رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تفكيك دولة.. كيف دمرت الـ«100 يوم حرب» إسرائيل من الداخل؟

جريدة الدستور

١٠٠ يوم مرت على اندلاع الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة، فى محاولة من قوات الاحتلال للرد على الصفعة المدوية التى تعرضت لها يوم ٧ أكتوبر الماضى، وتنفيذ عملية «طوفان الأقصى» فى عمق إسرائيل، لكنها رغم ذلك لم تفلح فى تحقيق النصر أو الوصول لأى من أهدافها المعلنة للحرب، باستثناء جرائمها المستمرة ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة.

جرائم الاحتلال التى فاقت كل تصور خلقت صورة واضحة أمام العالم عن كيفية صناعة المجازر وخلق «هولوكوست فلسطينية» تحت القصف والأنقاض والركام، الذى تراكم فى كل شبر من قطاع كان بالأمس سجنًا وأصبح اليوم لحدًا لما يقارب ٢٤ ألف شهيد، و٦٠ ألف مصاب ومفقود، وإن أصبح أيضًا على الجانب الآخر قبرًا وكابوسًا للعديد من جنود الاحتلال الذين يعملون ليل نهار على تهجير أهالى غزة من أراضيهم، وسط مخطط متطرف لتصفية القضية الفلسطينية.

ووسط دعم مصر، قيادة وشعبًا، ومساندة الدول العربية والإسلامية، انتفضت شعوب كثيرة وحكومات عديدة حول العالم، وبعيدًا عن حسابات الربح والخسارة وموازين القوة المختلة، اختطف مشهد المأساة فى غزة أكثر الكتابات والتحليلات والأصوات، لرصد وحشية الاحتلال الإسرائيلى وعدوانه وجرائمه المستمرة حتى الساعة، لكن المشهد خارج غزة لم يقل اضطرابًا، إذ كانت للحرب الوحشية تداعيات مختلفة، خلال ١٠٠ يوم، أثرت على المعتدى نفسه، تستدعى تحليلها ورصدها فى السطور التالية.

«محدال» جديد.. حكومة منقسمة وجيش مضطرب ومجتمع مذعور

«المحدال» أو «التقصير» كان عنوان الكتاب الذى أصدره عدد من الضباط والمراسلين العسكريين الإسرائيليين بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣ للإدلاء بشهاداتهم حول التقصير الجسيم الذى أدى للهزيمة المنكرة لـ«جيش ادعى أنه لا يُقهر»، والتى غيرت من نظرية ومفاهيم الأمن فى الداخل الإسرائيلى، بل وفى المنطقة والعالم.

وبعد ٥٠ سنة كاملة، ورغم اختلاف الزمان والمكان والفارق الكبير فى طبيعة العمل العسكرى وحجمه وآلياته، استفاقت إسرائيل مجددًا يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ على عملية «طوفان الأقصى»، التى لم تعد إسرائيل بعدها كما كانت قبلها، وسط حالة صدمة لمجتمعها وجيشها وأجهزتها العسكرية والأمنية والاستخباراتية، انعكست أولًا على الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، التى تسببت قبل ذلك بعدة أسابيع فى صنع مواجهة داخلية غير مسبوقة، بسبب قرارات وقوانين وتطلعات حكومة اليمين المتطرف التى شكلها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للبقاء فى السلطة لأطول مدى زمنى ممكن، هربًا من المحاكمة على جرائم فساده.

الصدمة فى الحكومة الإسرائيلية لم تختلف عن مثيلتها فى الجيش، الذى اضطرب تحت وقع عملية «طوفان الأقصى»، فلم يعرف كيف يتصرف أو يفهم ما وقع فى منطقة غلاف غزة إلا بعد مرور أكثر من نصف يوم على الحدث، وبعد أن اقتِيد عدد من قادته أسرى أمام الكاميرات وتحت أيدى عناصر المقاومة الفلسطينية بملابسهم الداخلية، لتكون استجابة قواته درسًا ومثالًا على كيفية تصرف جيش مأزوم ومرتبك.

اقرأ أيضًا:
100 يوم «مصرية» فى حرب غزة.. نصرة فلسطين بـ«خط أحمر ضد التهجير»

وعلى وقع الصدمة والتقصير، لم يكن أمام إسرائيل سوى التصرف بكل وحشية ممكنة للتغطية على جرحها الغائر، الذى ستبقى آثاره طويلًا، على أمل أن تمحو المجازر وجرائم الإبادة والتهجير القسرى لأهالى قطاع غزة بعضًا من الإهانة التى لحقت بحكومتها المتطرفة وجيشها المتعجرف وأجهزتها الأمنية المتغطرسة.

أما المجتمع الإسرائيلى فلم يغادر ساحة الصدمة إلا إلى مربع الخوف والذعر، الذى لم يتكرر منذ عام ١٩٧٣، خاصة بعد أن انتشرت المقاطع المصورة التى التقطت لسكان المستوطنات والتجمعات فى منطقة غلاف غزة، والتى كشفت عن تفاصيل عملية «طوفان الأقصى» وحقيقة عجز إسرائيل ومنظومتها الأمنية وفشلها العسكرى والاستخباراتى، وهو ما تصاعد فيما بعد مع إعلان الفصائل الفلسطينية عن تمكنها من أخذ أسرى ومحتجزين إلى داخل قطاع غزة، ليذوقوا قليلًا من نفس الكأس التى تجرعتها أسر الأسرى الفلسطينيين فى سجون الاحتلال الإسرائيلى طوال عقود.

سجال بين متطرفى الحكومة والمعارضة وأهالى المحتجزين

سياسيًا، يشهد الوضع الداخلى فى إسرائيل حالة من التفكك قد تصل إلى حد التشرذم، فلا اتفاق بين مختلف الأطراف، مع اتهامات متبادلة بالمسئولية عما حدث، ومشادات وخلافات شخصية داخل الاجتماعات تصل إلى حد مغادرتها استياءً، مع أحاديث عن احتمالات الوصول لانقلاب عسكرى على القيادات الحكومية، أو حكومى على القيادات العسكرية.

ففى السلطة هناك حكومة يمينية متطرفة، أغلب أعضائها يتبنون أفكارًا وتوجهات معروفة بالشطط فى كل شىء، بها وزيرا الأمن القومى والمالية، اللذان يتبنيان ويدعمان مخطط التهجير القسرى وطرد الفلسطينيين خارج أراضيهم من قطاع غزة ومن الضفة الغربية، ويؤيدان تسريع وتيرة الاستيطان وتسليح المستوطنين وفرض ما يسمى بـ«الهوية اليهودية»، مع العمل على نشرها خاصة فى الضفة الغربية وسط زيادة حجم المستوطنات، وهناك أيضًا وزير التراث الذى دعا لضرب الفلسطينيين فى غزة بـ«قنبلة نووية» للتخلص منهم وإنهاء الحرب بأسرع ما يمكن.

المعارضة، على الجانب الآخر، ترى أن الحكومة الحالية مسئولة عن كل ما يعانيه المجتمع الإسرائيلى من مشاكل وفشل أمنى وعسكرى خلال الحرب على غزة، فقد وجّه زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، انتقادات حادة للحكومة، داعيًا إلى تغييرها فى أسرع وقت، فى أعقاب خلاف حاد يعصف بالحكومة حول سيناريوهات إدارة قطاع غزة بعد الحرب الحالية.

واعتبر «لابيد» أن «التسريبات التى تصدر عن مجلس الوزراء، كما حدث أكثر من مرة، تمثل وصمة عار ودليلًا على أن الحكومة الحالية تمثل خطرًا على البلاد»، حتى إنه قال: «على دولة إسرائيل أن تغير الحكومة وزعيمها، هؤلاء الأشخاص لن يتمكنوا من اتخاذ قرار استراتيجى، وعليهم أن يرحلوا الآن». وفى الشارع، يستمر أهالى الأسرى والمحتجزين فى التظاهر أمام الكنيست ومقر وزارة الدفاع فى تل أبيب، وحتى أمام منزلى رئيس الوزراء نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف جالانت، رافعين شعارات تطالب بمنح الأولوية لإعادة المحتجزين أحياء على الفور فى صفقة تبادل وبأى ثمن، كما حدث مع البعض منهم بعد الوساطة المصرية القطرية التى نجحت فى عقد هدنة مؤقتة فى ٢٢ نوفمبر الماضى، مطالبين الحكومة بـ«وقف القتال وبدء مفاوضات» مع المقاومة لتأمين الإفراج عن جميع المحتجزين لديها. ووجهت العائلات انتقادات واسعة لأعضاء مجلس الحرب، وقالت، فى مؤتمر صحفى، إنها حذرت مرارًا من أن الحرب فى غزة تعرض حياة المحتجزين للخطر، وإنها أصبحت تتلقى «توابيت أبنائها» واحدًا تلو الآخر، وإن الوقت عامل حرج وكل دقيقة تؤثر على إمكانية استعادتهم.

انهيار القطاعين الزراعى والسياحى وتراجع «التكنولوجى» لاستدعاء الاحتياطى

تسببت الحرب الإسرائيلية على غزة فى خسائر اقتصادية فادحة، لا تزال تداعياتها ممتدة، بعد أن سببت انهيارًا لعدد من أهم مصادر الدخل التى تعتمد عليها دولة الاحتلال، وأبرزها القطاعان الزراعى والسياحى وشركات التكنولوجيا، وحتى مجال تصدير الأسلحة، الذى توقف بسبب حالة الطلب المتزايدة للأسلحة والعتاد لجيش الاحتلال طوال عدوانه على القطاع، سواء من داخل إسرائيل أو من خارجها، من أبرز موردى السلاح إليها، وهى الولايات المتحدة.

وتشير الأرقام الرسمية المعلنة إسرائيليًا إلى أن الخسائر الاقتصادية تزيد على ٥٢ مليار دولار، ما يمثل نسبة ١٠٪ من إجمالى الناتج القومى الإسرائيلى، البالغ ٥٢٠ مليار دولار، وتشمل الخسائر الاقتصادية للحرب النفقات المباشرة المرتبطة بالعمليات العسكرية وجهود إعادة الإعمار وتعطل النشاط الاقتصادى فى إسرائيل وتكاليف تعفن الثمار فوق أشجارها فى المستوطنات، سواء تلك التى تقع فى منطقة غلاف غزة أو فى الشمال على الحدود المشتعلة مع لبنان بعد إخلائها، بالإضافة إلى تكلفة تجنيد نحو ٣٦٠ ألف جندى وضابط احتياط منذ بدء الحرب. وقدّرت وزارة المالية الإسرائيلية كلفة الحرب الاقتصادية بنحو ٢٧٠ مليون دولار أمريكى يوميًا، مشيرة إلى أن انتهاء الحرب لا يعنى توقف الخسائر، بعد أن أدت إلى تراجع عجلة الإنتاج وتوقف الحركة السياحية وتعطل ضخ الغاز الطبيعى للخارج، وتضاؤل النمو الاقتصادى لإسرائيل بنحو ١.٤٪، ليصبح ٢٪ فى عام ٢٠٢٣، وذلك بعد أن أدى استمرار تجنيد مئات الآلاف من ضباط وجنود الاحتياط إلى غيابهم عن سوق العمل الإسرائيلية واضطرار الحكومة الإسرائيلية إلى دفع رواتبهم.

مسيرة نتنياهو فى الحكم على سرير الموت الإكلينيكى رغم محاولته إنعاشها

يعد بنيامين نتنياهو أطول رئيس وزراء إسرائيلى بقاءً فى منصبه، بمدد متصلة ومنفصلة قاربت حوالى ١٥عامًا، عرف خلالها بفساده وتشدده تجاه الفلسطينيين، وتحالفه مع المتطرفين اليهود، ورفضه الانخراط فى أى توجه للسلام، وتأييده إقامة المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية، ودعم حركة المهاجرين إلى إسرائيل، بالإضافة إلى معارضته الانسحاب الأحادى الجانب من قطاع غزة فى عام ٢٠٠٥، حتى إنه استقال وقتها من حكومة رئيس الوزراء الأسبق آرييل شارون.

المسيرة السياسية الطويلة لـ«نتنياهو» أصبحت مهددة بشدة بعد أحداث يوم ٧ أكتوبر الماضى وانطلاق عملية «طوفان الأقصى»، فبحكم كونه رئيس الوزراء فهو فى نظر ناخبيه المسئول الرئيس عما حدث، مع باقى عناصر الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والعسكرية، ومن يتولون القيادة فيها، وهو ما دفع فئات المجتمع الإسرائيلى المختلفة، خاصة أهالى وذوى الأسرى والمحتجزين والقتلى طوال أشهر الحرب على غزة، لإلقاء اللوم على شخصه وتحميله مسئولية ما حدث.

«نتنياهو»، الذى خرجت التظاهرات غير المسبوقة ضده وضد حكومته اليمينية المتطرفة وقراراتها طيلة عام كامل، احتجاجًا على ما أسماه بقوانين الإصلاح القضائية، كان يهدف للبقاء بعيدًا عن قبضة القضاء والهروب من تهم الفساد، والجلوس على مقعده لأطول فترة ممكنة، لكنه بات الآن مهددًا بانتهاء مسيرته السياسية التى حاول إنعاشها ومنحها قُبلة الحياة عبر الدعوة لحكومة وحدة وطنية فى مواجهة الكارثة، وإقامة مجلس حرب مصغر ضم بعض خصومه السياسيين، مع البحث عن إطالة أمد الحرب على أمل تحقيق نصر عسكرى على حركة «حماس» والفصائل الفلسطينية وتنفيذ المخطط الصهيونى المتطرف لتهجير باقى الفلسطينيين من أراضيهم.

ورغم محاولاته المستميتة، ما زالت جهود «نتنياهو» تبوء بالفشل مع تزايد الخسائر العسكرية يوميًا، وتصاعد الغضب داخليًا، وتصدع صورة إسرائيل خارجيًا، بل وتزايد الضغوط عليها حتى من أخلص حلفائها.

ووسط محاولاته للهروب من تحمل المسئولية، نشر «نتنياهو»، فى نهاية شهر أكتوبر الماضى، تغريدة على منصة «إكس»، «تويتر سابقًا»، حمَّل خلالها قادة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والعسكريين مسئولية الفشل الذى حدث فى يوم ٧ أكتوبر، وهو ما أدى لهجوم حاد عليه، من داخل حكومته وخارجها، بعد أن ظهر وكأنه يحاول التنصل من أى مسئولية فى وقت حرج، ومع تزايد الانتقادات والضغوط اضطر فى النهاية إلى حذف التغريدة والاعتذار، وإن ظل مستمرًا مع حلفائه فى الإشارة إلى ذلك لمدة تزيد على ٣ أشهر.

حاليًا يدخل «نتنياهو» فى حالة موت سياسى إكلينيكى، بعد أن أظهر أحدث استطلاعات الرأى العام فى إسرائيل تهاوى شعبية حزب «الليكود» اليمينى، برئاسته، بسبب زيادة الانتقادات الداخلية على تعامل حكومته مع ملف الأسرى فى غزة، وعجزها عن تحقيق أهدافها المعلنة من الحرب على القطاع، ليبقى فى حالة من التيه، وسط خيارات محدودة للغاية، فإما أن يستسلم لقدره ويغادر ليواجه قضايا ولجان التحقيق وتقصى الحقائق فى «أجرانات» جديدة، كما حدث لسابقيه من المسئولين بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣، وإما يختار المقامرة بكل شىء ويخاطر، كما يفعل حاليًا، ليشعل حروبًا واسعة فى المنطقة كلها، فقط من أجل البقاء فى منصبه بعيدًا عن شبح زنزانة ساق إليها خصومًا سابقين، على رأسهم رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت.

المصائب ترفع حظوظ المخدوع جانتس مع استدعائه للمشهد

بعد مؤامرة وخداع واسع، خفت نجم بينى جانتس، وزير الدفاع الإسرائيلى السابق، عضو مجلس الحرب المصغر حاليًا، فى المشهد السياسى الإسرائيلى، بعد فقدانه منصب رئيس الوزراء الذى وعده به «نتنياهو»، وخروجه من الحكومة، وتراجع شعبية حزبه، بالإضافة إلى عودة خصمه فى نهاية ديسمبر الماضى لتشكيل الحكومة اليمينية المتطرفة.

وطيلة عام، بدت التظاهرات التى اندلعت ضد «نتنياهو» وحكومته ومشروعه لـ«الإصلاح القضائى» فرصة مناسبة لتسليط الأضواء على الجنرال السابق بعض الشىء، خاصة أن قوى المعارضة كانت مستنفرة وداعمة ومؤيدة للتظاهرات وقتها، لكن فرصة «جانتس» الكبرى جاءت بعد الاضطراب الهائل الذى شهدته دولة الاحتلال عقب عملية «طوفان الأقصى»، التى اضطرت «نتنياهو» ليعرض عليه الانخراط فى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وعضوية مجلس مصغر يدير الحرب على غزة.

وفى خضم الاضطراب، أظهر أحدث استطلاعات الرأى فى إسرائيل أنه لو أجريت انتخابات برلمانية اليوم لكان حزب «الوحدة الوطنية»، برئاسة الوزير فى المجلس الوزارى الحربى بينى جانتس، هو صاحب الحظ الأكبر فيها، بحصوله على ٣٨ مقعدًا فى الكنيست، مقارنة بـ١٢ فقط حاليًا.

فضيحة عسكرية وأمنية واستخباراتية تحطم صورة الجيش الإسرائيلى

تعيش الجهات الأمنية والاستخباراتية والعسكرية فى دولة الاحتلال أسوأ أيامها، فما حدث يوم ٧ أكتوبر لم يتوقع أى منها حدوثه فى أبشع كوابيسها، فى فشل متكامل أبرز القصور الأمنى وقصر النظر وسوء التقدير الاستخباراتى فى توقع هجوم «طوفان الأقصى»، أو معرفة القدرات الحقيقية لحركة «حماس» وفصائل المقاومة المختلفة، بما فيها القدرات العملياتية والصاروخية ومخططات شبكات الأنفاق، وحتى نوعية الأسلحة التى تواجه بها قوات الغزو البرى فى شوارع غزة. 

ومنذ بدء الحرب فى ٧ أكتوبر الماضى، حتى الآن، تفيد المشاهد والتقارير والمعلومات يومًا بعد يوم بأن جيش الاحتلال الإسرائيلى يعانى من ارتباك الجنود وسوء استخدام الأسلحة المتوافرة والتنظيم السيئ للغاية بين صفوفه وأجهزته، سواء أثناء هجوم «طوفان الأقصى» أو بعده، حتى بلغت العشوائية وعدم الكفاءة فى صفوفه مبلغًا وصل فيه الجنود إلى التواصل فيما بينهم عبر مجموعات «واتس آب» مؤقتة، مع الاعتماد على منشورات على مواقع ووسائل التواصل الاجتماعى لجمع المعلومات التى من شأنها أن تخدمهم فى المعركة.

وأثناء «طوفان الأقصى»، ونظرًا لانعدام الاتصال مع مقر قيادة فرقة غزة فى الجيش الإسرائيلى، لجأت وحدة «ماجلان» العسكرية إلى الفيديوهات التى نشرتها حركة «حماس» على الإنترنت لفهم ما يجرى، وخلال العملية البرية لم يختلف المشهد كثيرًا، فقد قتل جنود الاحتلال زملاءهم من الإسرائيليين الذين لجأوا إليهم حتى بعد أن رفعوا الأعلام البيضاء، فى تخبط واضح وفقدان للقدرة على ضبط النفس.

البحث عن مهرب.. خلافات مستمرة بسبب كابوس اليوم التالى للحرب


طيلة الأسابيع الماضية، تصدرت المناقشات حول «اليوم التالى»، أى ما بعد حرب غزة، أروقة حكومة الاحتلال واجتماعات مجلس الحرب الإسرائيلى المصغر، ولقاءات قادته الدبلوماسية ومؤتمراتهم الإعلامية، وسط ترقب من المعارضة لأى خطط تعلن عنها حكومة «نتنياهو»، بعد أن أصبح الكل يخشى من الإجابة عن السؤال «ماذا سيحدث فى اليوم التالى لانتهاء الحرب فى غزة؟»، مع إجاباته الكارثية على كل الأصعدة.

وأكثر من مرة، شبت خلافات بين «نتنياهو» ووزير الدفاع «جالانت» بشأن مسألة «اليوم التالى» للحرب على غزة، وصل الأمر إلى ذروته خلال اجتماع وزارى دخلا فيه نقاشًا ساخنًا فى غرفة جانبية داخل مقر وزارة الدفاع، إثر منع رئيس الحكومة وزير الدفاع من عقد اجتماعات خاصة مع رئيسى جهازى المخابرات «الموساد» والأمن الداخلى «الشاباك»، حتى إن «جالانت» هاجم «نتنياهو» واتهمه بأنه يضر بأمن إسرائيل من خلال قراراته حول غزة والحرب، وهو ما رد عليه الأخير بقوله إنه لا يحق لـ«جالانت» عقد اجتماع مع قادة أجهزة أمنية يتبعون مباشرة لرئيس الحكومة وليس لوزير الدفاع، وأن رئيس الموساد نفسه يعتقد أن هذه مناقشات عقيمة.
 

العالم يحقق فى «إبادة جماعية» مثبتة بالصوت والصورة والاعتراف والقصد الجنائى 

فى الـ٢٩ من ديسمبر ٢٠٢٣ أعلنت دولة جنوب إفريقيا عن تقدمها بطلب إلى محكمة العدل الدولية فى لاهاى، بإصدار أمر عاجل تعلن فيه عن أن «إسرائيل تنتهك التزامها بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية» لعام ١٩٤٨، فى حربها المستمرة ضد حركة حماس فى قطاع غزة، وتطالب بوقف فورى لإطلاق النار فى غزة.

وجاء الإعلان عن الدعوى ضد إسرائيل فى محكمة العدل الدولية، ليكون بمثابة عهد جديد فى علاقات إسرائيل مع دول العالم، فالدعوى التى رفعتها جنوب إفريقيا التى عُرفت طويلًا بعلاقتها الجيدة بإسرائيل، مثلت مؤشرًا جديدًا على نفاد صبر العالم على الجرائم الإسرائيلية.

فلم تعد الدول كما الشعوب تصدق الادعاءات الإسرائيلية وأنها مهددة طول الوقت، وأن خصومها يمارسون ضدها الجرائم ويريدون إلقاء مواطنيها فى البحر والتخلص منهم فى «هولوكوست» جديدة دون أفران، كما ادّعت على الدوام تجاه ألمانيا إبان عهد وحكم النازية بقيادة هتلر، فقد أوضحت المقاطع المصورة والصور وشهادات عدة من أشخاص من عدة جنسيات حول العالم مدى وحشية وفظاعة الجرائم التى يرتكبها الاحتلال فى غزة.

ويوم الخميس ١١ يناير الجارى، بدأت محكمة العدل الدولية نظر الدعوى التى تقدمت بها دولة جنوب إفريقيا وتتهم فيها إسرائيل بممارسة وارتكاب أعمال إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطينى خاصة أهالى غزة، وأكد الفريق القانونى لجنوب إفريقيا أن إسرائيل ارتكبت منذ عقود أعمال إبادة وفرضت حصارًا على قطاع غزة، وأن مستقبل الفلسطينيين يعتمد على قرار محكمة العدل الدولية.

وأوضح الممثل القانونى لجنوب إفريقيا، أمام محكمة العدل الدولية، أن بلاده لديها أدلة جُمعت خلال ١٣ أسبوعًا تؤكد تعمد إسرائيل ارتكاب إبادة جماعية فى غزة، متهمًا الاحتلال بأنه يَتّم أعدادًا كبيرة من الأطفال فى قطاع غزة.

وأوضح أن النية بارتكاب إبادة جماعية متوفرة لدى إسرائيل، كما أن تل أبيب لم تتورع عن استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد المدنيين فى غزة، وقنص النساء والأطفال فى قطاع غزة.

واستشهد ممثل جنوب إفريقيا بتصريحات نائب رئيس الكنيست، والتى دعا فيها إلى محو غزة من على وجه الأرض، كما استشهد بتصريحات وزير الدفاع الإسرائيلى، التى قال فيها إنهم يحاربون حيوانات بشرية، معلقًا بالقول إن النية لتدمير قطاع غزة موجودة لدى أعلى المستويات السياسية فى إسرائيل.