رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نور كريمة الساطع.. في محبة سيدة الأقدار التي صارة أم المصريين

كريمة مختار
كريمة مختار

«هنا القاهرة».. جملة من كلمتين قالها الإذاعى أحمد سالم فى تمام الساعة الخامسة والنصف يوم ٣١ مايو ١٩٣٤ لتؤرخ لبداية عصر الإذاعة المصرية.. جملة سالم الخالدة دخلت بيت كل مصرى امتلك حينها جهازًا لاستقبال موجات الراديو.. ومن بين هؤلاء المحظوظين موظف نابه فى شركة «ماركونى»، التى أوكلت لها الحكومة تشغيل الإذاعة المصرية فى مبناها الشهير بشارع علوى خلف البنك الأهلى.. هذا الموظف اسمه محمد البدرى.. كان ما زال يقطن حينها فى حلوان قبل انتقاله الأبدى إلى بيته فى ٣٣ ميدان الروضة بالمنيل.

امتلك البدرى فى بيته جهاز راديو أنيقًا بحكم عمله فى «ماركونى»، فاستقبل مع أسرته مثل آلاف المصريين صيحة «سالم» وهى تتهادى عبر سماعات الراديو الضخمة «هنا القاهرة».

لكن صوت سالم لم يكن «رائقًا» فى بيت محمد البدرى، حيث ناله الكثير من التشويش بفعل بكاء طفلة رضيعة قد رزق بها البدرى قبلها بـ٤ أشهر فقط، وسماها عطيات محمد البدرى. وعلى ما يبدو أن ثمة علاقة قدرية قد نشأت بين تلك الرضيعة وهذا الجهاز الذى ولد معها.. تطورت تلك العلاقة عبر السنوات التالية حتى وصلت إلى أن مجلة الكواكب الصادرة يوم ٣ يونيو ١٩٥٨ قد وصفتها بصاحبة أجمل صوت إذاعى.. ثم تطور الأمر أكثر لتنشر مجلة «آخر ساعة» فى يونيو ١٩٦٢ توصيفًا قبل اسمها، وهو سيدة الإذاعة الأولى كريمة مختار.

بقى أن تعرف أن كريمة مختار هى نفسها عطيات محمد البدرى.. بعد أن تدخلت الأقدار أيضًا ليجرى هذا الاسم على لسان بابا شارو الرائد الإذاعى العظيم ذات يوم من أيام عام ١٩٤٩، عندما كان يستعد بالبروفات الأخيرة لحلقة من حلقات برامجه الإذاعية الموجهة للأطفال ودخلت عليه إحدى بطلات تلك الحلقة، وهى عطيات البدرى، متأخرة عن ميعادها تلاحق أنفاسها وفى حالة نفسية سيئة، وعندما هدأ بابا شارو من روعها وسألها عن سبب تلك الحالة صارحته بالحرب العائلية التى تواجهها نتيجة عملها كممثلة فى الإذاعة، وقالت له إن هذه آخر مرة سوف تشارك فى برنامجه، لأنها لن تستطيع مواجهة رفض أهلها القاطع.

بابا شارو المؤمن بموهبة تلك الفتاة، الذى ينتظر منها الكثير، طمأنها بأنه سوف يتدخل.. وبالفعل بدأ الهواء وأدت عطيات دورها كما يجب فى البرنامج.. وبعد نهايته بدأ بابا شارو يسرد أسماء الممثلين بطريقته الساحرة كالعادة، وعندما جاء لدور البطلة التى تؤديه عطيات قرر أن يغير الاسم حمايةً لها من بطش الأب وحتى يبطل حجته بتعرض العائلة للقيل والقال نتيجة عملها كممثلة.. فنظر أمامه مقلبًا بعينيه فى أكوام الخطابات التى تأتى إليه من المستمعين فوقع فى يديه خطاب باسم المرسل «كريمة مختار».

قال بابا شارو الاسم دون أن يدرى أن لعبته البسيطة سوف تتحول لحقيقة دامغة لا يمحوها تعاقب الأيام، ويصبح اسم كريمة مختار، تلك الطفلة المجهولة التى أرسلت خطابًا طفوليًا فى الأربعينيات لبرنامج بابا شارو، هو اسم فنانة عظيمة أثقلت السنون موهبتها بعد ذلك، وصارت واحدة من كبريات الفن عبر تاريخه.

من أول لحظة فرضت كريمة مختار شخصيتها الفياضة الناضحة بالحنان فى أعمالها، حتى صار اسمها مع الأيام معادلًا إنسانيًا لمعنى الأمومة، وربط الخيال الجمعى لا إراديًا اسم كريمة مختار بلقب ماما.. باختصار أصبحت هذه المرأة الاستثنائية هى أم المصريين وجدانيًا على الأقل حفاظًا على اللقب التاريخى المحجوز للسيدة صفية زغلول منذ بدايات القرن العشرين.

ما سبق كان المبتدأ الذى صاغته الأقدار بشكل درامى تمامًا، أما باقى المشوار فلم يكن أقل درامية لتكتمل أسطورة ماما كريمة «سيدة الأقدار».

ملك الفيديو.. الرجل الذى أنقذ موهبة عطيات من الضياع

تحت عنوان زواج تمثيلى إذاعى نشرت مجلة «الكواكب» بداية الخمسينيات خبرًا صغيرًا توثق فيه ارتباط الفنان الشاب نور الدمرداش «الممثل بفرقة المسرح الحديث والإذاعة»، كما عرفته المجلة فى الخبر، بالعروس، وهى الشقيقة الثالثة للسيدة عواطف البدرى المذيعة بالإذاعة المصرية دون أن يذكر الخبر اسمها.. فى حين أن نفس فحوى الخبر نُشر فى مجلة أخرى وهى «أهل الفن» بعنوان «زواج الأسبوع» الذى عرّف العروس بالآنسة عطيات البدرى كريمة الوجيه المعروف السيد محمد البدرى من كبار موظفى شركة ماركونى.

بعد نشر خبر الزواج بسنوات وبعد أن صار نور الدمرداش اسمًا يوزن بالذهب فى الإخراج المسرحى والتليفزيونى، نشرت مجلة «آخر ساعة» فى عدد يونيو ١٩٦٢ موضوعًا يخص الزوجين لكنه هذه المرة يتناول شائعة قوية سيطرت على الوسط الفنى حينها عن علاقة حب وزواج مرتقب بين المخرج نور الدمرداش والنجمة ليلى طاهر بعد طلاقها من المخرج حسين فوزى. ووضع المحرر عنوانًا للموضوع قاطعًا ونافيًا للشائعة «ليلى طاهر لا تتزوج نور الدمرداش».

بالطبع المجلة فندت الكذبة بالحديث مع ليلى طاهر، التى نفت بالطبع، والحديث أيضًا مع الزوجة الحقيقية للمخرج نور الدمرداش كريمة مختار نجمة الإذاعة الأولى كما وصفها التحقيق الصحفى.

كريمة الفنانة الشابة وقتها «٢٨ عامًا» كانت ردودها واثقة من زوجها وحبيبها، حيث قالت بكل ثقة لمحرر «آخر ساعة»: «علاقتنا أنا ونور لم تتغير أبدًا منذ زواجنا.. ويخيل إلىّ أن نور سعيد بزواجه منى».

والحق أن كريمة حملت لنور الدمرداش جميلًا لم تنسه طوال عمرها وصاغته بأكثر من طريقة فى كل حواراتها الفنية، سواء تلك التى نشرت فى الصحف والمجلات الورقية أو حتى الحوارات التليفزيونية النادرة لها فى مراحلها العمرية المختلفة.

حيث إن نور كان هو العريس المعجزة بالنسبة لبنت الوجيه محمد البدرى مدير حسابات شركة ماركونى.. والمعجزة هنا ليس من قبيل المبالغة فى قدرات العريس.. فالمعجزة المقصودة هى التوقيت الذى دخل فيه نور حياة عطيات البدرى أو كريمة مختار بعد أن خاضت حربًا ضروسًا مع أبيها وأهلها الرافضين رفض التحريم عملها ممثلة.

على الرغم من ذلك تدخل فنانون وإذاعيون كبار آمنوا بموهبة كريمة، وعلى رأسهم بابا شارو وزكى طليمات عميد معهد التمثيل الذى تنتمى له، حيث ذهب زكى بنفسه للأستاذ محمد البدرى يستسمحه أن يترك كريمة للفن ولا يحجر على موهبتها، فوافق الأب على مضض، إلا أن الموافقة كانت مؤقتة تمامًا وصارت مقصورة على التمثيل للإذاعة فقط لا غير مع شروط قاسية، أولها أن تكون كريمة داخل بيت أبيها قبل الساعة السابعة مهما كانت الظروف. فى فيديو قديم نادر يحكى نور الدمرداش نفسه عن واقعة دخوله إلى بيت الأستاذ محمد البدرى لطلب يد بنته عطيات أو كريمة، وكان فى حضور الفنان العظيم محمد توفيق زوج أخت عطيات الكبيرة وصديق نور فى المسرح، وأخذ الأب على نور تعهدًا شفويًا ألا يسمح لكريمة بالعمل فى الفن من خلاله بعد الزواج مع الاكتفاء على مضض بالعمل فى أضيق الحدود فى الإذاعة.

نور وافق على شروط الأسرة المتعسفة ضد البنت لتمسكه بها، وتزوجا فى نفس البيت الذى تعيش فيه أسرة البدرى.. ولكن لأن موهبة كريمة أكبر من أن تُحبس فى بيت من أربعة جدران، اضطر نور الدمرداش بإيعاز من محمد توفيق نفسه وبمباركته، وهو الشاهد على عهد الخطبة القاسى، إلى النكوص بالوعد القديم الذى قطعه على نفسه، وذهبت كريمة لتقف على المسرح للمرة الأولى منذ سنوات فى مسرحية من إخراج زوج الأخت محمد توفيق.. وهو الموقف الذى لا بد أن تشكرهما- نقصد نور وتوفيق- عليه الأجيال التالية، لأنهما أخرجا تلك الموهبة العظيمة من القفص المحبوسة به لتظل كريمة مختار تمتع الجميع بأدوار ليس لها شبيه، وشخصية فنية فريدة جعلت اسم كريمة مختار رقمًا مهمًا فى معادلة الفن المصرى يُكتب بحروف من نور فى دفتر تاريخ القوى الناعمة المصرية.

وعلى الرغم من فضل نور الدمرداش فى رجوع كريمة إلى مضمار الفن لتصير نجمة لامعة من نجوم التليفزيون، إلا أنه لم يتورط فى فرضها على الأعمال عنوةً مستغلًا سلطاته التى صارت مطلقة فى الستينيات، عندما كان يتولى الإشراف الكامل على «تمثيليات» التليفزيون، وهو الذى اكتشف فنانين كثيرين فى تلك الفترة صاروا نجومًا بعد ذلك كما عددهم بنفسه فى حواره لـ«آخر ساعة» فى عدد ١٤ فبراير ١٩٦٨ عندما قال بالنص: «أنا حددت النسل فى بيتى بولدين وبنت لكننى لم أحدد النسل فى أعمالى الفنية، وهذا غرام عندى أن يكون لى أولاد يقترن وجودهم باسمى مثل عبدالله غيث الذى قدمته فى حلقات هارب من الأيام، ومديحة سالم وحمدى أحمد وسعيد صالح وسهير البابلى وكرم مطاوع وصلاح السعدنى ومديحة حمدى».

ثم يقول الدمرداش إنه وقف فى وجه اثنين فقط ولم يعطهما فرصة العمل فى تمثيليات التليفزيون، وهما زوجته كريمة مختار «نجمة الإذاعة الأولى وقتها» وأخوها مصطفى الدمرداش.

إذن تعامل نور مع زوجته كريمة كان مهنيًا تمامًا فى مجال الفن، ورافضًا أن يكون كوبرى يمر عليه أحد أعضاء أسرته إلى مهنة سامية مقتنصًا فرصة قد يكون غيره أحق منها.. لكن ولأن موهبة الزوجة كريمة كانت ساطعة ولا يمكن مداراتها أو اتهامه بالمجاملة إذا استعان بها فى أعمال، فقد مثلت معه أكثر من عمل ناجح بعد ذلك بدأته سينمائيًا بفيلم «ثمن الحرية»، الذى أدت فيه ببراعة دور الأم الفلاحة وهى التى لم تزر الريف إطلاقًا فى حياتها، وفى نفس العام استعان بها مخرج آخر فى مسلسل «القاهرة والناس» الذى كان بوابة دخول نجوم كثيرين.

ومرت السنوات لتتحول قصة نور الدمرداش وكريمة مختار إلى مثال للزواج الأنجح على كل المستويات المهنية والإنسانية داخل الوسط الفنى، فقد كان زواجًا منزوع المصلحة، كما أنه بلا مشكلة واحدة تخرج للإعلام.

مسئولية نشر الوعى.. عن أعظم إنجازات كريمة مختار فى الثمانينيات

انتهت الستينيات بكل ضيقها المهنى على كريمة بأن كسرت قيودها العائلية التى فرضت عليها أن تظل صوتًا إذاعيًا فقط يحبه الناس ولا يرونه.. أتت السبعينيات وصارت نجمة سينمائية وتليفزيونية ومسرحية بأدوار كلنا نعرفها وتعلقنا بها، وكلها تقريبًا أدوار أم مثل «الجنة العذراء» فى التليفزيون، و«بالوالدين إحسانًا» فى السينما، و«العيال كبرت» فى المسرح.

ثم جاءت الثمانينيات على مصر بعهد جديد ورئيس جديد، وبدأ التفكير بشكل جاد فى حملات توعية لأبناء الريف، تحديدًا فى قضايا قومية وصحية مهمة بشكل علمى وأكثر احترافية من حملات الستينيات والسبعينيات البدائية.. بدأت بواحدة من أشهر الحملات التى كان لها عظيم الأثر إنسانيًا ووجدانيًا فى حياة المصريين وهى حملة «مكافحة الجفاف»، التى أشرف عليها وصاغ خطوطها العريضة أكاديمى شاب عائد لتوه من أمريكا بعد حصوله على الدكتوراه هو الدكتور فرج الكامل الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة.

وجدت كريمة مختار نفسها على موعد قدرى سيغرس حبها فى قلوب المصريين أكثر وأكثر عندما وقع عليها الاختيار لتكون إحدى بطلات تلك الحملة الأيقونية، التى حققت نجاحًا باهرًا وأنقذت أرواح ما لا يقل عن ١٠٠ ألف طفل عام ١٩٨٣ بشهادة أكبر المجلات العلمية البريطانية، ما سبب حالة انبهار فى منظمة اليونيسف بالتجربة المصرية الرائدة حينها، على حد قول الدكتور فرج الكامل نفسه فى حواره المنشور بـ«اليوم السابع» مع الصحفى محمد طنطاوى سنة ٢٠٢١.

والحقيقة أن كريمة مختار كانت تشعر باعتزاز من نوع خاص بتلك الحملة، ما فرضها لتكون بطلة حملة أهم وأكثر اتساعًا وهى حملة تنظيم الأسرة، التى كانت قضية مصر القومية فى ذلك الوقت.. وتحولت ماما كريمة إلى الدكتورة كريمة وهو الدور الذى عاشته بكل خلجاتها وصارت تتعامل مع الأمر كأنه قضيتها الأساسية، وكانت شديدة الحرص على أن تكون جزءًا حقيقيًا وصادقًا من ذلك المشروع التوعوى غير المسبوق، وليست مجرد ممثلة تؤدى دورها وترجع البيت، لكنها ذهبت مع أفراد الحملة بكل حب إلى الكفور والنجوع دون أن تشعر بأن الأمر مهلك ومربك لمواعيدها الفنية وهى النجمة الكبيرة المطلوبة فنيًا آنذاك.

لذلك لم يكن مستغربًا أن تصف كريمة مختار، فى أحد تصريحاتها التليفزيونية، تلك الحملات بأنها أعظم إنجازاتها.

أما على مستوى الوجدان فقد صارت كريمة مختار بوجهها الصبوح فى حملة الجفاف أو تنظيم الأسرة جزءًا لا يتجزأ من ذكريات تليفزيونية حلوة عاشها مواليد السبعينيات والثمانينيات بطزاجتها وروعتها.. قبل أن تصير فيديوهات قصيرة مثيرة للحنين والنوستالجيا على الإنترنت بعد ذلك.

بروفة موت.. عن درس كريمة لمعتز وإخوته: احزنوا لكن كونوا أقوياء

فى شهر رمضان عام ٢٠٠٧ كان الناس على موعد مع مسلسل فريد من نوعه ألفه يوسف معاطى وأخرجه مجدى أبوعميرة فى وقت كان المشاهد المصرى متشوقًا لرائحة دراما الثمانينيات والتسعينيات الحلوة، فجاء الرهان على مسلسل «يتربى فى عزو» للنجم يحيى الفخرانى، رابحًا.

كسب الجميع الرهان فى هذا المسلسل الذى قلب مصر حرفيًا بفضل ماما نونة، الدور الذى أدته باقتدار كريمة مختار، وحصلت منه على جائزة أفضل ممثلة من مهرجان الإعلام العربى حينها وهى بنت الـ٧٣ عامًا، لكن طاقتها الفنية لم تفتر لحظة واحدة.

على الرغم من روعة كل مشاهد كريمة مختار لكن يبقى المشهد الأهم فى المسلسل الذى أبكى الجميع، هو مشهد وفاة ماما نونة، لكن الغريب أن كريمة مختار على ما يبدو تعاملت مع هذا المشهد على أنه بروفة موت حقيقى قبل موتها بعشر سنوات، وتحدثت عنه باستفاضة مع أقرب الناس إليها ابنها الإعلامى الكبير معتز الدمرداش عندما استضافها فى آخر يوم من رمضان ٢٠٠٧ بعد عرض حلقة موت ماما نونة، حيث قالت نصًا: «الابن لازم يفهم إنه هييجى يوم يتمنى رجوع أمه أو أبوه ساعة،».

المفارقة أن تلك المرة لم تكن الدرس الأول الذى تعلمه معتز من أمه فى التعامل مع الموت، حيث تلقى درسًا آخر قبلها بعقود بينما كان ما زال طالبًا فى الجامعة أواخر السبعينيات، حكى هو شخصيًا عنه من خلال موقف ملهم من فنانة تحترم فنها وتعرف قيمة ما تقدمه للناس.

كانت كريمة مختار فى أوج ألقها على مسرح فرقة الفنانين المتحدين لتؤدى الدور الأيقونى الآخر «زينب» أم العيال التى كبرت، ولك أن تتخيل قدر النجاح الجماهيرى الذى كانت تحققه تلك المسرحية العظيمة حينها.. ولكن فى يوم من أيام العرض ذهب المشاهدون بتذاكرهم ليجدوا أن المسرح مغلق وعليه لافتة كبيرة تقول: «المسرحية إجازة لوفاة السيد محمد البدرى والد بطلة العرض السيدة كريمة مختار».. توقع جميع صنّاع المسرحية أن تطول الإجازة وتأهبوا لذلك، لمعرفتهم بمدى ارتباط كريمة بأبيها، لكن سمير خفاجى مدير الفرقة فوجئ بكريمة فى اليوم التالى للوفاة تخبره بأن يفتح أبواب المسرح بشكل اعتيادى بدءًا من الغد، ولم تفلح معها محاولات خفاجى أن تأخذ وقتها فى الحزن، خصوصًا أن المسرحية كوميدية مما جعله مشفقًا عليها.. لكن كريمة أعطت درسًا مبكرًا لابنها معتز قبل أن يكون لباقى أفراد المسرحية، حيث ذهب معها الابن الجامعى تلك الليلة خوفًا وإشفاقًا عليها بعد أن شاهد انهيارها النفسى لوفاة جده.. ليفاجأ معتز بالاستقبال الرهيب من الجمهور الذى وقف يصفق لها ربع ساعة عندما ظهرت على المسرح.. ثم أدت دورها كما ينبغى بعد أن أغلقت قلبها على طوفان أحزان رحيل الأب.. وكأنها ترسل برسالة إلى الجميع، وأولهم الابن المترقب فى الصف الأول من المسرح، مفادها أن «احزن لكن كن قويًا ودع الحياة تمر».