رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حدود مصر وحدود الآخرين

 هوس إلكتروني على مواقع التواصل وثرثرة متواصلة من جنرالات المقاهي، يدور كلها حول حدود مصر الشرقية، تحديدا هناك عند معبر رفح وكذلك ممر "فيلادلفيا"، في المعبر يتناثر اللغط حول فتح وغلق المعبر من أجل دخول المساعدات لشعب غزة الذي يحارب وحده بـ الأمعاء الخاوية، وفي ممر "فيلادلفيا" تتمدد المناقشات حول ضرورة تأمين هذا الحد بمعدات حديثة وعلاقة إسرائيل بهذا التأمين، وبينما يرى البعض أن هذا التأمين يزيد من حصار الشعب الفلسطيني يرد آخرون بأن تأمين حدود مصر هو واجب قومي والتزام ضروري لابد من العمل على ذلك التأمين بجدية، ليس فقط من أجل منع التهريب من خلاله، لكنه أيضًا من أجل حماية الجبهة الداخلية المصرية، خاصة وأن محاولات اختطاف سيناء ما زالت ساكنة في الذاكرة القريبة لنا جميعا، تارة باسم الولايات البائسة للدواعش وتارة باسم استضافة إخواننا أبناء غزة حتى يسهل تصفية القضية الفلسطينية.

كل هذه التفاصيل تفتح علينا ملفا شائكا، هو ملف الحدود المصرية، ليس من الجانب الشرقي فقط، ولكن الحد الغربي والجنوبي أيضًا وما يتهددهما من أخطار، والحقيقة هي أنه لم يعد لدينا أي حدود آمنة من الجهات الأربع باستثناء الحد الشمالي على البحر المتوسط رغم البوارج العسكرية التي استوطنته مؤخرًا.

ولأن مصر دولة راسخة في منطقة الشرق الأوسط، بل وفي العالم كله لما تتمتع به من عمق تاريخي وأدوار محورية في حركة تاريخ الصراعات بالمنطقة فكان لزامًا عليها أن تتمتع بالأمانة القانونية في أجل تعزيز الاستقرار في المنطقة، وأن تلتزم بأمن حدودها وحق الدول الأخرى في حماية حدودها، لذلك رأينا موقفا صلبًا وخطًا أحمر تم رسمه بعناية فائقة حددته الدولة المصرية عندما قالت في فبراير الماضي وعلى لسان الرئيس عبدالفتاح السيسي إن التهجير القسري للفلسطينيين خط أحمر لا تقبله مصر ولن تسمح به، ونضع من عندنا تحت "لن" عشرة خطوط حمراء إضافية.

وهنا نرى الملف واضحًا وهو أنه بقدر دعمنا القضية الفلسطينية، إلا أننا ندعم حماية وأمن حدودنا الشرقية بذات القدر إن لم يكن يزيد، ويمكن للمتابع أن يراجع تصريحات مصرية سابقة، وبالتحديد في ،2014 وقبل تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مهام منصبه في حديث مع إحدى الفضائيات، عندما تم سؤاله عن إمكانية تعديل الاتفاقية المقيدة لحركة الجيش في سيناء، كانت إجابته أنه لا يسمح بأن تكون الأراضي المصرية منطلقا لشن هجمات ضد الجيران، وأكد أن مصر ستفعل ما هو مناسب، وأن إسرائيل لن ترفض تعديل الاتفاقية، لأنها تتعامل مع دولة وجيش، لا قوة حمقاء.

وبالفعل مع دوران عجلة التفاعل على أرض سيناء عندنا حاولت أسراب الإرهاب العالمي اختطافها في وضح النهار وخاضت مصر حربا ضروسا قدمت فيها عشرات الشهداء، تم تعديل الاتفاقية بما يعزز من وجود القوات المصرية في المنطقة (ج) تلك المنطقة التي كانت منزوعة السلاح،  تأكد الجميع أن مصر دولة قانون ودولة ذات سيادة وأن قوتها العسكرية هي قوة راشدة وليست قوة حمقاء حسب تعبير الرئيس المصري.

تتعامل مصر مع كل الملفات بوضوح وشفافية وحسم، وبالرغم من ذلك لا يكف المتربصون عن تعكير الرأي العام في الداخل المصري، سواء في مسألة فتح وغلق معبر رفح ودخول المساعدات أو تأمين ممر "فيلادلفيا"، الذي يمثل صداعا لأطراف متعددة.

هذا البوم الناعق والداعي للخراب يتناسى- عن عمد- الفارق بين الدولة والميليشيا وكأنه يدفعنا دفعًا لاتخاذ مواقف ترضي نزوات سياسية مراهقة، خطوط رفيعة ودقيقة فاصلة بين الفوضى والتجاوز وبين الثورة والحرب، لا يعرف تلك الخطوط ولا يراها إلا من كانت يده في النار، ومن كان يدرك بوعي الفواتير باهظة الثمن للاعتداء على الحقوق القانونية لمصر وغيرها، خاصة إذا ما تعلق الأمر بقضية حساسة مثل قضية الحدود.