رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أكاذيب الكذابين بالفطرة

مقابل مرافعة جنوب إفريقيا المتماسكة، المبنية على حجج قوية والمدعومة بالوثائق ومقاطع الفيديو والشهادات، جاء الدفاع الإسرائيلى، أمام «محكمة العدل الدولية»، ركيكًا، ضعيفًا، ومحمّلًا بأكاذيب ينوء بحملها تل فالسيربيرخ، أعلى تلال هولندا. كما جاء استمرار الإبادة الجماعية، لليوم التاسع والتسعين على التوالى، ليؤكد استخفاف دولة الاحتلال بأى إجراءات أو قرارات قد تُصدرها المحكمة.

على الأكاذيب، والأساطير المكذوبة، تأسس ذلك الكيان. غير أن المنتسبين خطأ إلى الجنس البشرى وصلوا إلى مستوى متقدم جدًا من الكذب الصريح، البواح، أو المفضوح، الذى تجاوز كل حدود الوقاحة، حين زعموا أنهم لم يمنعوا دخول المساعدات إلى قطاع غزة، وأن مصر هى المسئولة بالكامل عن معبر رفح. مع أن كل المسئولين الإسرائيليين تقريبًا، أكدوا عشرات المرات، فى تصريحات علنية، أنهم لن يسمحوا بدخول المساعدات. وستجد بيانًا أصدره مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى، فى ١٨ أكتوبر، يؤكد فيه أنه لن يسمح بإدخال أى مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، واصفًا ذلك بأنه جزء من الحرب على القطاع.

أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، نفسه، كان شاهد عيان على قيام إسرائيل بمنع إدخال المساعدات. وفى ٢٠ أكتوبر الماضى، قال وهو يقف على الجانب المصرى من معبر رفح، إن «على هذا الجانب لدينا الكثير من الشاحنات محملة بالماء والغذاء والدواء، التى نحتاج لتحريكها إلى الجانب الآخر بأسرع وقت ممكن». وحسب الموقع الرسمى للأمم المتحدة، أعرب «جوتيريش» عن امتنانه لمصر، شعبًا وحكومة، ووصفها بأنها الركيزة الأساسية للسماح بعبور الأمل إلى الجانب الآخر من الحدود.

وفود عديدة من دول العالم المختلفة، ومجلس الأمن والكونجرس الأمريكى، وعدد من وزراء الخارجية وعشرات المسئولين الدوليين، زاروا الجانب المصرى من معبر رفح، أيضًا، ولم يتمكن واحد منهم من عبوره، كما لم يتمكن الأمين العام للأمم المتحدة، إما بسبب منع جيش الاحتلال لهم، أو لتخوفهم على حياتهم بسبب القصف الإسرائيلى العشوائى المستمر. والأكثر من ذلك، هو أن مفاوضات الهدنات الإنسانية، التى استمرت أسبوعًا، والتى كانت مصر وقطر والولايات المتحدة، أطرافًا فيها، شهدت تعنتًا شديدًا من دولة الاحتلال بشأن تحديد حجم المساعدات التى ستسمح بإدخالها إلى القطاع.

خلال كل المكالمات، التى تلقاها من غالبية قادة دول العالم، شدّد الرئيس عبدالفتاح السيسى على ضرورة ضمان وصول المساعدات الإنسانية لأبناء الشعب الفلسطينى، بشكل عاجل. وبكلمات واضحة وصريحة، لا تحتمل التأويل، دعا الرئيس، فى ١٢ أكتوبر، مثلًا، المجتمع الدولى إلى أن يتحمل مسئولياته فى هذا الصدد. وصباح اليوم نفسه، دعت مصر، فى بيان أصدرته وزارة الخارجية، جميع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية الراغبة فى تقديم مساعدات إنسانية وإغاثية إلى الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، تخفيفًا عنه واستجابةً لمعاناته، إلى إيصال تلك المساعدات إلى مطار العريش الدولى. كما أكدت الدولة المصرية أن معبر رفح مفتوح، ولم يتم إغلاقه، موضحة أن تعرض مرافق المعبر الأساسية على الجانب الفلسطينى للتدمير، نتيجة القصف الإسرائيلى المتكرر، هو الذى يحول دون انتظام عمله بشكل طبيعى. 

فى هذا السياق، طالبت مصر الإسرائيليين، بتجنب استهداف الجانب الفلسطينى من المعبر، لكى تنجح جهود الترميم والإصلاح بشكل يؤهله للعمل كشريان لحياة الأشقاء الفلسطينيين. كما طالبت الجانب الإسرائيلى، مرارًا، بعدم منع تدفق المساعدات الإنسانية للقطاع والتوقف عن تعمد تعطيل أو تأخير دخول المساعدات بحجة تفتيشها. وفى ظل التعمد الإسرائيلى المستمر لتعطيل دخول المساعدات، فى معبر كرم أبوسالم، لجأت مصر إلى تكليف الشاحنات المصرية، وسائقيها المصريين، بالدخول، بعد التفتيش مباشرة، إلى أراضى القطاع لتوزيع المساعدات على سكانه، بدلًا من نقلها إلى شاحنات فلسطينية.

.. أخيرًا، وبغض النظر عن أكاذيب الكذابين بالفطرة، الذين كان الكذب لديهم، ولا يزال، عادة وعبادة، نرى، كما رأت جنوب إفريقيا وكل المبصرين الأسوياء، فى غرب العالم وشرقه، أن ما يحدث فى قطاع غزة، الآن، وفى كل الأراضى الفلسطينية المحتلة إجمالًا، يمثل جريمة «إبادة جماعية» مكتملة الأركان، ويُضاف إلى سلسلة الجرائم التى ارتكبتها دولة الاحتلال منذ عقود طويلة.