رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

على نار هادئة.. صراع السياسة والحرب و«حفظ ماء الوجه» بين إسرائيل وحزب الله

إسرائيل وحزب الله
إسرائيل وحزب الله

تنفذ إسرائيل منذ ٧ أكتوبر الماضى، عمليات عسكرية على جبهة ثانوية فى الحدود الشمالية، إلى جانب الحرب فى قطاع غزة، عمليًا، تعتبر هذه المواجهة حربًا صغيرة، لكن احتمال تحولها إلى تصعيد كبير لا يزال قائمًا، والمفارقة أنه خلال التصعيد تجرى مباحثات سياسية لترسيم الحدود بين إسرائيل وحزب الله، ما يُعقد الوضع أكثر.

فى السطور التالية، نستعرض التطورات الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله عسكريًا، والترتيبات السياسية بين الجانبين.

اغتيال العارورى بداية التصعيد.. وزيادة حدة الهجمات الأسابيع الأخيرة

منذ اغتيال نائب رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، صالح العارورى، فى بيروت، مطلع يناير الجارى، برز تصعيد للقتال على طرفى الحدود الإسرائيلية اللبنانية، حيث يحاول حزب الله ضرب أهداف عسكرية استراتيجية فى إسرائيل، والجيش الإسرائيلى يركز على ضرب بنى تحتية مركزية يتمركز فيها الحزب.

ولاحقًا، نسبت وسائل الإعلام اللبنانية إلى الجيش الإسرائيلى استهداف قادة رفيعى المستوى وناشطين فى حزب الله، إضافة إلى ذلك، نُسبت إلى الجيش هجمات مركزة على خلايا الصواريخ المضادة للدروع، فيما رد الحزب بهجمات على مواقع إسرائيلية تسببت فى مقتل جندى.

ثم اغتالت إسرائيل قائدًا مهمًا فى قوة الرضوان، هو وسام الطويل، فى هجوم منسوب إلى إسرائيل فى الجنوب اللبنانى، قيل أولًا إنه قُتل بإطلاق صواريخ من مسيّرة على سيارته بالقرب من قرية خربة سلم، الواقعة على بعد ١٥ كلم عن الحدود مع إسرائيل، لكن قناة «كان» الإخبارية ذكرت، فى تقرير لها، نقلًا عن وسائل إعلام لبنانية، أنه جرى تفجير عبوة ناسفة موقوتة مزروعة على الطريق الذى كانت تمر فيه السيارة؛ وأسفر الهجوم عن مقتل الطويل وشخص آخر كان برفقته.

وسام الطويل، المعروف أيضًا باسم «الحاج جواد»، كان من الذين شاركوا فى خطف الجنديَين إيهود غولدشتاين وإلداد ريغف فى سنة ٢٠٠٦، الأمر الذى تسبب بنشوب حرب لبنان الثانية، كما كان مسئولًا عن تنفيذ خطة غزو إسرائيل، وهو المسئول عن الهجوم بعبوة ناسفة فى تقاطع مجدو فى السنة الماضية، والذى أدى إلى إصابة إسرائيلى بجروح خطِرة، كما كان هو المسئول عن إطلاق الصواريخ على قاعدة سلاح الجو فى ميرون، الذى كان هجومًا قاسيًا جدًا. وكان من المقربين من الجنرال الإيرانى قاسم سليمانى، ومن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، الذى يقال إن صلة قرابة عائلية تربطه به.

فيما أعلن وزير الخارجية الإسرائيلى، يسرائيل كاتس، فى مقابلة أجرتها معه القناة ١٤، أن إسرائيل هى التى تتحمل مسئولية اغتيال المسئول فى حزب الله، قائلًا: «هذا جزء من حربنا، نحن نضرب عناصر حزب الله وبناه التحتية والمنظومات التى نصبها لردع إسرائيل»، وتابع: «نحن ندفع الثمن. ما يدور هنا حرب، ونعمل وفق القواعد الموضوعة، لم نقرر القضاء الآن على ١٥٠ ألف صاروخ، بل وضعنا هدفًا لنا، هو إعادة الأمن إلى سكان الشمال والجنوب، وإلى كل سكان دولة إسرائيل»، وهى التصريحات التى كشفت بشكل واضح عن سياسة إسرائيل حيال حزب الله خلال المرحلة الحالية.

ضربات بحسابات دقيقة من الطرفين تجنبًا للتصعيد 

على الرغم من بروز التصعيد، إلا إنه- حتى هذه اللحظة- لم يخرج عن السيطرة، وهو ما يعزز التقدير السائد بأن الطرفين لا يسعيان، ولو عن طريق الخطأ، للتدهور نحو حرب شاملة ستُلحق الضرر بسكان بيروت وتل أبيب.

وحسب تقدير المحلل العسكرى الإسرائيلى إيال زيسر، فإن إسرائيل وحزب الله، يفضلان إبقاء المواجهة فى الشمال على نار هادئة، ويفضل الجيش الإسرائيلى تركيز جهوده على الحرب فى غزة، ومحاولة القضاء على قدرة حماس على سيطرتها على القطاع.

وحزب الله من جانبه، يفهم أنه فى حال اندلاع حرب شاملة ستحول إسرائيل بيروت إلى غزة. لذلك، امتنعوا من مهاجمة عمق إسرائيل، وركزوا قتالهم على طول خط الحدود الذى يشكل منطقة مريحة للطرفين، ويمكن التأكيد على ذلك، من خلال الرد «الضعيف» لحزب الله على اغتيال نائب زعيم «حماس» صالح العارورى فى منطقة الضاحية، معقل الحزب فى قلب بيروت. 

لقد شعر نصر الله بأن عليه الرد، وإلا فإنه سيفقد احترام مؤيديه من الطائفة الشيعية فى لبنان، وفى نظر العالم العربى، وسيواجه انتقادات بأنه لم يساعد «حماس» فى صراعها ضد إسرائيل فى غزة، كما أن حزب الله تخوف من أن تفسر إسرائيل تجنبه الرد بأنه علامة ضعف، وتزيد فى هجماتها ضده، لهذا لجأ لإطلاق الصواريخ على جبل ميرون، ما تسبب بأضرار محدودة، ومن دون وقوع قتلى فى الجانب الإسرائيلى، ولاحقًا ردت إسرائيل باغتيال «وسام الطويل».

بدأت المواجهة بين حزب الله وإسرائيل فى ٨ أكتوبر الماضى، عقب هجوم حماس، على مستوطنات «غلاف غزة». ونصر الله الذى لم يكن على عِلم مسبق بنية «حماس» فى القطاع القيام بهذا الهجوم فى هذا التوقيت، وجد نفسه فى مأزق، وبعد التشاور مع رعاته الإيرانيين، قرر اختيار طريق وسط: شنّ هجمات يومية على قوات الجيش الإسرائيلى على طول الحدود مع لبنان، من دون محاولة القيام بهجوم واسع النطاق بإطلاق آلاف الصواريخ والقيام باقتحامات للأراضى الإسرائيلية. إسرائيل ردت بصورة ملائمة، وركزت هجماتها على أهداف حزب الله، بالقرب من السياج الحدودى، ولايزال الطرفان يحافظان على تلك الصيغة مع وجود احتمالات ببدء المفاوضات السياسية برعاية أمريكية.

إنجازات محدودة وتسوية سياسية بهدف تأمين الحدود

حرب الاستنزاف بين إسرائيل وحزب الله، تمنح الأخير إنجازات على صعيد الوعى، كإجلاء ٧٠ ألف إسرائيلى عن بيوتهم على طول الحدود الشمالية، وإصابات، وكذلك الدمار الكبير فى البلدات الحدودية، وفقًا لتقرير لـ«كوبى مروم» فى موقع القناة ١٢ العبرية، والذى أضاف أيضًا أن إسرائيل تمكنت من قتل أكثر من ١٥٠ ناشطًا من حزب الله، إضافة إلى عشرات من النشطاء الفلسطينيين الذى يعملون من الجانب اللبنانى، وكذلك ألحقت الهجمات الإسرائيلية الضرر بالبنى التابعة لـ«قوة الرضوان» على طول الحدود، والبنى التحتية فى الجنوب اللبنانى، وضمنها أهداف جدية، كقواعد صواريخ أرض- جو، البعيدة عشرات الكيلومترات عن الحدود، لكن على الرغم من ذلك لم يتم ردع حزب الله حسب «مروم». التصعيد فى الجبهة الشمالية، أجبر الولايات المتحدة على إعادة التدخل بين إسرائيل وحزب الله فى إطار سعيها للحيلولة دون نشوب حرب واسعة النطاق تورّطها وتورّط فرنسا، الدولة الغربية الوحيدة التى تجرى اتصالات مباشرة بممثلى حزب الله، حيث يشكل قرار مجلس الأمن ١٧٠١ الركيزة الأساسية للحوار السياسى مع الطرفين، بسبب تأييد الحكومة اللبنانية له، وحقيقة أن تطبيقه يشكل ردًا على المطالب الإسرائيلية بانسحاب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطانى. وحسب تقارير عبرية فإن الاتفاق المنتظر يتعلق بترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان، وإبعاد جماعة حزب الله إلى ما وراء نهر الليطانى. وكان عاموس هوكستين، مستشار بايدن لشئون الطاقة، والذى أجرى عدة زيارات إلى بيروت لإجراء مباحثات مع المسئولين اللبنانيين، تحدث عن أنه بقدر مساعى إسرائيل للتوصل إلى حل دبلوماسى، فإنها كذلك ملتزمة بعمل عسكرى يبعد حزب الله إلى شمال نهر الليطانى، بينما يشترط حزب الله إنهاء الحرب قبل البدء فى المفاوضات. والحدود اللبنانية- الإسرائيلية تحتوى على ١٣ نقطة متنازع عليها على طول الخط الأزرق، «هو ليس خطًا حدوديًا لكن تم وضعه لتحديد أماكن الانسحاب الإسرائيلى من لبنان بعد ٢٠٠٦»، وتعتبرها بيروت أرضًا لبنانية، وتقع هذه النقاط الـ١٣ على طول الحدود، من مرصد رأس الناقورة شرقًا، وصولًا إلى المنطقة الواقعة بين بلدة المطلة الإسرائيلية وقرية الوزانى اللبنانية، ونقاط الخلاف الأخرى هى قرية الغجر، ومزارع شبعا.

المحادثات الأخيرة بين الإسرائيليين والأمريكيين انتهت إلى اتفاق بشأن ٧ نقاط خلاف من أصل ١٣، وبخلاف الحدود أيضًا هناك ملف تريد إسرائيل إنجازه، وهو إبعاد حزب الله حتى شمال نهر الليطانى. وبالنسبة إلى المحلل العسكرى رون بن يشاى، فإن إسرائيل تريد من خلال الترتيبات السياسية الحالية إبعاد قوة الرضوان عن الحدود، أو إلى مسافة ٥ كلم عن الحدود يمكن أن تكون كافية، للهجمات الصغيرة، لكنها غير كافية بالنسبة إلى الصواريخ المضادة للدبابات، التى يطلقها الحزب بدقة كبيرة، ومن مسافات أبعد بكثير. وأوضح بن يشاى، أن الحديث يجرى عن ٨ كلم، ومستقبلًا، يمكن أن تكون المسافة أبعد بكثير، كما أن وجود مئات المسيرات فى حوزة حزب الله، يشكل مشكلة إضافية، وحتى لو طبق الحزب القرار ١٧٠١، الذى أنهى حرب لبنان الثانية ٢٠٠٦، فإن هذا لن يضمن أمن سكان الجليل الأعلى،