رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحفر ملجأ سريًا لها فى النص

جمال القصاص
جمال القصاص

لم يعد بوسعى أن أطرقَ البابَ مرتين
يدى ابيضَّ عشبُهَا
ودمى لم يعد حِبرا
تستفتيه المرايا.
ماذا فعلوا بعصافيركِ الناعمةِ البيضاء
بالريح وهى تنعسُ تحت ثوبكِ
تطمئنُّ على الشمس:
هل شربتْ الحليبَ؟
أدَّتْ واجبها المنزلىَّ؟
ارتجفت وهى تودعكِ؟
مثلَ الأنهار
كنا نرسمها
نفرح بشعرها المنكوش فى الكراس
بأناملها وهى تنقّرُ بطنَ سحابةٍ
تعبت الغابة من نزقها.
كل ما أذكرُ: كانت هنا موسيقى
كنا نضحك على لحظة لم نعشها
نتخيلها أرجوحة رنَّانةً
وفى الحلم نهدهدها
تعْدِلُ الخطَّ المائلَ فوق السُّرَّة
ربما يكتشف النّبع عذريتهُ
يصحو مبكرا
يوزّع البريدَ على الأغصان والأشجار والطيور.
كانت هنا موسيقى
كنت أعرف كيف أغسلها
أخبئها فى جسدكِ
أنقّيها من ثرثرة الشظايا 
وأهتفُ: كونى بهجةً للكائنات
خطى الثلج غليظةٌ
الصباح فقد بصمتَه
صار غريبًا على العائلةِ
دمٌ فى أصابع البيانو
وفوق الجسر.
عبثًا تسأليننى عن حقيقة اسمها الإيمانُ
أو الكفرُ
عن معنى أن تكون ثوريًا بالوراثة
بالفوضى
بالجنون
أو محضَ جرادةٍ عرجاءَ
كل يوم تحفر ملجأً سريًا لها فى النَّص.
التقينا على هامش الحرب
لا أعرفُ بالضَبط
وجهكِ أم الصورةُ
أم فوضى القناع
ترتّب أدوارهَا فى فواصل القصف.
لستُ صانع كينونتكِ
عتمتكِ ثقيلةٌ
وثوبكِ لم يعد يغنّى
لم أعد أشمُّ فى عرقه رائحةَ خبز
أمس كان طفلًا
يشاطرنى لهفتى
كنتُ أعرف كيف أقرأ نهديك
شفتيكِ
عينيكِ
أخمِّنُ من سينسف العشَّ أولًا.
هل ثمة خدعةٌ فى الفيلم 
لم تستوِ اللقطةٌ
جرحتها نسمةٌ لا تعشق البحرَ
من الصعب أن نختبرَ الوردةَ
برسائلَ تأتى من العدم
لا تعرف كيف توثِّقُ رحيقها
وإلى من ينتسب الصفاءُ
حين تسقط آخرُ قطرةً فى العنقود.
هل رفع سيزيفُ الصخرة
فضَّّتْ العاصفة كأسَهَا الأخيرةَ؟
على شاشة الإنترنت أدوارٌ مهولةٌ
وفى السُّوق كهنةٌ يبحثون عن فص مِلحٍ
خانَه القداسُ
على الناصية باعةُ الأحلام
يغشون الرائحةَ والطَّعمَ
والألوانُ لا تكف ُّعن مضاجعة الرَّسام
حتى آخرَ العتمة
آخرَ النور.


من ديوان: كانت هنا موسيقى