رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منتدى التشاؤم العالمى!

أعمال النسخة الرابعة والخمسين لـ«المنتدى الاقتصادى العالمى»، الذى يقام سنويًا فى منتجع دافوس السويسرى، بدأت أمس الإثنين، وعلى جدول أعمالها عشرة مخاطر، تتصدرها الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة، وأحوال الطقس المتطرفة، والاستقطاب المجتمعى المعروف باسم «الشعبوية»، والأمن السيبرانى، والنزاعات المسلحة، ومعوّقات نمو الاقتصاد العالمى، وآفاق ومخاطر الذكاء الاصطناعى.

تزايد وتيرة انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة، إذن، هو أبرز تلك المخاطر. وطبقًا لاستطلاع الرأى السنوى، الذى يجريه المنتدى، فإن الانتشار واسع النطاق للمعلومات المضللة والمغلوطة يهدد شرعية الحكومات المنتخبة، ويؤجج الاحتجاجات العنيفة، ويعزز الإرهاب. وبشأن آفاق ومخاطر الذكاء الاصطناعى، رأى المسئولون التنفيذيون، المشاركون فى الاستطلاع، أن ٤٠٪ من القوى العاملة لديهم تحتاج إلى إعادة تأهيل، خلال السنوات الثلاث المقبلة، لمواكبة مستجدات تطبيقات الذكاء الاصطناعى. 

فى الاستطلاع نفسه، الذى يشارك فيه ١٤٠٠ من خبراء المخاطر، وصناع السياسة، والمسئولين التنفيذيين وقادة القطاعات، توقع نحو ٣٠٪ زيادة فرص وقوع كوارث عالمية خلال الأربعة والعشرين شهرًا المقبلة، مقابل ٦٦٪ توقعوا حدوث هذا السيناريو خلال العقد المقبل. وإجمالًا رأى «تقرير المخاطر» أن النتائج «تظهر أن التوقعات على المدى القصير يغلب عليها الطابع السلبى»، متوقعًا أن «يتزايد التشاؤم على المدى الطويل». وفى ظل التغيرات الشاملة فى ديناميكيات القوى العالمية، والمناخ، والتكنولوجيا، والديموغرافيات، رأى التقرير أن «المخاطر العالمية بلغت أقصى حدود قدرة العالم على التكيف»!.

الصورة، كما ترى، تبدو أكثر سوادًا، أو تشاؤمًا، من تلك المتشائمة، إلا قليلًا، التى رسمها «كبار الاقتصاديين» فى الدورة الثالثة والخمسين للمنتدى الاقتصادى العالمى، «دافوس ٢٠٢٣»، التى أقيمت تحت شعار «التعاون فى عالم منقسم»، والتى توقع فيها «تقرير المخاطر» أن تشهد السنة الماضية عودة «مخاطر قديمة»، كالتضخم، وأزمات غلاء المعيشة، والحروب التجارية، وتدفق رءوس الأموال خارج الأسواق الناشئة، وتفشى الاضطرابات الاجتماعية، والخلافات الجيوسياسية، وشبح الحرب النووية. كما أشار إلى وجود تحديات من نوع جديد ستفاقم حدة هذه المخاطر القديمة، أو التقليدية، مثل المستويات غير المستدامة للديون، والنمو المنخفض، وتراجع العولمة والتنمية البشرية بعد عقود من التقدم، و... و... والتطور السريع وغير المقنن للتقنيات ذات الاستخدامات المدنية والعسكرية.

تحت عنوان «إعادة بناء الثقة»، تقام النسخة الحالية من «المنتدى الاقتصادى العالمى»، الذى يستحق أن يوصف بأنه «منتدى التشاؤم العالمى»، ويشارك فيها حوالى ٣٠٠ شخصية عامة، وأكثر من ٦٠ رئيس دولة وحكومة، من بينهم الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، الذى وصل أمس، الإثنين، إلى العاصمة السويسرية برن، وسيتوجه اليوم إلى دافوس، لإلقاء خطاب فى المنتدى، والترويج لصيغة السلام الأوكرانية ذات الـ١٠ نقاط، التى طرحها أواخر ٢٠٢٢، والمشاركة فى موائد مستديرة للمستثمرين والمديرين التنفيذيين، بشأن إعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب، واستخدام الأصول الروسية المجمدة!.

المنتدى، الذى أسسه الاقتصادى الألمانى كلاوس شوب، سنة ١٩٧١، أطلق السنة الماضية عددًا من المبادرات لتوظيف أكثر من ٥٤ ألف لاجئ، عبر «تحالف توظيف اللاجئين»، واستخدام الذكاء الاصطناعى فى التنبؤ بحرائق الغابات فى ظل تكلفتها المرتفعة التى تتخطى ٥٠ مليار دولار سنويًا، وكذا، لإطلاق تحالف لتحسين جودة الهواء عبر سلاسل التوريد، بعد أن صار ٩٩٪ من سكان العالم، حسب المنتدى، يعيشون فى أماكن تتجاوز فيها مستويات التلوث الحدود الآمنة لمنظمة الصحة العالمية. إضافة إلى دعم التحالف العالمى لتعزيز القدرة التنافسية فى تجارة المنتجات الزراعية والغذائية فى البلدان النامية والأقل نموًا، وإطلاق مبادرة لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة فى بعض الاقتصادات الناشئة والنامية.

.. وتبقى الإشارة إلى أن النسخة الحالية من المنتدى، الممتدة لخمسة لأيام، لن يشارك فيها رؤساء الصين وروسيا والولايات المتحدة، وأظهرت قائمة المشاركين أن عدد الرؤساء التنفيذيين أدنى بكثير مما كانت عليه فى السنوات السابقة. وإلى جانب أسباب عديدة، أرجع خبراء تراجع أهمية المنتدى إلى وجود فجوة شاسعة تفصل أجندته عن الواقع الذى يعيشه العالم، على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.