع الأمنية والمرافق والخدمات الصحية فى كثير من المناطق، مع تزايد النزوح داخليًا وخارجيًا للهرب من الأوضاع المتردية، خاصة بعد سقوط آلاف الضحايا من المدنيين.

وأشار الخبراء، خلال حديثهم لـ«الدستور»، إلى انتشار العنف الجسدى والجنسى على نطاق واسع فى معظم أنحاء السودان، فى الوقت الذى أصبح فيه السلاح هو لغة الخطاب الوحيدة، مع انسداد آفاق التسوية السياسية، وفشل مساراتها المختلفة، الأمر الذى ينذر بمزيد من تفاقم الأوضاع والمعاناة الإنسانية للشعب السودانى.

 

 

أميرة أحمد: المرأة السودانية تدفع ثمنًا مضاعفًا وتواجه الاغتصاب والعنف الجنسى كسلاح حرب

أوضحت أميرة أحمد، الأستاذة بالجامعة الأمريكية، الخبيرة فى قضايا الهجرة واللاجئين بالسودان، أن الحرب الحالية فى السودان بدأت فى ظل معاناة اقتصادية شديدة جدًا، بسبب السياسات غير الناجعة التى اتُبعت خلال الفترة الانتقالية، وأسفرت عن مقاطعات دولية وانخفاض المساعدات وتدهور الأوضاع الاقتصادية.

وأشارت إلى أن عمليات اللجوء والنزوح ازدادت فى العام الأخير بشكل غير مسبوق، لافتة إلى أن السودان كان يضم نحو مليون لاجئ، وكان من أكبر الدول المستضيفة اللاجئين المسجلين فى المنطقة العربية، لكن كان به أيضًا نازحون داخليًا بأعداد كبيرة تفوق ٢ مليون شخص، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من اللاجئين فى الخارج.

وقالت: «يوجد حاليًا بالسودان حوالى ٥٠٠ ألف شخص تركوا بيوتهم منذ بدء الحرب فى أبريل الماضى، وحوالى ٦ ملايين، وأكثر، نزحوا داخليًا، أى أنهم خرجوا من أحد أقاليم السودان وذهبوا إلى أقاليم أخرى، وأكثرهم كان من الخرطوم، بنسبة حوالى ٧٠٪، وهناك حوالى مليون أسرة تم تشريدها ونزحت لمناطق مختلفة، وكثيرون منهم ذهبوا إلى مصر أو تشاد، التى تعد أكثر الدول استقبالًا للسودانيين بعد مصر».

ونوهت بأن جميع ولايات السودان تعانى من أزمات واسعة، مع تدهور الأوضاع الأمنية وتوقف الخدمات الصحية، واستمرار الأزمة السياسية التى تؤدى لمزيد من اللجوء والنزوح.

ولفتت إلى أن أوضاع النازحين السودانيين فى الداخل تواجه أيضًا أزمات متعددة، منها مثلًا ارتفاع أسعار الإيجارات فى الأقاليم المستقبلة للنازحين، والتى وصلت إلى أرقام فلكية استغلالًا للأزمة، منوهة بأن بعض الدول شهدت أعمال طرد للسودانيين، لأنهم لم يوافقوا على دفع إيجارات أكبر بعد الحرب.

وعن أوضاع اللاجئين فى الخارج، قالت: «معظم الذين خرجوا من السودان لجأوا إلى دول تعانى بالفعل من مشاكل اقتصادية وتنموية ولا تتمتع بوجود فائض، وأوضاع السودانيين فيها تختلف باختلاف البلد»، منوهة بأن السودان قبل الحرب كانت به أعداد كبيرة من أبناء جنوب السودان، الذين عاد منهم أكثر من ٣٠٠ ألف شخص إلى الدولة الجنوبية. 

واستطردت: «هناك أيضًا أكثر من ٣٧٠ ألف شخص غير سودانى نزحوا أيضًا، منهم ١٠ آلاف من المصريين ومن جنسيات أخرى، لكن الغالبية العظمى كانت من السودانيين، وتحديدًا من ولاية الخرطوم، وكانت نسبة ٧٠٪ منهم من النساء والأطفال، وهم مستقرون فى الوقت الحالى بالقاهرة والإسكندرية، لأن مكاتب مفوضية اللاجئين تتواجد فى المحافظتين، وقد قفز عدد المسجلين بها من السودانيين إلى ٤٠٠ ألف سودانى، بدلًا من ٤٠ ألفًا فقط قبل بدء الحرب».

وشددت على أن مصر كانت من أهم الدول التى قدمت للنازحين السودانيين الأمان والحماية والمساعدات المباشرة، ويعيش فيها كثير من السودانيين اعتمادًا على تحويلات المغتربين لهم.

وأكدت أن الغالبية العظمى من النازحين واللاجئين من النساء، بنسبة أكثر من ٧٠٪، لأن كثيرًا من الرجال فى السودان يتمسك بالحفاظ على منازله وأسره، ما يعرضه لمزيد من الخطر، فضلًا عن الرجال الذين يشاركون بالفعل فى المعارك أو الذين اعتُقلوا كرهائن.

وأردفت: «تدفع المرأة السودانية ثمنًا ثانيًا، يماثل الذى دفعته فى حرب دارفور عام ٢٠٠٣، من نفس قوات (الدعم السريع)، لأنها تواجه الاغتصاب والعنف الجنسى كسلاح للحرب، وهى جرائم موثقة ومدانة».

وتابعت: «أى تسوية سياسية أو حكومة فى فترة ما بعد الحرب ستواجه صعوبات كبيرة فى التعامل مع المواطنين، فى ظل تفاقم الأزمات وانهيار المنازل، فضلًا عن الأزمات النفسية لعدم وجود تعامل نفسى مع ضحايا الحرب.

 

على يوسف: الأوضاع تزداد تعقيدًا.. والسلاح أصبح لغة التخاطب الوحيدة مع انسداد المسار السياسى السلمى لتسوية الحرب القائمة

أوضح السفير على يوسف، الدبلوماسى السودانى السابق، أن الوضع السياسى فى السودان أصبح أكثر تعقيدًا بشكل كبير مع التطورات التى شهدتها الفترة الأخيرة، وتزايد الانسداد فى مسار التسوية السياسية السلمية للحرب الجارية.

وقال: «كان هناك تفاؤل قبل انعقاد القمة الـ٤١ لمنظمة الهيئة الحكومية للتنمية بشرق إفريقيا (الإيجاد)، بعد الجولة التى قام بها رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، فى كينيا وإثيوبيا ثم جيبوتى، فى نوفمبر الماضى، واعتقد البعض أنها ستكون مقدمة لوقف الحرب والتوصل لوقف دائم لإطلاق النار، مع تنفيذ الانسحابات المطلوبة بموجب اتفاقية جدة من قبل قوات الميليشيا المتمردة، وفتح آفاق لحل سياسى عبر حوار سودانى- سودانى، لكن البيان النهائى للقمة صدر دون موافقة السودان، الذى تحفظ على بعض بنوده».

وأضاف: رغم ذلك، وافق «البرهان» مؤخرًا على اللقاء مع محمد حمدان دقلو «حميدتى»، قائد «الدعم السريع»، فى جيبوتى، كما دعت قمة «الإيجاد»، لكن تعذر عقد الاجتماع لأسباب تتعلق بحضور «حميدتى» إلى جيبوتى، وعادت الأمور للتعقيد، مع وضع شروط مسبقة من كل جانب.

واستطرد: «الأمور تعقدت أكثر بعد احتلال قوات التمرد مدينة ود مدنى فى وسط السودان، فى ضربة قاسمة لجهود التسوية السلمية، وبعدها عادت المواجهات العسكرية القوية بين الجيش السودانى وقوات (الدعم السريع) المتمردة، وهى مستمرة حتى الآن، وتعد لغة التخاطب الوحيدة الموجودة على الساحة السودانية حاليًا». 

وأشار الدبلوماسى السودانى السابق إلى أن مجموعة «الحرية والتغيير»، التى تحولت لما يسمى «تنسيقية الديمقراطية المدنية»، قد التقى زعيمها ورئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك مع «حميدتى» فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وصدر بعدها بيان مشترك من الطرفين أوضح أن هناك تعاونًا وثيقًا جدًا بينهما، الأمر الذى يؤكد على انسداد أفق الحل السلمى ووقف الحرب، ويؤدى لاستمرار المعارك.

واستطرد: «حاليًا وصلت العلاقة بين السودان و(الإيجاد) إلى طريق مسدود، ولن يكون لـ(الإيجاد) أى دور فى تحقيق السلام فى السودان، وتسليح المدنيين فى الولايات بدأ منذ بداية الحرب فى أبريل الماضى، بعد أن أصبح من الواضح أن الشعب السودانى هو من سيدفع ثمن الحرب، بعد أن تعرض كثيرون للانتهاكات، وتوفى أكثر من ١٠ آلاف مدنى، وتشرد كثيرون من ديارهم واغتُصبت نساؤهم، ولا تزال الحرب مستمرة».

ووفقًا لـ«يوسف»، فقد تسبب كل ذلك فى عمليات نزوح كبيرة داخل السودان، مع تأثر حوالى ٨ ملايين سودانى بالحرب، ما أدى إلى قيام مسار مفاوضات جدة المهم جدًا، رغم أن قوات «الدعم السريع» المتمردة رفضت الانصياع لما تم التوصل إليه، الأمر الذى أدى لتعليق الاجتماعات فى نهاية الأمر. 

وأكمل: «النفير الشعبى الكبير لمواجهة المتمردين وجد تجاوبًا كبيرًا من قِبل القيادة السودانية، وتم البدء فى تسليح الشعب السودانى فى مختلف أنحاء البلاد لدعم جهود الجيش، وتم تسليح المدنيين للدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم وبيوتهم ونسائهم، بعد أن خلقت الحرب معاناة رهيبة للشعب السودانى، ومناخًا غير مسبوق من المعاناة».

 

نازك يوسف:  90% من المستشفيات خرجت من الخدمة والوضع الإنسانى كارثى

 

قالت الدكتورة نازك يوسف، الباحثة فى الشأن الصحى السودانى، إن الحرب فى السودان فاقمت معاناة السودانيين خاصة فى ولايتى الخرطوم ودارفور، فقد أصبح السودانيون غير آمنين.

وأضافت أن المسلحين هاجموا القوافل الطبية التابعة للمنظمات الدولية وقتلوا بعض أفرادها، والبعض الآخر طردوه من السودان، كذلك القوافل التى تحمل الأدوية سواء كانت من منظمة الصحة العالمية أو كانت من أى منظمات أخرى، أو من العون الذاتى لأبناء السودان الذين يعيشون بالخارج.

وتابعت «يوسف»: «طرفا الصراع صادرا الأدوية واعتقلا الأطباء، و٩٠٪ من المستشفيات توقفت عن الخدمة، خاصة فى الخرطوم والجزيرة ودارفور وكردفان». 

وأكدت أن هناك وفيات للأطفال كثيرة جدًا، خاصة من يعانون من أمراض مزمنة، مثل السكر والسرطان والربو، إضافة إلى المأساة الشديدة التى تواجهها النساء الحوامل، بسبب نقص الخدمات الطبية، ومعاناة المرأة بشكل عام بسبب تعمد الجماعات المسلحة اغتصابهن.

واستطردت: «تواجه ١٦٧ ألف سيدة حامل خطر العطش والجوع وانعدام الرعاية الطبية بعد نزوحهن من ولاية الجزيرة إلى ولايات سنار والقضارف وكسلا، ومن المتوقع أن يولد ٥٠ ألف طفل فى مناطق النزاع المسلح فى الأيام المقبلة».

وقالت: «ننتظر ميلاد ٣٠ ألف طفل فى الثلاثة أشهر المقبلة، وهناك خطر شديد على حياتهم بسبب عدم وجود خدمات الرعاية الصحية الأساسية مثل التطعيمات، ما يعنى احتمالية إصابتهم بأمراض مثل شلل الأطفال والسل الرئوى وأمراض الجهاز التنفسى والحصبة إضافة للأمراض المتوطنة».

وأشارت الباحثة فى الشأن الصحى السودانى إلى أن قرابة الـ٤ ملايين طفل اضطروا للفرار من منازلهم، منهم ٨٠٠ ألف طفل عبروا الحدود، كما أن هناك ١٥ مليون طفل بحاجة إلى المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة فى ظل الظروف التى يعيشها السودان.

 

 

طاهر المعتصم: تجميد عضوية السودان بـ«الإيجاد» أزمة.. وانتشار السلاح بين المدنيين يزيد المخاطر

قال الكاتب الصحفى والباحث السياسى السودانى، طاهر المعتصم، إن الحكومة لجأت إلى تسليح المدنيين لمواجهة قوات الدعم السريع وحماية أعراضهم وأموالهم، مشيرًا إلى أنه كان من الأفضل الاعتماد على قوات الاحتياط أو الشرطة فى مواجهة الميليشيات، ذلك أن ثمة مخاطر من انتشار السلاح بين المدنيين، وهو أمر عانى منه السودان، فقد كانت هناك حملات لجمع السلاح فى دارفور، والآن انتشر فى الولايات الشمالية. 

وأضاف «المعتصم» أن من المهم الاستعانة أيضًا بقوات الشرطة والدفاع المدنى لتساعد فى العمليات. 

وأشار إلى وجود مفاوضات غير مباشرة بين طرفى الصراع، وقد توصلا إلى ٩٠٪ من التوافق لكن عدم توافر الإرادة لم يؤد إلى أن يكون منبر جدة فاعلًا، لذا دعت القاهرة إلى مؤتمر دول الجوار، فى يوليو الماضى، وحاولت وضع آلية لوقف عدائيات وقف إطلاق النار، ولكن أيضًا لعدم توافر الإرادة لم يتحقق وقف إطلاق النار.

وتابع: «تجميد عضوية السودان فى (الإيجاد) بشكل كامل أمر غير صحيح، لأنه يعود بالسودان إلى الخلف، إذ يمثل جزءًا من مقاطعة أصدقاء السودان وجيرانه، وقد كان فى عهد النظام السابق تحت العقوبات الدولية، كما أن التجميد يترك الساحة أمام قائد الدعم السريع الفريق حمدان دقلو ليفرض رؤيته، ومن رأيى أن على الخارجية السودانية المشاركة فى قمة الإيجاد، حتى لا يضر السودان من غيابه عن المحافل الإقليمية وبالتالى عدم تمكنه من شرح القضية السودانية». 

وذكر المعتصم أن الحرب فى السودان أدت إلى ارتفاع عدد النازحين إلى نحو ٦ أو ٧ ملايين نازح، ووصل عدد اللاجئين خارج السودان إلى أكثر من مليون لاجئ، فضلًا عن تدهور الأوضاع الصحية والإنسانية بصورة عامة. 

وأشار الى أن ولاية الجزيرة تمثل أكبر مشروع زراعى، ومع اجتياح قوات الدعم السريع وميليشياتها الولاية، ضاع الموسم الزراعى الشتوى، ما يعنى تهديدًا للأمن الغذائى. 

وأضاف أن النساء والأطفال الأكثر معاناة فى هذه الحرب بسبب صعوبة وصول المساعدات أو توفر المسارات الآمنة، إذ أن تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن ٣ ملايين طفل يعانون من سوء التغذية، كما أن هناك مليون طفل فقدوا عامهم الدراسى لتوقف الدراسة فى كل أو أغلب المدارس، وهذا أمر ينسحب إلى شهادة الثانوية العامة، وذلك لأول مرة فى تاريخ السودان الحديث، ما يعنى أن هناك أكثر من ٥٠٠ ألف طالب وطالبة لن يتمكنوا من العبور إلى الجامعة.

وأوضح أن الأحداث أثرت على النساء، فخلال عمليات النزوح يتعرضن لعمليات اغتصاب، حسب وحدة مكافحة العنف ضد النساء الحكومية، وقد بلغ عدد النازحين الذين غادروا الخرطوم، حسب إحصائيات غير رسمية، حوالى ٦ ملايين نازح، تشتت بهم السبل، وعندما انتقلوا إلى مدن أخرى مثل مدينة ود مدنى فى ولاية الجزيرة اضطروا إلى النزوح مرة أخرى، كل هذا فى ظل توقف كثير من المرتبات، وارتفاع أسعار الإيجارات، وعدم توفر البيئة الصحية والملاذ الملائم.