رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"برميل بارود".. "الدستور" تحقق: هل تشتعل الحرب الإقليمية فى المنطقة؟

برميل بارود
برميل بارود

لم تتوقف تداعيات العدوان الإسرائيلى الغاشم على الفلسطينيين فى قطاع غزة لأكثر من ١٠٠ يوم عند حدود القطاع أو إسرائيل أو حتى الدول المعنية مباشرة بالملف، بل امتدت نيرانها لتشمل عموم الشرق الأوسط، بل أثرت على القوى العظمى فى العالم، وأعادت ترتيب أولويات كثير من الدول خلال الأشهر الثلاثة الماضية، لتظهر جنوب إفريقيا لتقاضى إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وتتوارى ملفات كانت الأبرز طيلة العامين الماضيين، وعلى رأسها ملف الحرب الروسية الأوكرانية.

وتسبب العدوان الإسرائيلى فى عسكرة كثير من المناطق بالشرق الأوسط، وعلى رأسها شرق البحر المتوسط ومضيق باب المندب، مع نشر الولايات المتحدة وبريطانيا، وغيرها من القوى الغربية، العديد من القوات والقطع البحرية فى مناطق مختلفة لحماية إسرائيل أولًا، ومصالحها فى المناطق المختلفة ثانيًا، ما تزامن مع تحرك عدد من الفصائل المسلحة فى لبنان وسوريا والعراق واليمن للرد على ذلك، عبر استهداف إسرائيل نفسها أو عدد من القواعد الأمريكية بالمنطقة، الأمر الذى لا تزال تبعاته مستمرة حتى لحظة كتابة هذه السطور، مع تزايد التوقعات بخروج الأمور عن السيطرة حال استمرار الحرب على غزة.

الشرق الأوسط: الهلال يشتعل.. لبنان وسوريا والعراق جبهات توتر على وشك الانفجار فى انتظار أعواد الثقاب

انتقل تأثير الحرب الإسرائيلية على غزة من الداخل الفلسطينى إلى دول الجوار المباشر، فى كل من لبنان وسوريا بل العراق أيضًا، التى أصبحت كلها جبهات ساخنة، إثر قيام فصائل مسلحة فيها بإعلان دعمها الفصائل الفلسطينية، واستهداف قوات جيش الاحتلال الإسرائيلى فى المناطق المحتلة فى جنوب لبنان والجولان وعلى الحدود الشمالية لإسرائيل، بل حتى بعض القواعد العسكرية الأمريكية فى أكثر من منطقة.

ومع ردود الأفعال الإسرائيلية العنيفة، أصبحت لبنان وسوريا جبهتين تنتظران مزيدًا من التصعيد، فى ظل حديث المسئولين الإسرائيليين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف جالانت، عن قدرة إسرائيل على خوض حرب على جبهات متعددة فى وقت واحد.

كما عمدت إسرائيل إلى تصفية صالح العارورى، القيادى بحركة «حماس» الفلسطينية فى بيروت، ما تسبب فى إشعال الموقف أكثر على الحدود مع لبنان.

ولم يتوقف التأثير عند ذلك، بل امتد وصولًا إلى العراق، بعد أن أعلنت فصائل عراقية مختلفة عن استهداف قواعد أمريكية فى العراق وشمال سوريا، دعمًا لفصائل المقاومة الفلسطينية، وهو ما ردت عليه الولايات المتحدة بعدة ضربات، مع استهداف أحد مقار الحشد الشعبى شرقى العاصمة العراقية بغداد، مودية بحياة قياديين فى حركة «النجباء».

العالم: تعاطف وتنديد وضغوط.. التغريبة الفلسطينية تواجه سردية المظلومية الإسرائيلية عالميًا

من أبرز النتائج الدولية لحرب غزة، التى حملت «طابعًا إيجابيًا» رغم المأساة، كانت عودة القضية الفلسطينية لتتصدر المشهد العالمى والدولى بعد سنوات من التوارى والغياب، فى ظل حالة التعاطف الكبيرة، بالطبع فى الدول العربية والإسلامية، التى تجاوزت ذلك إلى الغرب نفسه، الذى كان عادة معقل التأييد الدائم لإسرائيل.

وكان لافتًا للغاية خروج مظاهرات كبيرة وحاشدة تأييدًا لغزة وفلسطين وتنديدًا بالجرائم الإسرائيلية فى دول أوروبية عدة بعد ٣ أيام فقط من بدء العدوان فى أيرلندا والسويد، قبل أن تمتد وتنتشر تلك التظاهرات الداعمة لفلسطين وقضيتها عبر دول العالم، حتى أنها وصلت إلى عاصمة الضباب الإنجليزية لندن، صاحبة «وعد بلفور» الشهير الذى أعطى شهادة الميلاد لإسرائيل.

ولم يغب عن المشهد يهود العالم الشرفاء، الذين نددوا بأفعال دولة الاحتلال الصهيونية، وخرجوا فى مظاهرات حاشدة داعمة للفلسطينيين فى نيويورك أكثر من مرة.

ومع وصول أعداد المتظاهرين إلى عدة ملايين حول العالم، طوال أسابيع الحرب، تربعت قضية فلسطين على صدارة اهتمامات العالم، وأزاحت أى قضية أخرى من المشهد، حتى تلك التى تتعلق بشكل مباشر بأمن القارة العجوز، مثل الحرب الروسية الأوكرانية.

وكان أيضًا من أبرز الآثار الإيجابية لحرب غزة، على آلامها وفظاعة جرائم الاحتلال فيها، تفوق المعاناة و«التغريبة الفلسطينية» الجديدة القديمة على سردية «المظلومية الإسرائيلية» عالميًا، بعد أن أدركت الشعوب حول العالم أن الرواية الإسرائيلية، التى كانت تعتمد على تأييد القائمين على وسائل الإعلام خلال العقود الماضية، مكذوبة، خاصة بعدما فضحتها مواقع التواصل الاجتماعى التى بدأت تنقل جزءًا من الحقيقة إلى العالم، رغم التعتيم المتعمد من بعض هذه المواقع لصالح إسرائيل.

ومع توالى كشف الحقائق، أدركت الشعوب حول العالم أن السردية الإسرائيلية بُنيت على أكاذيب نسجت بدقة ولعبت على أوتار التعاطف، لأنه لا يمكن أن يكون الجانى ومرتكب المجازر على مرأى ومسمع من العالم مجرد «ضحية».

حقيقة «العم سام».. تراجع صورة الولايات المتحدة المدافعة عن حقوق الإنسان بسبب الانحياز السافر للاحتلال الإسرائيلى

تتابعت التأثيرات الدولية لحرب غزة، لتصل إلى بلاد «العام سام»، التى تسبب انحيازها السافر فى دعم إسرائيل والمتخطى لكل الحدود فى كشف الصورة الحقيقية لدولة وإدارة طالما صدّرت نفسها على أنها القلعة التى تدافع عن حقوق الإنسان فى كل مكان فى العالم.

انحياز الولايات المتحدة الأمريكية للاحتلال الإسرائيلى وغضها الطرف والبصر عن جرائمه، ظهر واضحًا للعيان فى أول زيارة لوزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، إلى المنطقة، فى يوم ١٣ أكتوبر الماضى، بعد أيام قليلة من بدء العدوان الإسرائيلى على غزة، والتى قال فيها للإسرائيليين فى مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية بتل أبيب: «لقد جئت أمامكم ليس فقط كوزير خارجية الولايات المتحدة ولكن أيضًا كيهودى».

وأظهرت كلمات «بلينكن» انحيازًا لا يتوقع معه أى حياد أو نزاهة فى التعامل مع القضية، بعد إعلانه كمسئول أول عن الدبلوماسية الأمريكية أنه خلع رداء منصبه الرسمى ليتعامل كـ«يهودى يتضامن مع الإسرائيليين» وليس كمسئول يسعى لوقف دوران عجلة الحرب وإنهاء القتال والبحث عن حل سياسى.

وتواصل هذا الانحياز السافر فى أروقة الأمم المتحدة من خلال استخدام حق النقض «فيتو» فى مجلس الأمن بشكل متكرر تجاه أى قرار يحاول وقف الحرب أو إقرار هدنة إنسانية فى قطاع عزة، ويدين ولو تلميحًا الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى.

وكان من اللافت أن زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون أعلن، فى أعقاب بدء الحرب، عن دعمه الفلسطينيين، قائلًا إن فلسطين هى قضية ليست للعرب والمسلمين فحسب، بل إنها مسألة حرية، وجاء هذ التأييد من قبل الزعيم الكورى ليزيد «التوتر النووى» المتزايد بين كوريا الشمالية والجنوبية والولايات المتحدة، لتلتهب منطقة أخرى فى العالم.

النيران تصل باب المندب.. قصف على اليمن بعد تحركات «الحوثى» فى البحر الأحمر 

نيران العدوان الإسرائيلى وتداعيات الحرب امتدت إلى جنوب الإقليم بسبب ما حدث فى شماله، ففى ١٥ نوفمبر ٢٠٢٣ أعلن زعيم جماعة أنصار الله، عبدالملك الحوثى، عن أن «عيون الجماعة مفتوحة لرصد أى سفن تعود ملكيتها أو تُشغلها شركات إسرائيلية»، ردًا على الحرب فى غزة، قبل أن توسع عملياتها تجاه «كل السفن» المتوجهة لإسرائيل.

وفى التاسع من ديسمبر الماضى، أعلنت جماعة الحوثى عن منع مرور السفن المتجهة إلى إسرائيل إذا لم يتم إدخال ما يكفى من الغذاء والدواء إلى غزة، وهاجم الحوثيون عدة سفن بالقرب من باب المندب، وصادروا سفينة «جالاكسى ليدر»، التى قالوا إن ملكيتها تعود لرجل أعمال إسرائيلى، كما منعت الجماعة أيضًا سفينتين قالت إنهما إسرائيليتان من المرور.

دول العالم وحركة التجارة تأثرت بهذا التصعيد من قِبل «الحوثى»، بعد إعلان كبرى شركات الشحن عن وقف مرورها عبر البحر الأحمر، تخوفًا من هجمات الحوثى، ما أضر بحركة الملاحة ورفع رسوم الشحن والتأمين بشكل كبير، وأثر سلبًا على الاقتصاد العالمى. 

هذا التصعيد اعتبرته الولايات المتحدة ودول غربية عدة اختطافًا للملاحة فى البحر الأحمر، وتهديدًا لعبور السفن من مضيق باب المندب، ووصفت هذه الدول تلك الأفعال بالقرصنة وبأنها تشكل تهديدًا لأمن الملاحة فى تلك المنطقة، لتشكل أمريكا تحالفًا ضد هجمات «الحوثى» أسمته «حارس الازدهار» بمشاركة نحو ٢٠ دولة، وهو ما دفع «الحوثى» إلى مهاجمة السفن والقطع البحرية العسكرية المشاركة فى التحالف، وكان أكبرها يوم ٩ يناير، لتسقط قوات تابعة للولايات المتحدة وبريطانيا ١٨ طائرة مسيرة وصاروخًا أطلقتها الحركة.

صديق وقت الضيق.. ارتفاع شعبية «روسيا والرئيس فلاديمير بوتين» لمساندة الحق الفلسطينى 

كان من الآثار الدولية لحرب غزة ارتفاع شعبية روسيا بشكل لافت، خاصة فى الشارع العربى والإسلامى، لموقفها فى تأييد القضية والحق الفلسطينى، على النقيض تمامًا من موقف الولايات المتحدة الأمريكية الداعم للاحتلال الإسرائيلى.

وعقب ٤ أيام فقط من بدء العدوان الإسرائيلى على غزة، قال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، فى يوم ١١ أكتوبر الماضى، إن موقف بلاده بشأن فلسطين وإسرائيل معروف لدى الطرفين، إذ تؤيد تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وإنشاء دولة فلسطينية.

وأضاف: «لقد دافعنا دائمًا عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مع الأخذ فى الاعتبار أولًا وقبل كل شىء إنشاء دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة»، مشيرًا إلى أن الصراع فى فلسطين مستمر منذ فترة طويلة، وأصبح مظهرًا من مظاهر الظلم الذى وصل إلى درجة لا تصدق، وأن القضية الفلسطينية فى قلب كل إنسان فى المنطقة. 

تصريحات الدب الروسى أيدتها مواقفه فى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، مع سعى موسكو لتمرير مشروعات قرارات تطالب بوقف الحرب على غزة وبدء هدنة إنسانية، وكذلك الموقف غير المسبوق لديمترى بوليانسكى، نائب المندوب الروسى فى الأمم المتحدة بمجلس الأمن الدولى، الذى تحدث باللغة العربية فى جلسة ناقشت مشروع قرار يدعو لوقف فورى لإطلاق النار فى قطاع غزة لأسباب إنسانية.

مصالح معطلة فى الخليج.. مسيرة السلام الدافئ والتطبيع تتوقف بعد الحصار والمجازر والتجويع

تأثيرات حرب غزة تعدت وتخطت دول الجوار المباشر، لتؤثر على بقية دول المنطقة وتوقف مسيرة التطبيع، وتجعل الاتفاقات التى عُقدت خلال السنوات الثلاث الماضية معرضة لاهتزازات قوية، بسبب جرائم الاحتلال وسياسة المجازر والحصار والتجويع التى فرضها على سكان غزة.

وأوقفت الحرب على القطاع أى احتمالات للتقارب مع دول عربية، بعد الاتفاقات التى عُقدت مع كل من الإمارات والبحرين والمغرب، فالدول التى أقامت الاتفاقات كانت لها رؤية بأن استخدام «السلام الدافئ» يمكن أن يحقق الهدوء للمنطقة ويساعد على إيجاد حل نهائى للقضية الفلسطينية.

وفى الأسابيع الأخيرة قبل العدوان، دارت أحاديث كثيرة عن دخول الولايات المتحدة فى وساطة قوية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وتحدثت الأنباء عن اشتراط الأخيرة عددًا من الشروط والضمانات لإقرار التطبيع، على رأسها حدوث تسوية شاملة للقضية الفلسطينية، والتحرك لإيجاد حل نهائى يقوم على «حل الدولتين».